كيف نفهم وقعة كربلاء ؟  

كيف نفهم وقعة كربلاء ؟  
 
 
هذا  السؤال  يواجهنا  في كل مرة   ،   وفي كل مرة  يكون جوابنا  عليه  بالدعوة إلى  إعادة النظر في تاريخ   –  وقعة كربلاء  –  ،  والدعوة منا دائماً  لتصحيح ماورد من أخبار وروايات  مزيفة علقت  بالوقعة جراء  فعل معروف النوايا   والأهداف    ،  ولهذا نقول  دائماً  :  إن  من بين كل الأحداث  والوقائع  التاريخية   تبدو  لنا  –  وقعة كربلاء –  من أكثرها  حيوية  و قيمة    وإنسجاما مع حياة الشعوب والأمم  المحبة للعدل والحرية  والسلام  ،  ونعلم جيداً  أن  ليس  هناك  ثمة  وقعة أثرت في  حياة   الناس  كما   هي  وقعة كربلاء ،   ذلك لما تحمل  في طياتها   الكثير  من  القضايا والهموم والمشكلات  الإنسانية  التي  يتداخل فيها   العقلي  مع  الروحي  كتداخل  المعرفي   مع العاطفي   . 
   نعم  هي  كذلك   أعني  هي  كل هذا وزيادة   ،   و لكن  الذي نريد متابعته  في جوابنا على سؤالنا المتقدم  ،  هو ليس  هذه الحبكة من القصص والأخبار  التي يفتعلها   البعض  على نحو بكائي  وعاطفي    ،    لكنما  هي  تلك القيمة الحضارية التي  حاولت الوقعة  إيصالها إلينا وتعريفنا بها  ،  مع إعترافنا بأن ماوصل إلينا منها  نادر ومشوب بكثير  من الإشكاليات التاريخية والروائية   . 
ونعيد الإعتراف   بان الوقعة   قد أصابها  الكثير   من الوهن  والتحريف  والتزييف  المتعمد  ،    الذي قام به وفعله   كهنة  وأنصاف متعلمين  ومهرجين  جهلة  ،  أولئك  الذين  نسجوا  من  حولها  الخرافات   والوهم والتسطيح والتجهيل وأشاعوها  بين الناس على أمل أن تدر عليهم بعض من فتات هذه الدنيا الزائلة     ،   وهم يعلمون  أن ذلك يضر بقيم   الوقعة  وأهدافها  النبيلة والعظيمة   ، وكلنا  يعلم  ما  قام   به  رجال  دين  ووضاعين   وساسة  نفعيين  ومرتزقة  من دس  وتشويه  متعمد  ،  لتغيير  سجل  هذه   الوقعة العظيمة  و هؤلاء المشار إليهم   نشروا بين الناس أخبار  كاذبة  وقصص وهمية وإعتقادات باطلة  ،  عن الإمام الحسين وعن  أهدافه وعن سر تحركه  ،  مستفيدين بقدر ما  من  علاقة الناس بأهل البيت  ،    ولهذا  عمدوا  على الترويج    لهذا الزيف   و لكل ما يعمل علة  تشتيت العقل  ودفعه  للتنافر والبغضاء والكراهية المقصودة   ، وتناوب على هذا  الدور كما قلنا   مهرجون  جهلة   وفئات  فاسدة وفاشلة  قد  لفظها التاريخ  والزمن  ،  ولم يجدوا  ما يعتاشون عليه  سوى هذا الطريق  فعملوا عن عمد   لتجهيل الناس وخداعهم كما يفعلون في كل مرة أيام عاشوراء ومابعدها . 
ان بعض  المرتزقة  من  رجال دين يجدون في –  وقعة كربلاء –   ملاذاً  آمناً  ،   يبثون  من خلالها  سمومهم وكذبهم الفاضح ،   وكلنا يعلم كم كانت صريحة مقولة   الإمام عليه السلام  حينما  قال  : –  إنما خرجت  لطلب  الإصلاح  في أمة جدي  ….  –  ،   ومفهوم  الإصلاح  الذي يعنيه  ويقصده   هو  في  الحكم  و في الدولة   [  أعني الإصلاح السياسي الإجتماعي والإقتصادي ]   ،  ومعلوم بالضرورة   إن  أول مبادئ   الإصلاح  المقصود  :  
