فرات المحسن
دعيتُ لوجبة بكاء مر… فقبلت، فجيعة أعلنوها فكنت أحدهم، ومثلهم محرضا عليها.
قالوا تعال نسكب الدمع، فلسنا سوى أبناء بررة لهؤلاء القتلى المرميون كل يوم، عند منعطفات الشوارع.
كانوا حفنة بشر دون ملامح، وسط الصخب يتوارثون المواجع.
لم أدخر شيئًا تلك اللحظة، فروحي عافت جسدي، وأمست معلقة بأرجوحة وجوه الموتى فتناولت منديلي وبكيت.
ضجوا مهللين وهم يشاهدون دمعي المدرار. صمتوا يترقبون حسرتي وتأوهي فغافلتهم وتسربت مني ضحكة ضاجة.
لم أجد الساعة مخرجًا لحزني غير الضحك، فليس في جسدي ما يثير الشجون..
ثبتُ لرشدي، انتابني القلق أن أكون قد أصبت بلوثة. حملقت بأجساد الموتى وكنت حينها وجلاً مرعوبًا.
أخفيت نشيجي، فتورم صدغي وأرتفع ضغط دمي. تحسست ورقة الدعوة، فدعكت دمعتي وأخفيتها في جيب سروالي، أخفيتها عدة لأيام قادمة، ربما أذرفها أو أبيعها لموت جديد.
كنت أرتجف وجسدي يتفصد عرقًا، تلمست ورقة الدعوة ثانيًة.
ندمت،فقد كنت عجولا حين قبلت الدعوة دون تردد.
صَمتُ وأخفيت صوت نشيجي في المنديل.. عندها كانت حدقتا عينيّ تحدقان في الفجيعة البعيدة.
يرتفع ضغط دمي مجددا، وترتخي الشرايين في صدغي لتستوعب هديره.
أطالع أفقا مغبرًا بهيميًا، تنط منه رؤوس دون ملامح .. رحت في نحيب طويل ، يتساقط دمعي فوق راحة يدي فيبدو بلورًا شفافًا.
استيقظت فزعًا وتلمست جيب سروالي، فتيقنت من وجود الورقة. فقد كنت أنتظر دعوة جديدة في يوم آخر أهرب فيه من فجيعتي.. الخاصة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط