وقفة مع السيد محمد سعيد الحكيم في فتاويه باستباحة المال العام واعتباره مجهول المالك!

وقفة مع السيد محمد سعيد الحكيم في فتاويه باستباحة المال العام واعتباره مجهول المالك!

احمد الكاتب

لا اجتهاد في الفقه بلا اجتهاد في العقيدة والنظرية السياسية

الفكر السياسي الشيعي الامامي مر بمراحل ثلاث: الامامة الالهية، المهدي المنتظر، المرجعية الدينية. ولكن لا يوجد في الواقع في الحوزة الحالية أي اجتهاد في أي من هذه المراحل، واقتصار الاجتهاد على المسائل الفرعية الفردية.

وقد كان الفقهاء الاثناعشريون عبر الف عام يحرمون الثورة أو إقامة الحكومة الاسلامية حتى يظهر المهدي، ولذلك قاطعوا النظام العراقي الحديث الذي قام في أعقاب ثورة العشرين، وحرموا المشاركة فيه، كما حرموا المشاركة في الانتخابات الديمقراطية في العهدين الملكي والجمهوري، واجهضوا في الستينات حزب الدعوة الإسلامية، بحجة حرمة الشورى التي قال حزب الدعوة بأنه سيقيم نظامه على أساس الشورى، ويريد ان يقيم الحكومة الإسلامية في المستقبل على أساس الشورى. وهكذا كانت المرجعية “الدينية” عقبة امام إقامة نظام ديمقراطي

يقول الحاج محمد صالح الأديب، أحد مؤسسي حزب الدعوة: “كنا في بعض الأحيان نذهب الى السيد محسن الحكيم على شكل وفود مكونة من 20 – 30 شخصا ونسأله عن رأيه فيما لو تمكنا من إقامة الدولة الإسلامية..هل نقيمها؟ وكان يقول:إن عليكم أن تعملوا على نشر التدين وندعو الله سبحانه وتعالى أن يظهر الحجة (عج).

ولما كنا من مقلدي السيد محسن الحكيم وهو يقول بعدم إقامة دولة إسلامية لذا ذهبنا اليه وتكلمنا معه لإقناعه بموقفنا، ولكنه بقي مصرا على رأيه، ولم نقدر أن نقنعه في هذا المجال حيث كان يقول:إن تكليفنا ليس إقامة دولة إسلامية وإنما هو نشر التدين، وننتظر الإمام الحجة (عج) حتى يظهر ليملأ الأرض قسطا وعدلا.

وأمام هذه الرؤية كان على (حزب الدعوة الإسلامية) أن يمشي مع المرجع الحكيم في مشروعه المرجعي واهتماماته بنشر التدين وخدمة الإسلام وإشاعة أجوائه لتكون الأرضية الخصبة لنمو الوعي الحركي والحزبي.

الصادق الوعد، صفحات من حياة الداعية المؤسس الحاج محمد صالح الأديب، ص56 و 83 الإعلام المركزي في حزب الدعوة، 1999 وراجع أيضا: السراج، عدنان إبراهيم، الامام محسن الحكيم، ص 252

وقد ذكر السيد محمد باقر الحكيم في مقال نشرته مجلة (قضايا إسلامية): إن الشك في دلالة آية الشورى انتهى بالشهيد الصدر الى الشك في صحة العمل الحزبي الذي لا معنى له في نظره آنذاك، إلا إذا كان يتضمن الدعوة الى قيام الحكم الإسلامي، فإذا لم تكن النظرية حول قيام الحكم الإسلامي واضحة فكيف يمكن إيجاد تنظيم يسعى الى هذا الهدف دون أن يكون نفس الهدف واضح المعالم؟.إن خروج السيد الشهيد الصدر من حزب الدعوة الإسلامية كان لشبهة شرعية تزامنت مع قصة الوشاية التي قام بها (حسين الصافي) عند السيد الحكيم. إن السيد الصدر لم يعد يؤمن بضرورة الدولة الإسلامية لذلك لم يجد ضرورة لعمل حزب الدعوة الإسلامية الذي أسس لغرض إقامة الحكومة الإسلامية.

