عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّامِنةُ (٣) [تجديدُ الفكرِ العاشُورائي]

                                     نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

   نحنُ نحرَصُ على تحديثِ كُلَّ شيءٍ في حياتِنا وباستمرارٍ حسب الحاجةِ والظُّروف والرَّغبةِ و [البرستيج]، السيَّارة والمنزِل والحِذاء والنظَّارة الشَّمسيَّة والملاعِق والصُّحونوالأَثاث وجهاز الهاتف والمِسبحة وربطة العُنق وتسريحة شعرنا لتنسجم مع آخر موديل نزلَ في السُّوق والـ [T-Shirt] لينسجم مع نجم الكُرة المُفضَّل وكُلَّ شيءٍ ماديٍّآخر!.

   أَمَّا العقلُ والثَّقافة وما نقرأَهُ ونُطالعهُ وما نُشاهدهُ ونُتابعهُ وكُلُّ ما يتركُ أَثراً مُباشِراً على سلُوكِنا وأَخلاقِنا وطريقةِ فهمِنا واستيعابِنا للأُمورِ والأَحداثِ فلا نُحدِّث أَنفُسنابتحديثِها، حتّى لقد صدأَ العقلُ ومرضَ القلبُ وتكلَّست الثَّقافة والفكر، فلا تجديدٌ ولا تحديثٌ ولا هُم يحزنُون!.

   لقد توقَّف عندنا زمَنُ العمالِقةِ من المفكِّرين والباحثين والمُتحدِّثين والمُؤَلِّفين والمُحقِّقين.

   وإِذا حاولَ مُفكِّرٌ مُجدِّد أَو باحثٌ متنوِّر أَو قلمٌ رساليٌّ حداثويٌّ أَن يقتحمَ مناطق اللَّامُفكَّرُ فيها فيما يخصُّ عاشوراء، كأَن يُفسِّر الحدث وتفاصيلهِ بطريقةٍ جديدةٍ ليصِلَإِلى تفسيراتٍ عقليَّةٍ ومنطقيَّةٍ خلافَ المألوف أَو أَن يُحقِّق في الرِّوايات والنُّصوص التي يتناقلها المِنبر عاماً بعد عامٍ حتى استهلكتهُ واستهلكت عقولَ المُتلقِّين، شنَّ المُتقَولبُونَعليهِ الغارات واتَّهموهُ بالعداءِ للحُسينِ السِّبط (ع) والتَّقليلِ من قيمةِ عاشوراء، فيما لا يتورَّع آخرونَ عن طردهِ من المِلَّةِ وإِخراجهِ من المذهبِ!.

   يقفُ خلفَ هؤُلاء جيشٌ من الجَهلةِ والإِمَّعاتِ الذين استأجرَ المُؤَدلجُونَ عقولهُم فلم يعودُوا يمتلكُونَ منها شيئاً، فتراهُم يُصادِقُونَ ويستعدُونَ بأَجهزةِ التحكُّم عن بُعدٍ.

   وهُم أَنفسهُم النُّموذج الذي تحكَّمَ بالواقعِ الذي عاشهُ الحُسين السِّبط (ع) فأَنتجَ عاشوراء الدمويَّة!.

   إِنَّ أَعظمَ التحدِّيات التي تواجهها الحقائق عندما يُسلِّم الرَّأي العام بشيءٍ ما لمجرَّد أَنَّها مُتداولة كثيراً جدّاً، ولذلكَ يَعمد الذُّباب الإِليكتروني إِلى نظريَّة [التَّداول العظيم] لغسلِ أَدمغةِ المُغفَّلين، فعندما تقتحمهُم الأَكاذيب من كُلِّ حدَبٍ وصَوب، تتحوَّل إِلى مُسلَّماتٍ لا يجوزُ [شرعاً] التشكيكِ فيها ومُناقشتِها والسُّؤالِ عنها!.

   وهذا هو التحدِّي الأَعظم الذي تواجههُ عاشوراء.

   سُؤَالان يقفزان هُنا إِلى الذِّهنِ؛

   الأَوَّل؛ وهل أَنَّ عاشوراء بحاجةٍ إِلى تجديدٍ في الفكرِ والثَّقافة والوعي لنستوعِبها معَ مرورِ الزَّمن؟!.

   هي حدثٌ تاريخيٌّ مضى وانتهى، فكيفَ نُجدِّد فكرها؟! فالتِّكرارُ والإِجترارُ سِمةُ أَحداث التَّاريخ عندما نتناقلها!.

