كربلاء ..مقتل رجل؟ أم اغتصاب أمة؟

#احمد_الكاتب: #كربلاء ..مقتل رجل؟ أم اغتصاب أمة؟
#عاشوراء.. يوم الحسين.. #يوم_المظلوم_العالمي!
لماذا يصر الشيعة على إحياء ذكرى عاشوراء كل عام؟ وهل يعني ذلك محاولة لنصرة الحسين والمشاركة في معركة كربلاء؟ وكيف يمكن ذلك بعد أربعة عشر قرنا؟ وهل يمكن ان نرجع عقارب الساعة الى الوراء؟ وكيف يمكن أخذ الثأر لمقتله اليوم؟ ولماذا نعيش في الماضي؟ ألا تكفينا المآسي التي نعيشها والمجازر التي ترتكب بحق المسلمين في كل مكان؟
هذه الأسئلة وغيرها يرددها بعض الناس وهم يشاهدون الشيعة يحتفلون كل عام بمناسبة عاشوراء ويلبسون السواد ويقيمون مجالس العزاء ويبكون ويلطمون .
وفي الوقت الذي يوجه فيه ذلك البعض الاتهام للشيعة بالعيش في أعماق التاريخ ، يحاول ان يتناسى قصة كربلاء بالمرة وان يهرب من معانيها المؤلمة معتبرا إياها حدثا عابرا لا علاقة له بالحاضر ، وقد يتهم الشيعة بالطائفية بسبب إصرارهم على إحياء ذكرى عاشوراء كل عام.
لا شك ان حدثا تاريخيا ، بحجم معركة كربلاء ، استطاع ان يحفر نفسه في عمق الزمان والمكان ويصل إلينا اليوم لم يكن حدثا عابرا وبسيطا ، واذا كان بعض الناس يستذكر الحدث بعيدا عن معانيه الخالدة او يحتفل به بصورة سلبية او يستخدمه لتحقيق أغراض معينة فان ذلك لا يمنعنا من النظر اليه بعمق ومحاولة فهمه بصورة إيجابية تمهيدا للاستفادة منه في عملية بناء مجتمعنا وشحنه بالطاقات الضرورية لمواجهة التحديات.
لكي نفهم الحسين جيدا لا بد ان نفهم قاتله يزيد جيدا ، فهو لم يكن نموذجا شخصيا عابرا أو حاكما اقترف جريمة قتل بحق رجل بريء فقط ، وانما هو عنوان على بداية مرحلة تحول نحو الأسفل أصاب الأمة الاسلامية ، ومثال على عملية اغتصاب السلطة والحكم بالقوة والحديد وتزوير ارادة الامة ومصادرة حريتها بالكامل وتحويلها الى أمة من العبيد واسترقاقها سياسيا ، وقد تجلى ذلك بصراحة في صيغة البيعة التي أجبر خلالها جيش يزيد بن معاوية أهالي المدينة المنورة من الصحابة والتابعين بعد واقعة الحرة على الإقرار على أنفسهم بأنهم خول وعبيد ليزيد ان شاء أعتق وان شاء استرق!
ظهر نموذج يزيد بن معاوية في التاريخ في وقت كانت الامة الاسلامية تعاني من أزمة تفكك فقدت فيها فاعليتها وقدرتها على التحرك بصورة مجتمعة ، وان لم تفقد روح المقاومة لعملية استعبادها ومصادرة حريتها السياسية ، وفي وقت انتشرت فيه ثقافة التخدير والاستسلام واعتبار كل حركة خروجا مذموما وفتنة مكروهة.
وبينما كانت الامة الاسلامية التي حررها الله تعالى تحمل رسالة الاسلام والحرية الى العالم وترفع هذه الآية ( يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) شعارا لها ، كان البعض يحاول استعبادها بالقوة والإغراء والثقافة المنحرفة.
وفي الوقت الذي كان ينتظر ان تطور الامة الاسلامية نظام الشورى وتسد بعض الثغرات التي سمحت بحدوث الفتنة الكبرى بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان واحتراب المسلمين في البصرة وصفين ، اتجه آل ابي سفيان الذين سيطروا على الخلافة بالقوة الى إلغاء نظام الشورى وتكريس نظام التوارث واحتكار السلطة في عائلة واحدة . ونصب معاوية بن ابي سفيان ابنه يزيد خليفة على المسلمين خلافا لاتفاقية الصلح التي أبرمها مع الامام الحسن بن علي الذي تنازل له عن الخلافة على شرط ان تعود بعد موته شورى بين المسلمين.
