قتل مسلم… ولم تقتل الثورة

قتل مسلم… ولم تقتل الثورة .

محمد علي مزهر شعبان

عندما يكون السفير لمدينة عاجة بالتناقضات، مختلفة الاهواء، متضاربة الاراء، شجعان الى حدً النخاع، يخذلون وينهارون مع مسخ القاع . قبائل تفتدي وتقتدي، وأخرى خانعة تستجدي . لابد ان يكون هذا السفير يمتلك من المؤهل، ومن البصيرة، وقدرة المحاججة، خبيرا بالخاصة والعامة . وان انتهت إقامة الحجة، قصاد المداهنة والمراوغة والرشى وتقلب الاحوال، لاغراءات اكياس المال . ولا مجال ان يكون الرسول رابط الجأش عند النزال .

مسلم بن عقيل، يمتلك تلك القدرة، وهو تلميذ عمه، حين ألقمه الحكمة والشجاعة . الحكمة في أجلى معالمها في الاسانيد والثوابت، حين يدعمها بالبراهين وهو من فقهاء تلك الاسرة التي بلغت الثرى منذ جده الاول هاشم ونسله الفضلاء الاكارم. والشجاعة إذ لم ترعبه الحشود وانسحاب اهل الوعود، فلم يهن عند احتدامها، بأس في مواجهة الحتوف. مسلم حكمة وحكيم، وسيرة بطل تشهد له سوح الوغى . هو مدرك ان الغيوم ستغير الاجواء، وأنها ستمطر خيانات، ويدرك ايضا ان أنفس لم تلغي ثوابتها الدراهم، أمثال هانيء شيخ مذحج، ولهذا الرجل 30 ألف تابع، أدار وجهتهم قاض يمسمى” شريح” بقسم كاذب، وتطمين لسيوف مشرعه، أوشكت ان تنقض على قصر ابن سميه .

مسلم حمل رساله، فيها طلب لانقاذ أمه، وخطاب لا يحمل أوجه الاختلاف، في الخلاص من شذوذها واشرارها، واصلاح الفسوق، ودحض الباطل في سرقة الحقوق، واقامة خلافة زان عقوق . وصلت الرسالة الى الحسين، وأقيمت الحجة، على إمام الحق للامة، من عناوين ورؤوس تشهد المدينة بورعهم وقيادتهم وأصالة موقفهم، فلابد من الاستجابة، اضافة الى العوامل الرئيسية، وما تأسس لفكر هذا الامام الذي زامن هذا النداء، لاستقامة دين، واصلاح رسالة انحرفت، من خلال زناة، ركبوها، بخديعة الخاتم يوم صفين، وخيانة العهدة، وملاحقة ومطاردة البقية الحقه، لاتمام رسالة العدل رسالة فحواها النقاء، لا تلبسها شائبه اذ عنونت.

بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن علي من سليمان بن صرد ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وناصري الحق، من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة . سلامٌ عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمرعليها بغير رضًا منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله لدولةً جبابرتها وأغنيائها، فبعدًا له كما بعدت ثمود! إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق . والسلام ورحمة الله .

ألوف بايعت، وعشراتها تبعت، ولكن للمكر والانفس الدنيئة، والضربة الموجعة، وجيوش “سرجون” دارت معركة، ليست بين الازقة، ولا الاختفاء في البيوت، أربعة ألاف يحاصرون القصر، وحينما مررت حيلة جيش الشام، خفقت القلوب وجلا، وانهارت العزائم، وقتل رؤوس الصحبة ” هاني بن عروه ” وعبد الله بن يقطر”وسجن المختار وابراهيم بن الاشتر، انهارت القيادات، وقبضت اليد الاثمة، وما فعلته الرشى بتخذيل اقارب ماسحي احذية السلطه، في أن يقبض على السفير المقاتل، ولم يغمد سيفه الا بعد خديعة الوزغ ابن الوزغ محمد ابن الاشعث بالعهد، اذ عجز في مقاومة مسلم وصحبه يقول لابن زياد بعد فشله : أيّها الأمير! أما تعلم أنّك بعثتني إلى أسد ضرغام، وسيف حسام، في كفّ بطل همام، من آل خير الأنام . قتل مسلم… ولم تقتل الثورة .

.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here