   الثَّاني؛ مَن الذي يرفُض التَّجديد والتَّحديث؟! ومَن هوَ الذي يُحاربُ ذلكَ؟!.

   الجواب؛ إِذا كُنَّا نرى في عاشوراء سُنَّةً إِلهيَّة في عبادهِ سرَت على مُجتمعٍ ما في ظرفٍ ما وزمنٍ ما وفي مكانٍ ما، فإِنَّنا بحاجةٍ إِلى تجديدِ الفكرِ والوعي فيها، لأَنَّ منطبيعةِ السُّنن أَنَّها تتكرَّر كلَّما تهيَّأَت نفس الظُّروف والعوامِل والأَسباب التي حصلت فيها في المرَّةِ الأُولى.

   ولذلكَ نُلاحظ الإِبداعات في كتابات المُفكِّرين بشأنِ أَحداثِ الماضي بينَ الفترةِ والأُخرى وكأَنَّهم يكتشفُونَ إِلماعاتٍ جديدةٍ وإِلتفاتاتٍ إِبداعيَّة كأَنَّما كانت غائبة عمَّن سبقهُم.

   والسُّنن من طبيعتِها إِذا أَرادَ كلَّ جيلٍ أَن يستوعبَها يلزمهُ أَن يقرأَها بعقلهِ حسبَ حاجتهِ الزَّمكانيَّة وليسَ حسبَ حاجةِ مَن سبقهُ لأَنَّ الظُّروف تتغيَّر معَ الزَّمان والمكان.

   كما لَو أَنَّنا نقرأ القُرآن الكريم، فعلى الرَّغمِ من أَنَّهُ نزلَ قبلَ [١٤] قرناً وهو نفسهُ لم يتغيَّر إِلَّا أَنَّ كُلَّ جيلٍ يستنبط منهُ حاجاتهُ الزَّمكانيَّة وعلى مُختلفِ الأَصعدةِ.

   نعم؛ إِذا كانَ المبنى هو سرد الذِّكرى فقط فنحنُ في هذهِ الحالةِ لسنا بحاجةٍ إِلى التَّجديدِ والتَّحديثِ، لكنَّنا لا نُريدها حدثاً فقط وإِنَّما درساً وعِبرةً ونموذجاً، ولذلك يلزمناتجديد النَّقل والتَّفسير والتَّحليل من أَجلِ فهمٍ مُتجدِّد.

   ولهذا نرى أَنَّ من كتبَ في الذِّكرى وعلى مرِّ التَّاريخ، كثيرُون جدّاً، إِختلفُوا وتناقضُوا وتقاطعُوا وعلى مُختلفِ المُستويات، سواءً على مُستوى نقل النُّصوص بما فيهاخِطابات ورسائِل الحُسين السِّبط (ع) في مُختلفِ مراحل مسيرتهِ مُنذُ لحظةِ رفضهِ البَيعة للطَّاغية يزيد وتركهِ مدينةَ جدِّهِ رسولُ الله (ص) المدينة المُنوَّرة وحتَّى استشهادِهِ فيكربلاء في يومِ العاشرِ من المُحرَّم الحرام عام ٦١ للهجرةِ مروراً بمكَّة المُكرَّمة التي قضى فيها أَشهراً قبلَ أَن يتحرَّك مِنها باتِّجاهِ الكوفةِ وكُلِّ المنازلِ التي مرَّ بها ونزلَ فيها.

   والذين يُحاربونَ التَّجديدِ والتَّحديثِ في الفكرِ العاشُورائي الذينَ يريدُنها [سرداً تاريخيّاً كلاسيكيّاً] هُم تُجَّار الجَهل والغَفلة الذين لا يُريدُونَ للمُجتمعِ أَن يستيقظَ فيظلّغافِلاً غافِياً على حدثٍ تاريخيٍّ لا علاقةَ لنا بهِ إِلَّا بالمشاعرِ والعواطفِ الخاليةِ من العقلِ والفهمِ والوعي الذي أَساسهُ التَّفسير والتَّحليل.

   والذين لا يملِكُونَ من العلمِ والمعرفةِ إِلَّا اللَّمم، ما يدفعهُم لمحاربةِ التَّجديد حتَّى يسترُوا على أَنفسهِم وعلى مُستوى علمهِم بالأَمرِ، وهذهِ من طبيعةِ الأَشياءِ عادةً، فالجاهِلُيُحارِبُ العالِم حتَّى يستُرَ على جهلهِ! وأَنَّ البحثَ والتَّحليلَ والتَّفسيرَ يفضحهُ كما هُوَ معروفٌ.

  ١١ آب ٢٠٢١

                            لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here