كيف كنّا نستقبل (مُحرَّم) في الكريعات / الجزء الأخير

*كيف كنّا نستقبل(مُحرَّم) في الكريعات / الجزء الأخير*
‐———————————

بدايةً لابدّ لي من أن أسجّل اعتذاري عن أي تقصير يتعلّق بإيراد التفاصيل التي رافقت كتابتَنا عن استقبال (مُحرَّم الحرام) في الكريعات ضمن الحلقات السابقة، خصوصاً بما يتعلّق بذكر بعض أسماء الاشخاص البرَرة الذين كانوا من المساهمين في تلك الفترة بمواكب سيدنا الحسين عليه السلام ولم يحصل ذلك عن قصدٍ منّي على الإطلاق، ولكنني الان في منتصف العقد السادس من عمري وأكتب تلك الأمور مستعينا بذاكرتي التي قد تخونني في بعض الأحيان، لذلك أحاول جهد الإمكان أن أكون دقيقا في الكتابة، حيث سنتطرق في الحلقة الأخيرة هذه، من تلك المذكرات عن الفترة المحصورة مابين عام 1968 إلى عام 1980.

ففي عام 1968 كان عمري 12 سنة وأتذكر جيدا تلك الفترة حيث بدأ المرحوم الشيخ الشهيد خزعل السوداني بإقامة الدورات التثقيفية الدينية المتعددة، فكنّا نحن ضمن المجموعة التي تتعلم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم حيث كان مُعلّم هذه المجموعة من أهالي الكاظمية اسمه (محمد حسين) وكان من ضمن المجموعة: حاتم كريم عبيس، بدر عبد الأمير، ضياء محمد علي، الشهيد علي أحمد العلوان، رضا مهدي حمد، المرحوم محمد جواد كاظم، مصدّق قاسم حمود، محمد خضير عباس، سعد احمد الراضي، محمد جواد كاظم حويلي، سعد سلمان الهادي، المرحوم فالح ناجي، حسين قاسم، المرحوم محمد حسن احمد، حميد حسن الاحمد وآخرون كُثرٌ من الشباب الذين كنا نتلقّى العلومَ الدينية ضمن مدرسة الإمام الصادق التي أسسها الشيخ الشهيد خزعل السوداني في الحسينية.

وخلال تلك السنين العجاف لحكم البعثيين والنواصب، أخذت السلطات تضيّق الخناق على المواكب الحسينية بحيث اصدروا أمراً بأن يقدّم مسؤول كلّ موكب من تلك المواكب (كفيلاً) مع إسم (الرادود الحسيني) الذي يقوم بإنشاد القصائد الحسينية في الموكب ويتعهّد بعدم التعرض للسلطة بأيّ شكلٍ من الأشكال حتّى ولو بالإشارة أو التورية ضمن إبيات القصائد، فكان (المرحوم الحاج ياس خضير) والمرحوم (الشهيد الرادود الحسيني شاكر عاشور عطية) هما من ذهبا إلى دائرة الأمن العام وتكفّلا موكب أهالي الزوية.

كما كانت المواكب ترشّح ممثلين عنها للتنسيق مع المواكب الحسينية الأخرى خاصة عندما كنا نذهب إلى المراقد المُقدَّسة في الكاظمية وكربلاء والنجف الأشرف جماعيّاً خلال المناسبات الدينية خصوصاً المتعلّقة بعاشوراء ووفيات الرسول (ص) والأئمة الأطهار، وفي مثل هذه المناسبات تغصّ حسينية الزهراء بالموالين حيث كنا نحضر بعد العشاء لكي نُحيي الأيامَ الأخيرة من محرَّم الحرام، وكان البرنامج يبدأ بتلاوة من القرآن الكريم حيث كان المرحوم الحاج الشهيد (قاسم سلمان الهادي) أو المرحوم (عبد حسن حمد) الملقب (عبد زينب) أو القاريء المميز (الحاج منير عاشور عطية) أو (المرحوم سعد عبد الأمير) هم من يتولون قراءةَ القرآن، ثم تبدأ خطبة المجلس الحسيني التي عادةً ما تُحتَتم بالرثاء والنعي بحيث يضجّ الجميع بالبكاء على مصيبة الحسين (ع)، وأتذكر في إحدى السنين جاء إلى زوية الكريعات السيد حسين الصغير ليلقي محاضراته القيّمة في ذلك الوقت، وعند تعذّر حضوره يتولّى الشيخ الشهيد خزعل السوداني إلقاءَها، ثم يبدأ عزاءُ اللطم والذي كان كلّ من المرحوم (الملا الحاج قاسم الحاج حمود) والمرحوم (عبد زينب) والمرحوم الشهيد (شاكر عاشور) والمرحوم الشهيد (حمزة السرايرجي) والحاج (منير عاشور عطية) أطال الله في عمره، هم من ينشدون قصائدَ اللطميات.

