عصام الياسري
منذ احتلاله قبل ثمانة عشر عاما لازال العراق يعاني من وطأة التدخلات الاجنبية من قبل الولايات المتحدة وايران وتركيا وجعله ساحة صراع وحروب مدمرة، ولازال من يسمون بالسياسيين يتناحرون على مراكز النفوذ وكتل احزابهم تتصارع على السلطة ونهب مقدرات البلد وثرواته. مضافا الى ذلك انتشار السلاح “المحمي” والفوضى التي تقوم بها الميليشيات الولائية والعقائدية، كل ذلك جعل الشعب يدفع ثمنا باهظا، وجعل العراق يفقد الكثير من فرص التطور والتقدم، ليصبح في عداد الدول المتخلفة في الميادين التقنية والعلمية والاقتصادية والصحية والاجتماعية. لقد أصبح هدف تغيير النظام السياسي الطائفي الذي أطاح بالدولة وقيمها ومبادئها الاساسية بالكامل مسؤولية وطنية وأخلاقية لا تقبل المجاملات والمساومة والمناورات السياسية. مما يتوجب على الشعب وقوى ثورة تشرين التموضع السياسي والوطني الحقيقي للحفاظ على ما تبقى من اوراق ضغط لانجاز عملية تقرير المصير والتغيير السياسي الشامل لاستعادة الدولة. ولتحقيق هذه القيم ينبغي مواجهة الادعاءات الزائفة التي تنتهجها بعض الاحزاب لتسويق نفسها على انها حليفة “ثورة الفقراء والجياع”، الذين عانوا منذ ثمانية عشر عاما من نظام حكم طائفي ـ عرقي أنتج الارهاب والفساد والمليشيات المسلحة التي أشاعت الفوضى وعمليات الخطف والقتل والتهجير القسري وحولت حياة العراقيين الى جحيم حقيقي كما وأوصلت بلاد الرافدين الى حافة الانهيار.
أن ما يطرأ على السياسة العامة للدولة بسبب الصراعات الطائفية والعرقية اليومية لم يعد حدثا استثنائيا، بل هو شأن ممنهج ، تتحكم في ادارته ميليشيات ولائية اشد بأسا ونفوذا من الدولة، تؤثر في صياغة القرار واتخاذه على المستويين الداخلي والخارجي، تؤدي بين الحين والآخر إلى صراعات تكاد أن تقوض مصير العراق وتتجه به نحو المجهول. فيما القضايا المصيرية الهامة التي تعني في الدرجة الأولى المواطن العراقي، لاتزال منذ تشكيل أول إدارة حكم في البلاد على يدِ الاحتلال عالقة ولم يتحقق اصلاحها لغاية اليوم، وفي مقدمتها النقص الكبير في إمدادات الماء والكهرباء وتدهورالنظام الصحي وأتساع الهجرة والتهجير وتصاعد عدد الأرامل واليتامى وتفشي البطالة والإرهاب والقتل على الهوية. لا بل مسألة نظام الحكم ومؤسساته برمتها، تفتقر الى المرجعية القانونية والقضائية التي لابد الاحتكام إليهما، آليا وحرفيا، وليس على أساس انتماءات عقائدية وحزبية تقتضيها مصالح أطراف النزاع ـ الطائفية والقومية ـ وفق منهج العمل بما يسمى “ضرورة التوافق” سيئ الصيت الذي عطل ميكانيكيا كل أمر في البلد.
تحاول بعض القوى والاحزاب داخل السلطة وخارجها تحت ذريعة حماية الديمقراطية والعملية السياسية اسقاط جميع الاوراق من يد صناع ثورة تشرين لتفادي خسارة مواقعها داخل المجتمع وافراغ الثورة من مضامينها الوطنية وفي مقدمتها القضاء على الفساد الذي انهك الدولة والمجتمع وحال دون اعمار البلد وتحسين احوال الناس الامنية والصحية والاقتصادية وانهاء انتشار الميليشيات وسلاحها المنفلت وتحقيق العدالة وعدم
الافلات من العقاب. إن ما يجري في العراق من أَساليب منافية للأعراف والقوانين كسرقة المال العام وتوزيع الامتيازات والعقارات على منتسبي احزاب السلطة، وانتشار الفوضى والتخندق الطائفي، وانتعاش أساليب قتل المتظاهرين وأصحاب الفكر والعلم والرأي وممارسة القمع والتهديد السياسي، وأخيرا وليس آخرا الخطف والابتزاز المنظم، هنالك تجاهل للشعب، الذي أصبح بنظر الطبقة الحاكمة في حكم الغائب، لا يُسأل عن رأيه في القضايا المصيرية. كل ذلك ليس أمرا عجيبا في عراق اليوم. إنما العجب، ان لا تجد بين القائمين على ادارة الدولة ومؤسساتها، من يقوم ولو بالجزء اليسير من صلاحياته لوضع حد للازمات وجعل المواطن يطمئِن على حياته ومستقبله، ويشعر أنه يقترب من نهاية النفق المظلم نحو عالم جديد منفتح ومستقبل أفضل .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط