تقرير أميركي يطالب بشراكة إستراتيجية مع العراق تدعم “استقلاله”

يتخوف الكثير من الخبراء من أن يصبح مصير العراق مشابه لما يحدث حاليا في أفغانستان التي سيطرت طالبان على أجزاء كبيرة منها، وذلك عند سحب القوات الأميركية من العراق قبل نهاية العام الجاري 2021 حسب الاتفاق المبرم.

بايدن (يمين) خلال استقباله الكاظمي بالمكتب البيضاوي في واشنطن نهاية يوليو/تموز الماضي (رويترز)

بايدن (يمين) خلال استقباله الكاظمي بالمكتب البيضاوي في واشنطن نهاية يوليو/تموز الماضي (رويترز)

واشنطن – دفعت تطورات الأوضاع الأمنية في أفغانستان -مع اقتراب استكمال انسحاب القوات الأميركية منها- إلى تخوف الكثير من الخبراء من الاتفاق القاضي بسحب القوات الأميركية المسلحة من العراق قبل نهاية العام الجاري 2021.

ومع توارد الأنباء المتعلقة بتقدم طالبان ضد الجيش الأفغاني وسيطرتها على المزيد من المقاطعات والمدن؛ يتخوف الكثير من الخبراء الأميركيين من مصير مشابه قد ينتظر العراق.

وكانت واشنطن وبغداد قد توصلتا لاتفاق يقضي بسحب ما تبقى من القوات الأميركية من العراق بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2021؛ وذلك خلال أخر جولات الحوار الإستراتيجي بين الدولتين والذي شهدته واشنطن في 26 يوليو/تموز الماضي.

واعتبر تقرير صدر قبل أيام من مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية “سي إس آي إس” (CSIS) أن التوصل لاتفاق الانسحاب بين واشنطن وبغداد لم يكن نتيجة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية أو القضاء على الإرهاب، ولم يكن نتيجة اختفاء التهديدات الإيرانية أو السورية أو التركية.

كما لم يكن الاتفاق نتيجة تمكن قوات الأمن والجيش من الحفاظ على مصالح العراق العليا، أو نتيجة لانتهاء أزمة الحوكمة في العراق بشقيها السياسي والاقتصادي، بل اتفقت الدولتان على سحب واشنطن قواتها العسكرية بالأساس بسبب المعارضة الداخلية للوجود الأميركي؛ خاصة من الفصائل السياسية القوية في العراق، والتي تنعكس بالهجمات المتكررة من قوات الحشد الشعبي التي لها صلات بإيران على المواقع الأميركية، والتي تضاعفت منذ مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، والقيادي العراقي أبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي في يناير/كانون الثاني 2020.

انتشار سابق للقوات الأميركية في شمال العراق (رويترز)

تحديات عراقية للإستراتيجية الأميركية

لا يعد العراق إلا حالة واحدة في حسابات مخططي السياسة الخارجية والانتشار العسكري الأميركي عند التفكير في إعادة التموضع الإستراتيجي في الشرق الأوسط.

وتعلمت واشنطن درسا قاسيا من خلال تجربة العقدين الأخيرين؛ مفاده أن التركيز على الإرهاب والتهديدات الإقليمية يعالج في أحسن الأحوال الأعراض وليس الأمراض الحقيقية التي تعاني منها دول المنطقة وعلى رأسها العراق.

وأشار كاتب التقرير أنتوني كوردسمان -الذي سبق له العمل في وزارتي الدفاع والخارجية- إلى أن الشرق الأوسط يقترب من حالة أزمة دائمة، والعراق ليس سوى جزء واحد من هذه الأزمة، ولكنه أيضا رمز للمشاكل على نطاق المنطقة بأسرها التي لا يمكن تركها لتتفاقم.

العراق يمتلك خامس أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام في العالم بـ145 مليار برميل (رويترز)

أهمية العراق باقية

يرى التقرير أن أهمية العراق الإستراتيجية واضحة تماما، وباقية لسنوات وعقود قادمة. فالعراق يمتلك خامس أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام في العالم بـ145 مليار برميل، وهو ما يمثل 17% من الاحتياطيات المؤكدة في الشرق الأوسط و8% من الاحتياطيات العالمية.

كما أن موقع العراق بين إيران المعادية وسوريا المرتبطة بروسيا سيكون له تأثير كبير على استقرار الخليج والشام، ويزيد السكان الأكراد من خصوصية علاقات العراق بتركيا.

ويترك نص الإعلان عن انسحاب القوات الأميركية دورا لواشنطن في تدريب الجيش العراقي ومساعدته، ولا يحظر الاتفاق تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية أميركية، كما أنه لا يمنع الولايات المتحدة من العودة للقيام ببعض العمليات العسكرية إذا كان على الحكومة العراقية أن تطلب مثل هذه المساعدات في المستقبل.

وأشار التقرير إلى إخفاق إستراتيجية تقديم واشنطن لمساعداتها العسكرية والاقتصادية للعراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، وإلى أنه لا يمكن تكرار النمط الذي تم اتباعه خلال السنوات الماضية، ونصح كوردسمان بضرورة أن تضع واشنطن شروطا على مساعداتها بما يجعلها أكثر قبولا وفعالية وشفافية أمام العراقيين.

كما اعتبر التقرير أنه حتى مع التوصل لاتفاق واشنطن المحتمل مع إيران حول الملف النووي، فلن يؤدي ذلك إلى إنهاء التهديد الذي تشكله إيران سواء ما يتعلق بهيمنتها على العراق، أو قدرتها على توجيه ضربات صاروخية موجهة بدقة أكثر وفعالية أكبر ضد أهداف في منطقة الخليج العربي.

وحذر التقرير أنه إذا ما لم تتمكن الولايات المتحدة من خلق شكل جديد من الشراكة الإستراتيجية مع العراق؛ فإن إيران هي الفائز الحقيقي في الحرب الأميركية الطويلة ضد الإرهاب منذ عام 2005 وحتى الوقت الحاضر.

احتجاجات في محيط السفارة الأميركية ببغداد -مطلع العام الماضي 2020- ضد التواجد العسركي الأميركي في العراق (رويترز)

العراق جزء من الرؤية الأكبر لأميركا

يؤثر الوضع الأمني العام بالشرق الأوسط على الأمن والاستقرار العراقيَّين، وكذلك على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في الوقت ذاته. وذكر التقرير أنه يتعين على واشنطن أن تنظر إلى بقية التهديدات الإستراتيجية التي تواجهها بمناطق مختلفة حول العالم، في الوقت الذي تحسب فيه حساباتها تجاه الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط.

وعدد التقرير التهديدات التي تواجها واشنطن في المنطقة والتي لا تقتصر على العراق، واعتبر أن إخفاق الدولة في لبنان ضاعف من قوة ومكانة حزب الله قوة إضافية، في الوقت الذي تمكن فيه نظام بشار الأسد من البقاء والسيطرة على أغلب الأراضي السورية وسط تحالف معلن جمعه بروسيا وإيران.

وفي أحسن الأحوال، سيبقى اليمن في حالة فوضى غير مستقرة وربما يبقى بحالة حرب، في الوقت الذي تشكل فيه روسيا والصين تهديدا متزايدا من حيث الوجود ومبيعات الأسلحة وسوف يستمر خطر نشوب بعض الصراعات في المحيط الهادي التي تؤثر على المحيط الهندي والخليج في التزايد.

ونوه التقرير بما تتضمنه تقارير التنمية العربية -منذ أوائل ثمانينيات القرن الـ20 الماضي- من تراجع كل مؤشرات التنمية الاقتصادية والسياسة، وهو ما أدى لاندلاع الانتفاضات الشعبية الفاشلة التي خلقت الربيع العربي في العقد الأخير.

وضاعفت تداعيات أزمة كوفيد-19 العالمية إلى تفاقم مشاكل دول الشرق الأوسط، وتواجه المغرب والجزائر وليبيا ومصر وغزة والضفة الغربية والأردن والكويت والبحرين وعُمان واليمن تحديات هائلة في خلق هيكل فعال للحكم والاستقرار السياسي وتلبية الاحتياجات الاقتصادية لمواطنيهم.

وهذه التحديات تضاعف الانقسامات العرقية والطائفية والقبلية، فضلا عن عدم المساواة، وانتشار الفساد في تغذية عوامل عدم الاستقرار، كما أنها يمكن أن تولد حركات إرهابية كما تشهد عدة دول بالفعل.

وأكد التقرير أنه لا يمكن للولايات المتحدة ولا لأية قوة خارجية أن تنقذ دولة لا تريد أن تساعد نفسها، وتؤدي المعونة والمساعدات الخارجية إلى كسب النظم الحاكمة لبعض الوقت أمام المشاكل المتفاقمة، لكنها لا تخدم أي تأسيس لحلول مستقبلية طويلة الأجل.

وينتهي التقرير بالتركيز على أن القضية الحقيقية ليست الصراعات والأزمات المحدودة اليوم، بل هي البنية الأساسية للعديد من الدول، ومن هنا نادى التقرير بضرورة بناء نوع صحيح من الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق، شراكة تقوم على السعي إلى هيكل متين للأمن والاستقرار المدني والعسكري العراقي على المدى الطويل، بما يمكن معه أن يكون بداية تدعم استقلال وقوة العراق طبقا لرؤية كوردسمان.

المصدر : الجزيرة

حول هذه القصة

بايدن (يمين): دور القوات الأميركية سيقتصر على تدريب القوات العراقية والتصدي لتنظيم الدولة (رويترز)

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في بيان مشترك أن القوات الأميركية لن يبقى لها دور قتالي بالعراق مع حلول نهاية العام، وسيقتصر دورها على التدريب ومكافحة “الإرهاب”.

26/7/2021
قاعدة عين الأسد أثناء استهدافها بهجوم صاروخي نفذته فصائل شيعية (رويترز)

تشهد هجمات الفصائل الشيعية العراقية على المصالح الأميركية تصاعدا لافتا، في محاولة لاستنساخ تجربة طالبان الأفغانية في إجبار أميركا على الانسحاب، إلا أن مراقبين يرون أن العراق ليس كأفغانستان.

8/7/2021
(الجزيرة)

يستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لإغلاق آخر الملفات الشائكة بين الطرفين، بعد عقدين من غزو العراق والتواجد العسكري الأميركي فيه، كون كل الأطراف لم تعد ترغب في الجنود.

27/7/2021
الكاظمي يبدأ زيارة رسمية إلى واشنطن غدا الاثنين يلتقي خلالها الرئيس الأميركي جو بايدن (غيتي-أرشيف)

قال مسؤول العلاقات الخارجية في إقليم كردستان العراق سفين دزيي إن حكومة الإقليم لا تؤيد انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، بسبب ما وصفه بعدم استقرار البلاد وتدخلات الدول الأخرى في شؤونه الداخلية.

25/7/2021
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here