الغباء السياسي عند الحكومات العراقية المتعاقبة

الغباء السياسي عند الحكومات العراقية المتعاقبة : بقلم ( كامل سلمان )
الحكومات بطبيعتها السياسية وبحكم قيادتها لمجتمع كبير والمسؤولية التي تقع على عاتقها يجب ان تكون ذات قدرات عالية الذكاء والدهاء والقائد السياسي يجب ان يكون ذات حنكة سياسية ودبلوماسية متفوقة على باقي افراد المجتمع يستطيع من خلالها قيادة البلد الى بر الأمان وجعل البلد في موقع يتناسب مع الإمكانات البشرية والاقتصادية التي تتوفر في ذلك البلد وبما يجعل سكان ذلك البلد في محل تفاخر وتباهي امام مواطنو البلدان الاخرى ، فمن المعيب جدا ان ترى بلد يمتلك كل مؤهلات النمو والقوة وابناءه يشعرون بالعار عندما يقفون امام مواطني البلدان الأخرى وهم في قرارة انفسهم هم الافضل وهم الارقى ولكن للأسف الشديد جميع الحكومات المتعاقبة التي مرت على حكم العراق فشلت في جعل الإنسان العراقي في موقع التفاخر وهذه الحكومات كانت تمتلك الدهاء والحنكة والقوة في كيفية بسط نفوذها على الناس دون ان تقدم اي شيء للناس وفشلت في تعاملاتها السياسية الاقليمية والدولية وهذا حال جميع الحكومات التي حكمت هذا البلد منذ فجر التأريخ وحتى يومنا الحالي وكأنهم استنساخ لمن سبقهم فهم اذكياء في اخضاع شعوبهم لإرادتهم بالقوة واغبياء في مواجهة اي بلد اخر ، وكانوا دائما ضحية لإرادة الحكومات التي تحكم الدول الاخرى حتى وان كانت هذه الدول هي دول صغيرة مثل الكويت او قطر او الامارات او الاردن وغيرها ، فقادة الدول الاخرى عندهم الدهاء والذكاء السياسي ويعرفون كيفية اللعب في الساحة العراقية الهشة التي لا يدرك قادتها ان ساحتهم هشة على الرغم ان العراق بلد يمتلك امكانيات سكانية واقتصادية كبيرة قادرة من ان تجعل البلد بمصاف الدول القوية المتسيدة ، فهذه الحكومات التي حكمتنا تتحدى ولكن لا تمتلك مؤهلات التحدي وأول تلك المؤهلات هو انعدام الذكاء السياسي لقادتها لذلك ترى ان اية مواجهة تخوضها حكوماتنا مع اية دولة اقليمية او دولية سرعان ما تتلقى ردة فعل عنيفة ومؤذية قد تؤدي الى زحزحة الوضع الداخلي او تدمير البلد وكذلك التأريخ يشهد ان اي هجمة خارجية حتى لو كانت من مجاميع مسلحة تسقط بلد بحجم العراق والسبب يكمن بأن قادة حكوماتنا الأغبياء ينظرون الى حجم العراق لا الى تركيبة العراق ، هذا البلد الذي يتركب من شعوب مختلفة في كل شيء ، قوميات مختلفة ، ديانات مختلفة ومذاهب واصول مختلفة رضت ان تتعايش سوية في ارض مليئة بالخيرات جنب الى جنب ولكنها لم تتوحد ولم ترضى بسيادة طرف دون آخر عليها وهذا هو سر التعقيد الذي أبى الحكام استيعابه وهضمه فالشعب العراقي وبالأحرى الشعوب العراقية المختلفة في العقيدة والتفكير والعادات والتقاليد ، فمن قرية الى قرية تجد الاختلاف في التركيبة وأحيانا حتى اختلاف في الشكل واللهجة تربت وتأسست على مبادىء خلقية عالية يندر وجودها في أي مجتمع آخر وبنفس الوقت كانت عرضة للظلم والتجاوز من قبل قويها ضد ضعيفها وفي كل الأحوال يبقى ضعيفها يتربص بقويها عندما يحين الوقت للانتقام ورد الاعتبار ولم ولن يتوحد هذا الشعب ولكن قادر ان يتعايش بسهولة مع بعضه البعض بوجود الاحترام للهوية وحفاظا لحقوق الاخرين ، هذه الحقيقة التي انكشفت للقاصي والداني يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار لمن اراد ان يكون حاكما ناجحا لبلد اسمه العراق والا سيكون حاله حال من سبقه من الحكام .
