إنفاق وضياع تريليونات الدولار لا تعني شيء لأمريكا

د . عبد علي عوض

تتسارع ألأحداث ألتي أصبحت مادة دسِمة لمختلف وسائل ألإعلام حول حدثين مهمَّين” جائحة كورونا المحوّرة وعودة حركة طالبان للسيطرة على أفغانستان كلمح البصر. وألشيء المثير للدهشة هو إنسحاب القوات ألأمريكية بصورة مُخجِلة من أفغانستان يعكس حقيقة ذهنية إدارات ألبيت ألأبيض المتعاقبة جمهورية وديمقراطية على حد سواء هي أنّ تلك الإدارات لا تأبه بسمعة ألولايات المتحدة كدولة عظمى لها ثقلها دولياً، ولم تتّعِظ من إنكساراتها المتوالية السابقة من الحرب الكورية في خمسينات القرن الماضي والحرب الفيتنامية لاحقاً وأخيراً مستنقع أفغانستان.

إنّ معيار خسائر الحروب في مختلف دول العالم غالباً ما يُقاس بالوحدة النقدية” الدولار” وليس بعملة أخرى والسبب يعود في ذلك إلى إتفاقية[ بريتون وودز] قُبيل إنتهاء الحرب العالمية الثانية في شهر تشرين ألأول/ أكتوبر عام 1944 وألتي نصَّت على أنّ الدولار يكون العملة النقدية الرئيسية للتبادلات التجارية فيما بين الدول وكذلك جعِل تسعيرة أسهم البورصات العالمية [ النفط، المعادن الثمينة، المؤسسات الصناعية العملاقة] بألدولار… لذا فإنّ الهيمنة ألأمريكية على العالم ليس لكونها تمتلك التكنولوجيا المتقدمة في مجالي الصناعات العسكرية والمدنية، إذ كثير من الدول المتقدمة لها باع في التقدم ألتكنولوجي لكنها لا تستطيع أن تهيمن على ألإقتصاد العالمي بعملاتها الوطنية بسبب هيمنة الدولار عالمياً، وأية دولة تحاول تقويض تلك الهيمنة سيكون مصيرها الفناء !!.

للأسف، الكثير من المحللين ألإقتصاديين والسياسيين يقيسون خسائر الحروب بمؤشرات الخسائر البشرية والمادية، ويجب توضيح تلك الجزئية: إذ أنّ الخسائر البشرية في صفوف الجيش ألأمريكي لدى ألإدارة ألأمريكية وظهيرها – ألأوليغارشية( الطغمة الصناعية- المالية) لا تعني سوى أرقام إحصائية… أمّا صرفيات ونفقات الدولار فهي لا

تُكلّف البنك ألفدرالي ألأمريكي سوى( مجموعة رولات من الورق زائداً عدة براميل من ألأصباغ)… وعليه فإنّ الدولار بحقيقته صار كألمناديل الورقية، لكن مَن يتجرأ على كبح جماحه.. ومن هنا تتجلّى حقيقة الصراع ألإقتصادي بين أمريكا من جهة والصين وروسيا من خلفها من جهة أخرى.

لم تنطفيء الحرب الباردة ألتي أشعلتها” المكارثية” في ثلاثينات القرن الماضي ألتي كان الهدف من ورائها هو تحطيم إقتصاد ألإتحاد السوفيتي وبقية دول المعسكر ألإشتراكي بسبب التعبئة العسكرية … لقد كانت ميزانية ألإتحاد السوفيتي آنذاك تساوي 400 مليار روبل ما يُعادل 597 مليار دولار / بحساب الدولار= 67 كوبيك حسب القدرة الشرائية للروبل/ و23% من مجمل تلك الميزانية كانت مُخصصة للتسليح والدفاع، وعندما سُئلَ أمين عام الحزب الشيوعي السوفيتي” نيكيتا خروشوف” حينذاك عن سبب إرتفاع التخصيصات لشؤون الدفاع، أجابهم: إذا لم نخصص تلك المبالغ للدفاع فلن نستطيع الوقوف بوجه ألهجمة ألإمبريالية العالمية.

في الظروف الراهنة، تطبّق الولايات المتحدة ألأمريكية مبدأ التبعيات لها ألإقتصادية والعسكرية/ العراق يعاني من التبعية العسكرية/ وأية دولة تحاول ألإفلات من تلك التبعيات فستواجه أساليب غير متوقعة من ألإدارة ألأمريكية عن طريق إشعال نزاعات داخلية وتدخلات خارجية كما حصلَ عن طريق تأسيس القاعدة بألتنسيق مع إيران وإدخالها للعراق ومن ثمّ داعش… والسؤال المطروح هو متى يتحرر العراق من جميع التبعيات ويصبح بلداً حراً مزدهراً يواكب مسيرة التطور الحضاري أسوةً ببقية الشعوب ألمتحضرة !!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here