ومن هنا كان تعيين يزيد بالقوة والوراثة خليفة على المسلمين طعنة كبرى للأمة الاسلامية وعلامة انهيار وبداية مسيرة انحدارية وبابا لفتنة لم تتوقف ، حيث تحول التاريخ الاسلامي الى سلسلة طويلة من الحكام الذين يستولون على السلطة بالقوة فيورثونها لأبنائهم وأحفادهم ولا يتنازلون عنها الا تحت ضغط ثورات شعبية او انقلابات عسكرية او حركات تمرد مسلحة ، تراق فيها أنهار من الدماء والدموع وتستنزف فيها طاقات الأمة وخيراتها وثرواتها ، وتنتهك فيها أعراضها وقيمها ومقدساتها .
أصبحت الأمة بين أمرين: اما الاستسلام والخنوع والخضوع والقبول بتكميم الأفواه والعبودية للظلمة والطواغيت ، واما التمرد والثورة والخروج ، ولم تعثر على طريق ثالث يتم فيه تبادل السلطة بشكل سلمي وحر وتحترم فيه الحقوق والكرامات والحريات العامة. وان الواقع العربي والاسلامي الذي نعيشه اليوم يشكل افضل دليل على ذلك الانحراف الذي استمر منذ ذلك الحين.
ولقد كان هذا الانحراف الذي أصاب الامة الاسلامية سببا في انحطاطها وتأخرها وتمزقها وتناحرها واضطرابها على مدى التاريخ حتى ضاعت كلمتها بين الأمم أصبحت ذليلة مستعمرة.
وهكذا لم يكن الحسين ثائرا عاديا او شهيدا مظلوما او باحثا عن سلطة.. فلقد كان علامة مضيئة على الطريق الثالث الذي فقده المسلمون ، ورائدا يمثل روح المقاومة الاسلامية والحرية والشورى التي كانت تنبض في قلوب الأحرار.. لقد استجاب الى نداء أهل الكوفة التي كانت تمثل حاضرة العالم الاسلامي ، الذين انتخبوه اماما لهم بعد ان رفضوا بيعة يزيد ، وسار من الحجاز الى العراق رغم المخاطر التي كانت تحف بحركته ، لأنه أراد ان يرفض البدعة السيئة (البيعة بالقوة والإكراه) التي أحدثها معاوية بن ابي سفيان ، وأراد ان يحافظ على حرية الامة وكرامتها وكلمتها المستقلة ، وقد أعلن عند خروجه: أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، وقال ان يزيد يخيره بين السلة والذلة وهيهات ان يختار الذلة ، وقال لجيش يزيد: والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد ، وخاطبهم قائلا: ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد وكنتم عربا كما تزعمون فكونوا أحرارا في دنياكم.
ومن أهم ما يلاحظ في حركة الامام الحسين انها جاءت تجسيدا لنظام الشورى وانتخاب أهل الكوفة له ، وانها تمت في جو من السلم والسلام ، حيث لم يستخدم الحسين العنف مع رجال السلطة الأموية او يريق قدر محجمة دما ، في حين استخدمت السلطة الغاصبة أقسى أنواع العنف والإرهاب وقتلت الأطفال وأحرقت الخيام وأسرت النساء.
ولذا هزت حادثة كربلاء ضمير الامة الاسلامية عبر الزمان والمكان ، فانتفضت لها المدينة المنورة ومكة المكرمة بما فيها من الصحابة والتابعين ، واشتعلت الثورات في كل مكان ، وعاد أهل الكوفة ليأخذوا بثأرهم من قتلة الحسين في حركة التوابين التي قادها الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي وحركة المختار بن ابي عبيدة الثقفي.
واذا كانت الأمة الاسلامية قد وقعت منذ ذلك الحين في حمأة الأنظمة الديكتاتورية المستبدة والثورات الدموية العنيفة ، فقد آن لها اليوم ان تختار طريق الحسين طريق الشورى والتغيير السلمي وتتجنب ثقافة العبودية والخنوع والاستسلام ، كما تتجنب طريق العنف والثأر والأحقاد.