ورب سائل يسأل ألم تكن أمريكا هذه الدولة العظيمة ذات تركيبة اجتماعية متنوعة ومعقدة أكثر من العراق ورغم ذلك أصبحت الدولة العظمى الاولى عالميا ؟ الجواب وبسهولة أمريكا كانت أسوأ من العراق ولكن قادتها درسوا الواقع واستوعبوا الدروس وتوصلوا الى حل دستوري يرضي الجميع وهو ان يحرم التعامل بين الناس على اساس القومية او الدين او المذهب او العنصر سوا أكان التعامل بالشكل الرسمي او غير الرسمي ووضعوا قوانين صارمة تردع من لا يمتثل لهذه القوانين وتركوا الباب مفتوحا لكل من يجد في نفسه الكفاءة ومن اي فئة اجتماعية ان يتسلق هرم المسؤولية دون النظر الى جنسه او لونه او عقيدته ولا يسمح له استخدام تركيبته في موقع المسؤولية فالمجتمع الأمريكي انتابه الأمان من اي حاكم بل ان الحاكم اصبح ممثل حقيقي لإرادة المجتمع والمجتمع يتبنى الدفاع عنه وعن قراراته الخاضعة لسلطة المجتمع بعد تجارب طويلة وهذا مانسميه بالديمقراطية الحقيقية بينما الديمقراطية التي اعلنها العراقيون مازالت خاضعة وبقوة للدين وللفئة والقومية ومازال الانسان العراقي يثق بأخيه العربي الذي يلتقي معه بالقومية او أخيه الفارسي الذي يلتقي معه بالمذهب او التركي او العلماني او الشيوعي او اي انتماء اكثر ثقة من أخيه العراقي الذي يختلف معه ويشك في نواياه وهو يعيش بالقرب منه بعد تجارب مئات السنين ، وأي مسؤول عراقي غير قادر ان يتحرر عن انتماءه وجذوره ولا بد ان ينعكس انتماءه وسلوكه بشكل او بأخر على سلوكه السياسي عندما يكون مسؤولا في الدولة طالما لا يوجد من يردعه ويحاسبه.
الذكاء السياسي يعني ان تعرف امكانياتك الحقيقية لا إمكانياتك الظاهرية الخادعة فالدستور والقوانين المحلية يجب ان تبعد الدين والمذهب والعنصر والعشيرة والقومية وتنظر الى الإنسان العراقي ككائن مستقل وتصبح الدولة هي العشيرة وهي الدين وهي الضمان والأمان وتعتبر ذلك خط احمر لا يسمح تجاوزه وتلغي جميع الخطوط الحمر المصطنعة للأفراد او للجهات وتضع القوانين التي تحاسب بشدة من يعبث بأمن المواطن كخطوة اولية لبناء بلد محترم قوي عزيز ويصبح المواطنون كلهم سواسية امام القانون وفي نفس الوقت تعمل الحكومة على بناء مصالح اقتصادية وسياسية متينة مع جميع دول المنطقة ومع جميع دول العالم والدول الكبرى وحتى مع اسرائيل دون خوف او تردد اذا كان هدفهم بناء العراق القوي وهذه هي من ابجديات السياسة ان ارادوا ان يعملوا بالسياسة وتأسيس حكومة تعمل بذكاء لا بغباء عندها سيرون الحجم الحقيقي لبلدهم والولاء الحقيقي لشعبهم .
بعض حكام الدول وحتى في الدول العظمى نرى سياسيهم اغبياء في مجالات كثيرة ولكن في السياسة ومصلحة البلد الذي جاءوا من اجله فهم في قمة الذكاء والدهاء ولا يفرطون بصغيرة مهما اجهدتهم فهم لاعبون مهرة ويعرفون كيف يخدمون بلدانهم في المكان والزمان المناسبين …
في تأريخنا الحديث والقديم جميع ساستنا وقاداتنا كانوا اضحوكة لقادة الدول الاخرى وبنفس الوقت كانوا جبابرة واستعراضيين امام شعوبهم فهم استنساخ لا يتغير ودائما يقعون بنفس الخطأ وبنفس الاسلوب نظرا لغرورهم واستحالة استيعاب وهضم الواقع الذي يعيشونه عندما نظروا الى عظمة انفسهم وابهجتهم الهلاهل والاهازيج وعدم وجود من يصحح سلوكهم اما خوفا منهم او طمعا في المكاسب وكان همهم الوحيد هو بقاء سلطتهم اطول مدة ممكنة دون الاكتراث بمستقبل ووجود هذا البلد الذي بإمكانياته السكانية والاقتصادية قادر على ان ينافس دول متقدمة عالميا ويبتعد كثيرا عن دول المنطقة التي لا تمثل حجمه الحقيقي ولا مقياسه نظرا لما يمتلكه هذا البلد من قدرات بشرية واقتصادية وعقلية وطبيعية تفوق مثيلاتها في دول المنطقة ولكن للأسف تبقى الحسرة هي الكسب الوحيد بين ايادينا فحكامنا ابعد مايكونون عن الواقع واجهل مايكونون للحقيقة والغباء متأصل في تركيبتهم فهي كلمة نقولها عسى ان تجد اذان صاغية متفهمة والله المستعان .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here