وفي عام ١٩٧٣ كما ذكر لي ذلك، العديد من الإخوة تمّ اعتقال المرحوم الحاج (ياس خضير) والمرحوم الشهيد (شاكر عاشور عطية ) حيث تم استدعاؤهم إلى مديرية الأمن العامة قبل حلول محرَّم الحرام بثلاثة أيام لغرض كفالة الموكب ولكن تمّ اعتقالهم ولم يفرج عنهم إلا بعد انتهاء مراسم عاشوراء، وكان ذلك أوّل أعتقال للمرحوم الشهيد شاكر عاشور، حيث الاعتقال الثاني كما ذكر لي ذلك عددٌ من أبناء المنطقة الذين عاشوا تلك الفترة، كان في ثمانينيات القرن الماضي والذي على أثره لم يُعثر عليه لحدّ الآن، إذ بعدها منعت المواكب الحسينية بشكل رسمي وتمّ إغلاق الجوامع والحسينيات الشيعية بقرار من المقبور صدام حسين لعنة الله عليه، واختفى عن الانظار الشيخ الشهيد خزعل السوداني حتى سمعنا عن اعتقاله ثم قتله ليلتحق شهيداً مع قافلة شهداء الطفّ الأبرار الذين ثاروا مع الحسين ضدّ الطغمة الفاسدة التي كان يقودها رأس الشر والكفر يزيد ابن معاوية لعنه الله.

لكنّ الشيخ الشهيد خزعل السوداني لم يغيّبه الثرى قطُّ، بل ظلت صورته راسخةً في أذهان محبّيه، كما بقيت أفعاله الخيّرة وبطولاته شاهداً حياً على استذكاره مقيماً في القلوب التي عرفته وعاصرته إذ رسّخَ في نفوسنا وضمائرنا حُبَّ محمد وآل محمد.

إنّ الحديثَ عن تلك الأحداث المؤلمة وتوثيقها يحتاج إلى مجلّد كامل لكي يخلد ذكرى كوكبة كبيرة من الشهداء من أهالي الكريعات والدهاليك والزوية الذين تجاوزَ عددهم الأربعمئة، ذهبوا شهداء على مذبح الحرية ليلتحقوا بركب الحسين وآله وصحبه الأخيار، قال تعالى: (ولا تحسَبَنَّ الذين قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أمواتاً بلْ أحياءٌ عندَ رَبِّهِم يُرزَقون).

ياشهداءَنا الأبرار نحن واثقون من أنّكم أحياء تُرزقون، ولقد تركتمونا أمواتاً في الحياةِ خلفكم، ونحن واثقون من أنكم تعلمون الى أين انتهى المصيرُ المُخزي للمقبور صدام حسين الذي نحرَ رقابَكم الشريفة، وكيف تمّ إلقاء القبض عليه جباناً في الجحر مع الجرذان وأنّه تم شنقه حتى الموت عقاباً له على قتل الأبرياء، كما بقيت صورتهُ البشعة عنواناً للخزي والعار والشنار في ذاكرة الأجيال والتاريخ، ونحن موقنون كذلك، بأنكم تعلمون بأنّ المواكبَ الحسينية قد عادت أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه في زمانكم، وأنّ كربلاء أصبحت قبلةَ الأحرار في العالم، وأنّ مواكب الحسين امتدّت إلى امريكا واليابان وأوربا والفلبين وتركيا حتى غدى العالم بأجمعه ينادي في يوم العاشر من محرَّم الحرام بصوت واحد “أبد والله ما ننسى حسيناه”.

أبلغوا (هدّو) عنّا السلام وقولوا له إنك لم تعد تذهب وحدك مشياً على الأقدام إلى كربلاء! فهناك أربعون مليون موالٍ ومحبٍّ للحسين ينتظرونك في كربلاء وكلهم سائرون على درب الحسين في واحدة من المعجزات الإلهية، وليس ماقالته العقيلة زينب بنت علي بن أبي طالب للملعون يزيد (والله لن تمحو ذكرنا) إلّا تثبيتاً واقعاً حيّاً لصرختها …… ( هدو ) هو المرحوم ( عبدالهادي حسين صالح ) كان يذهب الى كربلاء منذ ستينيات القرن الماضي مشياً على الاقدام بمفرده ، ويحمل على صدره قطعة قماش صغيره مكتوب عليها( هدو الى كربلاء مشياً على الاقدام للمرة كذا وكذا ويذكر عدد المرات التي ذهب بها الى كربلاء ) وتم أعتقاله عدة مرات ولكنه لم يمتنع عن ذلك ،

لذلك نقول لولى دماء الشهداء لما استمرّت الحياة ولولا دماء الشهداء لما استطعنا أن نُعيد ذكرى عاشوراء ولولا دماء الشهداء لما سُمع أذان في جامع، فسلامٌ على الحسين وعلى عليٍّ بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى شهداء شيعة أهل البيت في العراق وشهداء منطقة الكريعات الأبرار الذين بذلوا مهجهم دون الحسين، والرحمة والغفران لأجدادنا وآبائنا المؤمنين الذين رسموا لنا الطريق وعلّمونا كيف تكون الموالاة لله ولرسوله ولأهل البيت.

ويا عزيزي القارئ: هذا غيضٌ من فيض، وأدعوا من الله العليّ القدير أن يوفقني لكي أكمل كتابي عن منطقة الكريعات والذي سأذكر فيه بالتفصيل كلّ صغيرة وكبيرة عن تلك الأحداث الجِسام والأيام التي عشناها، وأعتذر ممن لم نذكرهم هنا وأعاهدهم بأني سأكون في العراق عما قريب لكي أدوّن كلّ شيء عن منطقتي (الكريعات) التي عشت فيها وسأموت فيها والتي سيكون لها النصيب الأكبر في كل كتاباتي في المستقبل، ومن الله التوفيق والنجاح، وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والمؤمنون ……

*جبر شلال الجبوري*

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here