عصام الياسري
لا زال المشهد العراقي في مجمله، يتراوح في مكانه وسط أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة لم يجد القائمون على رأس السلطة ومنذ سقوط النظام الديكتاتوري ولحد الساعة أي حلول لها رغم الوعود والإصرار على أهمية مغادرة الاحتلال العراق “طبعا دون الاشارة للتواجد الايراني” للخروج من المأزق المستفحل على كافة الأصعدة . ولاتزال الأوضاع على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري، تتسم باستمرار التدخل الاجنبي والتأثير على ما أطلق عليه بـ (العملية السياسية)، خاصة فيما يتعلق بالتأثير المحموم على الانتخابات القادمة وما ستؤول إليه من إصطفافات جديدة. بيد أن المشكلة الرئيسية التي لا تزال تواجه شعبنا ومجتمعنا، هي مشكلة بناء الدولة على أساس طائفي وقومي، ومن ثم التعايش مع هذا الواقع بصيغ أمنية وسياسية واقتصادية خطيرة، يكرس لها التواجد (الأجنبي) وفقاً لمعطيات عقائدية، بواسطة الاتفاقيات الثنائية. فيما يمثّل شكل الدستور الذي وضعه المحتل خطورة على مستقبل العراق السياسي، لما أنطوى على قوانين صريحة وواضحة مضادة للوحدة الوطنية، وللتكوين الوطني والمجتمعي العراقي، فأصبح لا يشكل خطوة لحل أو تخفيف الأزمات الطاحنة بل يزيد في تفاقمها.
وبالتأكيد لم يكن كل ما جرى مجرد حالة طارئة تشكل نهاية المعركة الفاصلة للكشف عن الأغراض الحقيقية التي تقف ورائها على أرض العراق. انما كانت مقدمة لاجراء “الانتخابات الأولى” على اساس الدستور، على نحو طائفي وقومي شوفيني يضمن الأجندة الأمريكية ـ الايرانية التي لازال تطبيقها ساريا في بلادنا حتى الآن.
فهل ستغير الانتخابات القادمة من واقع العراق المأساوي؟
تشير الوقائع والاحداث الى ان أساليب الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية الولائية ـ الطائفية والقومية المتأدلجة، التي شاركت في الإدارات الحكومية بعد الاحتلال مباشرة ـ كما يبدوـ لاتزال بدائية ومتخلفة، كشفت عن عورة عزلتها مجتمعيا، رغم الدعم الواسع الذي تقدمه لها بعض الاطراف الخارجية، ورغم لجوءها إلى أساليب رخصية لكسب الناس واللعب بمشاعرها الدينية بأسلوب طائفي. مستغلة الموقف الغامض لبعض المرجعيات الدينية، الذي افرزته الانتخابات الأخيرة عام 2018 التي أثارت اهتمام الرأي العام العراقي والعربي والدولي لما رافقها من صفقات طائفية وسياسية لا سابق لها كما لا تستند إلى أسس أو معايير وطنية، بقدر ما تكرس العنصرية والطائفية، بالاضافة الى الانتهاكات القانونية والادارية والتلاعب والتزوير.
إن فرض (برلمان) من جديد لمدة أربع سنوت تنبثق عنه (حكومة طائفية توافقية) و(رئاسة جمهورية) عبر انتخابات غير شرعية تفتقر الى ابسط القواعد والشروط،، يعد عقبة جديدة في طريق حل المشاكل المتفاقمة في بلادنا، ويجعل العديد من الاطراف الاجنبية تستغل هذه الحالة لفرض خططها عبر اتفاقيات مع هذه الإدارة و”ادارة الاقليم” اللتين لا تجدان سوى مصالحها الفئوية والطائفية والعنصرية في المعادلة العراقية وليس مصالح الشعب والوطن .
إن التطورات السياسية الداخلية والإقليمية والعمليات الإرهابية الوحشية المستمرة التي تنفذها الميليشيات المسلحة في المدن. واتساع عمليات القتل السياسي وخطف المدنيين العزل، التي تقودها ميليشيات طائفية مقربة من الاجهزة الامنية، أو مرتبطة بمنظمات وأحزاب داخلية أو بأجهزة مشبوهة خارجية، يساهم في شحن الدفع الطائفي الخطير لكسب معركة الانتخابات لصالح قوى طائفية بعينها، لكنه في المقابل سيضع البلاد على مشارف حرب داخلية أهلية. ومن المؤكد ان بقاء ذات القوى في السلطة، والتي أثبتت أنها لن تستطيع ملامسة وتشخيص المشاكل ومن ثم حلها، خصوصا المشاكل الرئيسية الكبيرة التي تواجه المجتمع وتتفاقم بوتائر متسارعة، ومنها ظاهرة الفشل العام في إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية حديثة، والتغاضي عن سوء الادارة وحياة الناس البائسة وحل مشاكلهم المعيشية المتفاقمة، أو مناقشة مستقبل البلاد في المجال التنموي والاقتصادي والسياسي.. إن بقاء هذه الظواهر على حالها فيما بعد الانتخابات، ما هو إلا صفقة خبيثة للاستمرار بأي ثمن وبأية طريقة على النهج الطائفي ـ التوافقي.
من هنا لابد البحثً عن اسس وطنية رصينة لمواجهة التحديات وتطوراتها على ارض العراق قبل الانزلاق نحو الهاوية، واهمها احياء الفكر الجمعي الوطني والسياسي، وخاصة تجاه ما يتعلق والاعتبارات الناجمة عن التواجد الاجنبي ومشاكله الرئيسية في بلادنا، والتمسك بحق شعبنا الثابت في مقاومة النظام الطائفي وبناء دولة المواطنة الحديثة التي يرتأيها، والتمييز بين “المقاومة” الوطنية لاجل التغيير الشامل لنظام الحكم بكافة الأساليب، وبين الأرهاب الغامض والمشبوة والذي يستهدف مجتمعنا وأبناء شعبنا من المدنيين العزل، هذا الإرهاب الذي لم تكشف وتحدد مصادره والجهات التي تقف وراءه وتديره للآن، حيث تساهم به وتقوده جهات ودول وأجهزة مخابراتية عديدة تقف جميعها ضد مصالح شعبنا ولم يجري التصدي له بالأساليب المطلوبة، حيث تؤكد الأحداث الدامية والمستمرة الى تخلف وعجر الإدارات الحكومية المتعاقبة عن القيام بدورها المطلوب.
إن موضوع الانتخابات السابقة وما آلت إليه نتائجها من أزمات حقيقية على الصعيد الاجتماعي والوطني، قادت إلى تحالفات وإصطفافات متميزة لقوى جديدة أخذت تنمو على الساحة السياسية العراقية في الآونة الأخيرة. تؤكد بشكل صارخ على تفاقم الأزمة السياسية التي تمر بها كل القوى المتورطة في لعبة “العملية السياسية”، هذا النموذج الديمقراطي المزعوم إلذي استورد من خارج حدود العراق.. إن جميع المؤشرات تؤكد بشكل واضح إلى أن الانتخابات القادمة سوف لن تكون نموذجاً يختلف عن المسارات الانتخابية السابقة، وهي ان لم تحمل مطالب وشروط ثورة تشرين وتلتزم بها، فانها خطوة أخرى ضمن الخطوات المطروحة في أجندة الاحزاب الطائفية، للبقاء في السلطة بأي شكل من الأشكال، وإستغلال الفوز المفتعل للدعاية الداخلية والخارجية والتخفيف من مأزق الفشل المتصاعد الناتج عن ممارساتها الادارية والسياسية وتداعياتها السلبية الكثيرة. ومنها عدم المساهمة الجدية في حل المأزق الوطني الذي تمر به البلاد، خاصة وهي تسير على نفس الأسس والنهج التقليدي لفرض المحصصات والتقسيمات الطائفية والقومية والمناطقية، التي اسس وقبل بها جميع المشاركين في العملية السياسية منذ اول “مجلس حكم” جاء به الاحتلال كصيغة متخلفة وخطيرة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط