جو بايدن يوجِّه رجال المخابرات … بقلم فلاديمير كودريافتسييف

جو بايدن يوجِّه رجال المخابرات
بقلم فلاديمير كودريافتسييف
المصدر:
ترجمة عادل حبه

بايدن يتحدث أمام رجال الأجهزة الخاصة

هل سيتحكم بايدن في المعلومات التي يتلقاها؟
في نهاية تموز الماضي، ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن كلمة في مكتب رئيس المخابرات الوطنية، حيث وجه الشكر لضباط المخابرات على عملهم. وإذا ما نظرنا عن كثب إلى الخطاب، ومن بينها النكات والعبارات الشائعة، فمن الممكن أن نجد أفكاراً مهمة جداً حول نظرة أمريكا للعالم من حولنا وأهداف القيادة الأمريكية.
بادئ ذي بدء، أشار بايدن إلى أن “العالم يتغير بسرعة كبيرة، من الناحية التكنولوجية ومن حيث التحالفات والعلاقات الإنسانية، بحيث ستتغير الحرب بشكل أساسي في السنوات العشر المقبلة مقارنةً بالخمسين عاماً الماضية. وهذه ليست مبالغة بل حقيقة “. ومع ذلك، ما الذي سيتغير بالضبط؟ وكيف تنوي واشنطن الرد على التغيير؟
يمكن للمرء أن يفهم من خطاب بايدن أن العلاقات مع روسيا والصين ستصبح الموضوع الرئيسي في نهج إدارته. ويجب ملاحظة ما يلي هنا أنه لم يتحدث عن إيران أو كوريا الشمالية أو الشرق الأوسط أو حتى عن أوروبا. بمعنى آخر، كل هذه البلدان تعد غير مهمة، فالشيء الرئيسي هما موسكو وبكين، حيث سيتعين علينا التنافس جيوسياسياً وأيديولوجياً والتفاوض معهما. ويجب أن تتركز القوى الرئيسية على هذا. في الواقع إن هذا ما هو إلاّ تأكيد للحكم على النظام العالمي القديم أحادي القطب، وعلى الأوروبيين أن يفكروا في نظرة الازدراء التي ينظر إليهم “الأخ الأكبر” في الخارج.
كيف تفهم أمريكا أهداف روسيا والصين؟
أعلن جو بايدن: أن “بوتين لديه مشكلة حقيقية: إنه يجلس على قمة اقتصاد لديه أسلحة نووية وآبار نفط ولا شيء غير ذلك. لا شئ! هل أن اقتصادهم يحتل فعلاً المرتبة الثامنة في العالم؟ إنه يعلم أن لديه مشاكل حقيقية، وهذا ، على ما أعتقد ، يشكل أكثر خطورة في سلوك بوتين” .

ويعتبر الرئيس الأمريكي أن روسيا تتدخل بالفعل في انتخابات الكونغرس المقرر إجراؤها في عام 2022. وفي الوقت نفسه، أثلج بايدن صدور جمهوره حين قال: أن الرئيس الروسي: “يعلم أنكم أفضل من فريقه، وهذا ما يقلقه بشدة”. وتحدث بايدن عن الصين، فقال إن شي جين بينغ يعتزم جعل بلاده أكبر قوة عسكرية وأكبر اقتصاد في العالم بحلول الأربعينيات من القرن الحادي والعشرين
وهناك أمر مثير للاهتمام يبرز على السطح: وهي خطط بكين، فهي واضحة بشكل عام بالنسية لأمريكا من وجهة نظر التخطيط الستراتيجي بعيدة المدى. لكن لا يزال من المتعذر على واشنطن التنبؤ بمواقف يوتين، وبالتالي يُنظر إليه على أنه عنصر خطر بشكل مضاعف. فسلوك بوتين يثير الحيرة بإستمرار: فتارة يضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وتارة أخرى يتدخل في سوريا، ثم يقوم بصنع أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، على الرغم من حقيقة أن “بوتين لديه مشكلة حقيقية…..”.
إن الأمريكان يلامون لأنهم هم المسؤولون عن ” عدم فهم الذهنية الروسية”: فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، انهارت في الوقت نفسه المدرسة الأمريكية الخاصة بعلم السوفيات، وإن الأمريكان الذين اعتبروا أنهم خرجوا منتصرين لم يروا فائدة من دراسة وفهم “دولة إمدادات الغاز” ، فهم إعتقدوا على ما يبدو أنه عندما ينهار الاتحاد الروسي، سيكون عليهم فقط جمع الكعكة. نتيجة لذلك ، انقضى الوقت الذي يمكن أن تؤثر فيه واشنطن بشكل مباشر على قرارات القيادة الروسية، وواصل الأمريكان العمل وفقاً للمخططات القديمة: أي دعم المعارضة غير النظامية، واللعب على تفاقم “المشكلة الأوكرانية”، وإثارة الاستفزازات ، وفرض العقوبات عليها والتي لم تؤد في نهاية المطاف إلى أية نتيجة.
وهكذا أصبح من الصعب تحديد ما سينتج عن تلك السياسة. إذ تبلور وضع خطير حالياً، لأنه عندما لا تفهم خصمك ، فهناك احتمال كبير أن ترتكب الخطأ تلو الآخر.
العنصر الثاني المهم في خطاب بايدن دار حول التكنولوجيا، حيث إنطوى على عدة جوانب. لقد أشار رئيس الولايات المتحدة إلى أن الهجمات الإلكترونية يمكن أن تشعل لهيب حرب ساخنة كبيرة. في هذا التفسير، سيصبح قراصنة تكنولوجيا المعلومات المقاتلين الرئيسيين في حرب الدول الرائدة. ومع ذلك، في الوقت الذي لا ينبغي لأحد أن ينسى احتمال استخدام الأسلحة التقليدية أيضاً ؛ فقد عبر بايدن بصوت عال عن الحاجة إلى الاستثمار في البحث العلمي، معترفاً في الواقع بالضعف التكنولوجي للولايات المتحدة..
ومن المثير للاهتمام، في هذا الصدد ، أن بايدن يلفت الانتباه إلى مشكلة ضعف مستوى التعليم العام ؛ حيث تتفاقم الآن هذه المشكلة في الولايات المتحدة . لقد عملت أمريكا لفترة طويلة على إنشاء مجتمع استهلاكي يسهل التلاعب به لدرجة أنها لم تعتقد أنه في مرحلة ما قد يبدأ شخص آخر دونهم في التلاعب به (تاريخ واحد يتكرر مع نظرية المؤامرة الأمريكية الشائعة التي لاتستحق أي عناء لفهمها). فمن هو الذي سيدخل في صراع ضد الهجمات الإلكترونية ويقوم بصنع صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت؟ فلقد أصبح من الصعب بشكل متزايد معالجة تحدي انخفاض مستويات التعليم عن طريق “شراء العقول”.
وأخيراً ، تطرق بايدن إلى موضوع تغير المناخ وذكر القطب الشمالي، بمعنى إن أمريكا تنوي الدخول في صراع من أجل توسيع نفوذها هناك. وهنا تجد الولايات المتحدة نفسها تلهث في موقف اللحاق بالركب، بقدر ما يتعلق الأمر بروسيا.
كانت خلاصة الكلمات في خطاب الرئيس أمام العسكريين في جهاز المخابرات الوطني هي: “تحدثوا معي بصراحة، ولست بحاجة إلى القول المعسول، فأنا بحاجة إلى تقييمات مباشرة وصادقة “. إنه لمن المناسب أن يشير بايدن إلى ألاعيب مؤسسات أجهزة الخدمات الخاصة المختلفة ، والتي يوجد عدد كبير منها في الولايات المتحدة والتي تميل إلى التنافس بعضها مع البعض، وتجلب للمسؤول الأول معلومات (مفيدة) ولكنها ليست موضوعية.
سيكون الأمر أسوأ بكثير إذا لاحظ بايدن أنهم كانوا يحاولون جعله رئيس شرف، ورسم صورة وردية له للعالم. في الحالة الثانية، فإن السؤال المهم المطروح بشكل خاص ما إذا كان بايدن سيفرض سيطرته على المعلومات التي يتلقاها، وهو أمر أصبح ذا أهمية قصوى في الظرف الراهن.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here