1 –   هو في إقامة  العدل  الإجتماعي  الذي لا يكون إلاَّ بوجود حكومة صالحة    . 
يقودنا هذا  للإعلان  بان  الإمام  الحسين   عليه السلام   لم يتحرك    لكي  يعلم الناس   الصلاة  أو  الصيام  أو سائر العبادات    ،  ولم يتحرك  لكي يدعوا الناس  للدخول  في دين الإسلام  بالسيف   ،  بل جاء ليقيم العدل وينشر السلام والحرية  ، كان يريد ان يكون حاكماً عادلاً للناس كافة  ،   فإقامة العدالة الإجتماعية وحماية الناس من الظلم والإستبداد والدكتاتورية  هو  الهدف  الأسمى  الذي  تحرك من أجله  الإمام  . 
2 –    وفي السياق  نفسه   يجب رفض قول  جماعة  المهرجين  من أهل المنابر  ، أولئك   الذين يزعمون  بان الإمام لم يبايع يزيد  لأنه كان شارباً للخمر !!!!   . 
  فهذا القول ساذج وسخيف ولا ينتمي إلى فكر الإمام  وترديده  على المنابر دليل جهل بتاريخية قيام الإمام   ،   نعم   إن  ما يريده الإمام  من إقامة الحكم العادل  يتلخص  بالمعنى التالي    :
أ  –    التوزيع العادل للثروة  وردم الهوة  بين الطبقات والفئات المجتمعية  ،  إذ  لا يصح  أن تعيش فئة من الأغنياء وباقي الناس يموتون  فقرا وفاقة . 
 ب  –  تبني مشروع  الدفاع  عن المظلومين  وحمايتهم من التعدي  والعنف والإكراه  ، وفي ذلك لا يجب التفريق  أو النظر من خلال الولاء أو الإنتماء   الديني والعرقي . 
ج  –     إلغاء الإمتيازات التي سنتها دولة الظلم الأموي  ،  وإلغاء نظام حاكمية القبيلة  أو العشيرة   ، أعني رفض الإنتماء والولاء الضيق للعشيرة والقبيلة والدعوة للإندماج  في الكيان العام للدولة   . 
د  –  إلغاء  نظام ولاية  العهد  الذي أعتمده معاوية   ،  وإستبدال ذلك  بنظام الإختيار الشعبي للحاكم    ،  فالحاكم الحقيقي هو من يختاره الناس  . 
  إذ الحكم في الإسلام شورى بين الناس هكذا يقول الله في أمرهم شورى بينهم  ، ولم يعتمد التنصيب الذي وفد للمسلمين من خلال الجاهلية ومن خلال الموالي الذين  دخلوا في الإسلام عنوة  . 
من هنا نستطيع القول ومن غير مواربة  ان قيامة الإمام الحسين إنما كانت من أجل إقامة الحكم العادل ، وإعادة الحكم لمن يستحقه والإمام كان أولى الناس في ذلك ، ولهذا أمن بدعوات أهل العراق وتحرك من أجل إنقاذهم من ظلم الدولة الأموية ، وعليه فقيامة الإمام قيامة سياسية إجتماعية إقتصادية بإمتياز  ، هكذا يجب أن نفهم وقعة كربلاء من خلال القراءة التاريخية والمعرفية الرصينة وليس عبر التهريج الذي يعتمده الجهلة من رجال الدين لغاية في أنفسهم ، غاية مفضوحة وسيئة بكل المقاييس . 
وللحسين  منا سلاماً … 
راغب الركابي   

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here