الصادق الوعد، صفحات من حياة الداعية المؤسس الحاج محمد صالح الأديب، ص 68

ومن هنا يبدو أن مشكلة الموقف من إقامة الدولة والديمقراطية في ما يسمى (بعصر الغيبة) أكبر من مشكلة اعتبار المال العام مجهول المالك وجواز استباحته.

ان مشكلة الحكم على أموال الدولة بأنها (مجهولة المالك) تعود الى احاديث في التراث الشيعي الامامي، منسوبة الى الامامين الباقر والصادق، اللذين نسبت اليهما أيضا نظرية الامامة الإلهية، ولم يثبت ذلك، بصورة قاطعة، وعلى أي حال فان هذه الأحاديث تقول:

الامام محمد الباقر: الأرض كلها لنا!

١- عن ابي جعفر (ع) قال: وجدنا في كتاب علي عليه السلام ” أن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ” أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض، ونحن المتقون، والارض كلها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي وله ما أكل منها فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها، يؤدي خراجها إلى الامام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتى

يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها، كما حواها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الارض في أيديهم.

الامام الصادق: الأرض كلها لنا!

٢- عن أبي عبد الله الصادق، أنه قال: إن الارض كلها لنا ….فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا… وكل ما في أيدي شيعتنا من الارض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الارض في أيديهم وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الارض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا، فيأخذ الارض من أيديهم ويخرجهم صغرة… أما علمت أن الدنيا والآخرة للامام يضعها حيث يشاء…

٣- عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (ع) قال: قلت له: أما على الامام زكاة؟ فقال: أحلت يا أبا محمد أما علمت أن الدنيا والآخرة للامام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من الله، إن الامام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبدا ولله في عنقه حق يسأله عنه. ان الدنيا وما عليها لرسول الله صلى الله عليه وآله.

الكافي: ج 1 ص 408 و التهذيب: ج 4 ص 144 ب‍ 39 ح‍ 25

ومن هنا وبناء على الايمان بنظرية الامامة الإلهية لأهل البيت، والايمان بوجود الامام الثاني عشر وغيبته منذ أواسط القرن الهجري الثالث الى اليوم، وكذلك الايمان بفرضية نيابة الفقهاء العامة عن الامام المهدي، وهو ما سمح لهؤلاء الفقهاء أو مدعي الفقه والاجتهاد، بأن يزعموا أنهم (حكام شرعيون وولاة أمر للمسلمين) بناء على كل ذلك سحب السيد محمد سعيد الحكيم الاعتراف بشرعية الحكومات المختلفة غير الخاضعة للفقهاء، واعتبر نفسه وليا لأمر المسلمين ونائبا عاما عن الامام المهدي، وبالتالي اعتبر أموال الحكومات أموالا مجهولة المالك ومباحة لكل من يقدر الاستيلاء عليها، بشرط أخذ الاذن الخاص أو العام منه، وقد اعتبر الرواتب التي يتقاضها الموظفون من الدولة أموالا محرمة ولا يمكن تحليلها الا بتسليمها اليه شخصيا وادخالها في ملكه الخاص، ثم قيامه بعد ذلك باعطائها هدية منه للموظف.

وهذا ما يقوله بصراحة ووضوح في موقعه على النت، والمنشور في اسفل المقال:

السؤال : ما رأي سماحتكم في أموال الدول الإسلامية ، هل هي مالكة أم مجهولة المالك ؟

– الجواب : بل يجري عليها حكم مجهول المالك إذا كان المال المأخوذ قد مرّ بأيدي المسلمين وجرت عليه ملكيتهم ،
نعم ، إذا ابتنى كيان الدولة على دعوى الولاية الدينية حقاً أو باطلاً ، وعلى حفظ كيان الإسلام ، لا على أساس وطني أو شعبي ، فهي مالكة لأموالها ، إلا أن يعلم بحرمة المال عيناً كبعض الضرائب الظالمة ، فيجري عليه حكم مجهول المالك .

