أشياء من هذا القبيل : الزوج العتيق !..

أشياء من هذا القبيل : الزوج العتيق !..

بقلم مهدي قاسم

مضى وقت طويل على ذلك اللهيب العالي الذي اشعل قلبها بذبذبات إشعاع كيمياوي خفي ذات حمولات حب مفاجئ و صاعق خاطف ، اخترق قلب زوجها الفتي آنذاك بضربة بريق متوهج تتوغل عميقا في زوايا وأركان قلبه مثل أشعة شمس صباح مبهجة ، وكالعادة ، بدا كل شيء في البداية جميلا ومدهشا وساحرا وخلابا ، غير أنه و بفعل دوران أيام و سنين وروتين مصاحب ببهوت وتكرار معاد ، أخذ ذلك اللهيب يخفت شيئا فشيئا ،بل يهمد متحولا إلى رماد منثور متركما على رفوف حياتهما المثقلة بأشغال و هموم يومية معتادة ، ليتحول ذلك الحب المدهش فيما بعد إلى صداقة وألفة ،ثم الصداقة نفسها ــ بعد فترة ،ــ إلى شراكة سكن فحسب ! ، ليصبحا ، كأنما جارين قديمين في بيت واحد ، في أثناء ذلك تضاءل هو تحت ضربات معاول الوقت و عجلات الأزمنة الساحقة و بات منكمشا باضمحلال عجيب ، ليبدو كما لو كان قد أصبح أشبه بدمية ـ :
ــ دمية بهيئة وملامح طريفة ذات ضحكة دائمة كأنما سخرية من القدر ذاته ، دمية مثل أية دمية حقيقية أخرى ، لم تعد بحاجة إلى عناية كبيرة أو متطلبات ملحة ،متقبلا وضعه الراهن ، دونما شكوى أو تظلم أو تذمر مشروع ، كان يكفي أن تخرجه من درج مخزن الأشياء العتيقة ، بين وقت وآخر ، لتنفض عنه تراكمات غبار متسلل من فتحات نوافذ مطلة على امتداد الشارع ، وبعد ذلك تستبدل ملابسه الداخلية و تمشّط شعره المبعثر على شكل شعيرات فضية آخذة بتناقص يوما بعد يوم ، في البداية كان يفرح قليلا متصور أنها ستأخذه أخيرا بجولة أو نزهة إلى حدائق عامة أو إلى سينما ومسرح ليتسلى قليلا ، إلا أنها كانت سرعان ما ترجعه إلى خزانة الأشياء العتيقة ، مدندنة بحماس وشغف عاشقة بأغنية محببة على قلبها ، ليرقد هو ” هناك ” كأية خردة أخرى من خردوات وأشياء كثيرة مرمية بفوضى عشوائية ، من خردوات عتيقة ومستهلكة و مبعثرة، كأنما قد فقدت أهليتها المفيدة و العملية و إلى الأبد ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here