*كيف كنّا نستقبل (مُحرَّم) في الكريعات* / الجزء الثاني

*كيف كنّا نستقبل (مُحرَّم) في الكريعات* / الجزء الثاني

عن آبائنا وأجدادنا الكرام حيث رُوِيَ عنهم بأنّ أوّلَ موكب تشكّلَ في منطقة الكريعات كان عام ١٩١٧ وهناك (يافطة) مُطرّزه ومصنوعة في إيران موجودة إلى اليوم في بيت المرحوم محمد حسين هاشم محمد عباس الجبوري (الملقب هاشم حمادة) تؤكّد ذلك، ويُروى أنّ جدّ أبناء منطقة الكريعات الأوّل هو الشيخ (حسين الأكرع الجبوري) جدّ جبور الواوي، الذي نزل في هذا المكان الحالي قادماً من الموصل قبل أكثر من خمسة قرون.
وهو الذي أسّس أوّل موكبٍ بعد أن كان على المذهب الحنفي وقد مرض مرضاً شديداً وجيءَ له بطبيب من الكاظمية من بيت (سيد شبّر) لمعاينته وعلاجه وكان ذلك في أيّام عاشوراء، فأشار السيد من آل شبر المذكور، على (جدّ أبناء الكريعات) بالدعاء إلى الله والتوسُّل بجاه الحسين عند الله لكي يشفيه، كما يُروى: أنّ جدَّنا رفع رأسه ناظراً إلى السماء وهو يبكي ويتوسّل إلى الله بجاه الحسين قاطعاً على نفسه عهداَ لإن شفي من مرضه سيُصبح من الموالين لآل البيت عليهم السلام ومن السائرين على نهجهم وسيُقيم مأتمَ العزاء على الحسين مابقي في الحياة، ولمّا عوفيَ من مرضه، أخذ يُقيم مأتمَ العزاء على الحسين في كل عام.
وهكذا درجت الناس على ذلك إلى يومنا هذا، وبحسب ما نُقِلَ عن أجدادِنا أنّ المجالسَ كانت تُقام في الطرقات والازقّة منذ بداية القرن التاسع عشر حتّى بداية القرن العشرين، حيث أخذت الناس تتكاثر وأصبح من الواجب عليها أن تفكر في إنشاء بناية تقام فيها الشعائر الحسينية والمناسبات الدينية الأخرى، وبدأ وجهاء الكريعات مشاوراتهم حول الموضوع فعقدوا الاجتماع الأوّل في بيت الشيخ محمد علي ابو نايله، وضمّ الاجتماع الأوّل كُلّاً من: الشيخ المرحوم شلال محمد حسين الجبوري وكان من تجّار الشورجة في ذلك الوقت، والمرحوم رجل الأعمال المعروف الحاج ابراهيم حسن محمد علي الجبوري، والمرحوم حسين محمد علي عبد الرضا، وعن العريبات الحاج المرحوم عبد الله جبريت ، وعن بيت ابو شهيب المرحوم الملا منصور ، وعن بيت درويش المرحوم الحاج عبد فارس ، والحاج ياس خضير الجبوري ، والمرحوم حسين علي العيسى، والمرحوم هاشم محمد عباس، والمرحوم المختار الحاج زبالة (نيابة عن بيت الشيخ سعيّد) في الزويّة، والمرحوم الحاج عيد حسن حمد ، والمرحوم الحاج ابراهيم كاظم حمد الذي كان يدوّن محضرَ الاجتماع في دفتر خاص به لكونه كان يجيد الكتابة والقراءة (ملاحظة: هذه الأسماء ذكرَها لي المرحوم الحاج فاضل حسون الذي كان يحتفظ بنسخة منها والاستاذ محمد علي حسون الحبيب ) ولم ترد اعتباطاً أو تكهُّناً، وتمّ الاتفاق على شراء قطعة أرض تُسجّل كوقفية للإمام الحسين (ع) وتمّت بعدها المباشرة بالبناء عام ١٩٥١م حيث بدأ العمل المكثف والمستمر والذي شارك فيه جميع أبناء الكريعات بحيث لم يبقَ بيت إلّا وساهم في ذلك العمل الخيّر، كما ساهم عدد من تجار بغداد بدعم بناء الحسينية وبتوجيه من المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف.

واستمرَّ بناءُ الحسينية قرابةَ السنة وكان الأهالي يردّدون الأهازيج الشعبية الدينية والأشعار الحسينيّة أثناء عملهم ومنها: (عاونّه عليها يالكاظم) والأهزوجة الأخرى (باسم الله وبسمك نبنيها)، وبعد الانتهاء من بناء الحسينية وتأثيثها أصبحت جاهزة لإقامة المناسبات فيها وذلك في عام ١٩٥٢ م بعدها توجه أهالي الكريعات بوفد كبير إلى النجف الاشرف للطلب من الحوزة العلمية بتكليف ممثل شرعي لها في الكريعات لكي يؤمَّ الناس في صلواتهم وليكون إمامَ منطقة الكريعات في الحسينية، فتمّ تكليف السيد أحمد رضا الهندي طيّبَ اللهُ ثراه، وفي يوم قدومه إلى الكريعات تمّ استقباله استقبالاً مهيباً ونُحرت الذبائح وأُلقيت كلمات الترحيب ابتهاجاً بقدومه وهو نجل العلامة والشاعر الكبير السيد رضا الهندي صاحب القصيدة الكوثرية المشهورة، وقد ألقيَتْ كلمة من قبل السيد أحمد الهندي، ثم القى قصيدة عن حسينية الكريعات وهو الذي أطلق عليها إسم(الحسينية الجوادية) حيث قال في قصيدته ( شاد لكريعات حسينية بحبِّ الآل مبنيةً ….. ومنذ أراد الحقّ تاريخها….. قامت على التقوى الحسينية) وكانت هذه القصيدة منقوشة عند مدخل الحسينية، واستمرّ المرحوم السيد أحمد رضا الهندي بإمامة الناس في الحسينية الجوادية حتى عام ١٩٧٢ حيث انتقل الى الرفيق الاعلى تاركاً فينا ذكريات جميلة ستظل محفوظةً في عقولنا وراسخةً في ضمائرنا حيث كان مثال الإنسان التقيّ الورع والزاهد العابد المتواضع للناس من صغيرهم إلى كبيرهم، وهكذا بقيت منذ إنشائها إلى اليوم تقام فيها المناسبات الدينية وإحياء الشعائر الحسينية طيلة أيّام عاشوراء، ولم تستطع قوى الظلام البعثية بكل جبروتها أن تنال من إيمان أهالي الكريعات بنهج الحسين وعدالة قضيته في الإصلاح والثبات على الدين الحنيف ، يتبع الجزء الثالث ….

* جبر شلال الجبوري *

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here