ان من المؤسف ان تنعم شعوب العالم المعاصر بأنظمة ديموقراطية مستقرة أوتتجه نحو تبادل للسلطة بشكل سلمي واحترام حقوق الإنسان ما عدا الشعوب الاسلامية التي لا تزال تعيش تحت أقسى أنواع الأنظمة الديكتاتورية المستبدة ، وترزح في الأغلال والأواصر والأصفاد ، فلا تملك حرية للتعبير ولا للتفكير ولا للانتخاب ، ويعيش بعض المسلمين في دول كالأقفاص لا يسمح فيها بالدخول او الخروج او الحركة. واذا كانت توجد في بعض البلاد الاسلامية انظمة ديموقراطية فهي مزيفة ومنخورة لا تعيد الا إنتاج نفسها ولا تتوفر فيها أية حرية الا حرية الحاكم في النهب والقتل والتعذيب.
ونتيجة لهذا الواقع المحزن والأليم تمزقت الأمة الاسلامية وتشتتت وفقدت هيبتها أمام الأعداء حتى أصبحت عرضة لكل طامع ومعتدي وظهر عليها الهوان والعجز الى درجة لم تعد تستطيع ان تلوم المعتدين عليها او توجه كلمة نقد واحدة إليهم ، وان ما حصل في فلسطين ولبنان والعراق والبوسنة وكوسوفو والشيشان لهو أكبر دليل على ذلك.
ومن المؤسف ان كثيرا من المحسوبين على الحركة الاسلامية الذين يحاولون إعادة بناء الامة الاسلامية من جديد او تكرار تجربة الخلافة ، لم ينتبه الى نقطة الضعف الكبرى والرئيسية التي أصابت الأمة الاسلامية وهي الديكتاتورية وغياب الشورى ، فيحاول إعادة التجربة الماضية بكل أخطائها ويهمل موضوع الشورى في داخل الحركة الاسلامية وداخل المجتمع الاسلامي ، ويأتي موقفه السلبي من ذكرى كربلاء ضمن سياقه الفكري الذي يرفض تحليل التاريخ وأخذ العبر منه ، وإضفاء القدسية والصحة على كل ما حدث في الجيل الأول.
ان قصة كربلاء تزخر بمعاني سامية كثيرة كالتضحية في سبيل الله والحق والحرية ، والإباء والصمود ، وهي تحمل صرخة مدوية في وجه الأنظمة الديكتاتورية ، وتذكر الأمة بأن قتل الحسين الشهيد ابن بنت رسول الله لم يكن ليحدث لو كانت الأمة الاسلامية تعيش نظام الشورى الذي يسمح بالترشيح والانتخاب ويوفر الحرية والعدالة. وقد تركت ملحمة كربلاء آثارا عظيمة في التاريخ الاسلامي ونستطيع ان نلمس دورها بصورة واضحة في الثورة الإيرانية وتعبئة الشعب الإيراني بروح التصدي لنظام الشاه ، وخاصة في المظاهرات المليونية التي خرجت في طهران والمدن الإيرانية المختلفة أيام عاشوراء التي أجبرت الشاه السابق محمد رضا بهلوي على الفرار من ايران ، ومهدت السبيل أمام اقامة النظام الاسلامي وممارسة الشورى في ايران. كما يمكن تلمس روح كربلاء في المقاومة الاسلامية البطولية الصامدة في وجه الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان وقدرتها على إلحاق أول هزيمة منكرة بالآلة العسكرية الإسرائيلية التي تهابها الدول ذات الجيوش الجرارة والأساطيل الطويلة ، فلقد تعلم اللبنانيون من الحسين كيف يصمدون في وجه الباطل وكيف يستشهدون بعزة وإباء ، وكان ذلك سر انتصارهم.
وهكذا فان الأمة الاسلامية بحاجة الى هذا الدرس الحسيني العظيم في مواجهة العولمة الطاغية التي تحاول ان تسلبنا ثروتنا وكرامتنا وهويتنا وتفرض علينا الخنوع والاستسلام للقوى الكبرى ، والذوبان في النظام العالمي الجديد ، كما نحتاج الى الدرس الحسيني في بناء نظام الشورى محليا وعالميا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here