السؤال : هل تأذنون لنا باستلام الراتب واستخدام الملابس العسكرية – باعتبارها مجهولة المالك – نيابة عنكم ؟ وهل تخوِّلونا إبلاغ إخواننا المؤمنين بإذنكم لهم باستلام الراتب ، واستخدام الملابس العسكرية ، نيابة عنكم ؟

الجواب : لا بأس بقبض مجهول المالك من هذه الأمور بالنيابة عني بحيث تكون ملكاً لي ، ثم آذن لكم بتملكها هدية مني لكم ، على أن لا تصرف في الحرام ، ويدفع خمس ما زاد منها عن المؤنة .
وإذا كانت هذه الأمور جديدة غير مارة بأيدي الناس كالنقود ( البلوك ) فلا حاجة لقبضها عني ، بل للمكلف تملكها رأساً .

– كل ما يؤخذ من جهة حكومية يجري عليه حكم مجهول المالك ، ومثله ما يؤخذ من جهة أهلية بتوسط جهة حكومية ، وكل ربح على دين حرام .
نعم لا بأس بأخذه من البنك الحكومي لا بنية الربح ، ولا يحل إلا بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه .

– السؤال : بعض الطلبة الذين يرغبون بمواصلة دراستهم الجامعية يحصلون على منحة من الحكومة بفائدة ثابتة ، وبدون هذه المنحة لا يمكنهم أو يصعب عليهم مواصلة دراستهم ، فما حكم أخذ هذه المنحة مع هذه الفائدة ؟

– الجواب : أخذ المنحة بهذا الوجه محرم بالنظر الأولي ، لأنه قرض ربوي محرم ، نعم لما كان المقرض هو الحكومة التي لا تنفذ معاملاتها أمكن تصحيح ذلك وتحليله بأخذ المنحة بنيّة الاستنقاذ ، لا بنية الاقتراض .
فإن علم بمرور المال بيد مسلم ، أو كان ذلك في أرض الإسلام ، أجري على المال وظيفة مجهول المالك من قبضه عنا بإذن منا ، ثم تملكه هدية منا لأخذه ، ثم تدفع الفائدة على أنها ضريبة قهرية للدولة ، لا على أنها فائدة للقرض ، ويجري هذا في جميع موارد الاقتراض من الدولة بفائدة .

– السؤال : من المألوف أن الفقهاء يفرقون بين البنوك الأهلية وغير الأهلية ، مع أن من الواضح في بعض البلدان أن أموال البنوك لا تبقى مختصة بكل بنك منها ، بل تجتمع يومياً في خزانة البنك المركزي ، وعلى ضوء هذا فهل تكون أموال البنوك حتى الأهلية بحكم مجهول المالك ؟

– الجواب : إنما تكون أموال البنوك الأهلية في الفرض بحكم مجهول المالك ، إذا كان الإيداع في البنك المركزي مبنياً على الاختلاط بين الأموال فيه ، وكان المال المأخوذ من البنوك الأهلية مستعملاً ، قد مرَّت عليه أيدي المسلمين ، لا نقداً جديداً ( بلوك ) ، وعلم بأخذ ذلك المال بعينه من البنك المركزي لا من العملاء ، هذا كله إذا كان البنك المركزي تابعاً لدولة لا تدعي لنفسها الولاية الدينية ولا تقوم على أساس ديني ، وإلا لم يجر حكم مجهول المالك لا على البنوك الأهلية ولا الحكومية ، إلا أن يعلم غصبية المال بعينه من مجهول .

– السؤال : يحق للإنسان في الغرب أن يفتح أنواعاً من الحسابات المصرفية ذات الفوائد العالية والمنخفضة على السواء ، دون صعوبة في كليهما ، فهل يحق له فتح الحساب بأنواع ذات فوائد عالية ؟ على أن لا يطالب البنك إذا حجبت عنه الفائدة ؟ وهل هناك من حَلٍّ يجيز فتح الحساب ؟ هذا علماً بأنه يسعى وراء النفع قلباً .

الجواب : يجوز فتح الحساب من أجل أخذ الفائدة إذا كان البنك أهلياً لا يشترك في رأس ماله مسلم ، أو كان حكومياً ، لكن في الثاني لا بُدَّ من إجراء وظيفة مجهول المالك على المال المأخوذ منه ، سواء كان فائدة أم لم يكن .

https://www.alhakeem.com/ar/questions/176

وقفة مع المرجع الحكيم في فتاويه باستباحة المال العام واعتباره مجهول المالك!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here