نظريـــــــة المـؤامــرة

نظريـــــــة المـؤامــرة

امجــد توفيــق

ثمة اتفاق سري بين ضيوف محطات التلفزيون الفضائية أو الأرضية .. اتفاق يلتزم به المحللون السياسيون يساريين كانوا أم يمينيين ، حداثويين أم سلفيين ، قوامــه أنهم يعلنون براءتهم من نظرية المؤامرة ..
ما الذي يجمع بين سياسي قضى حياته في العمل ضمن تنظيم ذي أفكار اشتراكية ، وبين أكاديمي يزداد سمك نظارته كل عام ، وبين سياسي صنعته الفرصة أو طريقة اغتنامها ، كي يعلنوا جميعا عدم إيمانهم بنظرية المؤامرة ؟
كيف يتفق الحداثوي مع السلفي ، وكيف يتفق من يرى الوجود الأميركي في العراق احتلالا ، وبين من يجده تحريرا ، كيف يتفقون على رفض نظرية المؤامرة ؟
وكأن إعلان البراءة من هذه النظرية يعادل رد اتهام بالتآمر في ظل نظام قمعي ، أو رد اتهام بمعاداة السامية ، أو دفع تهمة اعتناق أفكار المرحوم هتلر !
إن أية قراءة معمقة لأحاديث هؤلاء ، أو إصغاء لجوهر ما يقولونه يظهر أن رفضهم السريع ، وإعلان براءتهم من النظرية محض لازمة لا تمتلك مقومـــات الاعتماد الحقيقي ..
ذلك أن بعضهم يقع في تناقض خلاصته أنهم يقودون مسوغات النظرية كبـرهان لرفضها !
لماذا يحدث ذلك ؟
لنوضح أن البرامج السياسية والفكرية المقدمة تفتقد إلى الرصانة والعمق بسبب تدخلات المقدم ، وحرصه على الإثارة ، وإغفاله لجوهر ما يتم الحديث عنه ، فليس غريبا مقاطعة ضيف ذكر نقطة واحدة من مداخلة تتضمن ثلاث نقاط ، وليس غريبا التنقل على طريقة العصافير من موضوع إلى آخر دون استكمال حــق أي موضوع في المناقشة ..
ولنقل أن ذكر نظرية المؤامرة يقــود إلى اتهام المهيمنين في عصر العولمة ، وهذا ما يتفاداه الكثيرون الذين وجدوا فرصهم في اتجاه يلغي الجغرافية ويطعن التاريخ ..
ولنؤشر تباين القصد والغاية من الرفض ، فليس ثمة اتفـــاق على فهم محدد ، فضلا عن تباين المنطلقات ..
وإذا كان هذا حال السياسيين والمفكرين والكتاب العرب ، فلماذا لا يشعر زملاؤهم الغربيون بحاجة مماثلة في أحاديثهم ؟
برغم أن الحرية مطعونة بالمصالح ، فهم يجدون هامشهم ، ولا يتطيرون من النقد أو الاتهامات ، ولا يترددون في كشف خيوط المؤامرة متى ما تلمسوا وجودها .. ولنعد إلى كل الفضائح التي رافقت تجاربهم وسياساتهم ، لنتبين أن كتابهم وصحفييهم من كشفها ، ولم يكشفها كاتب أو صحفي عربي ..
هل نتحدث عن فضائح أبي غريب ، وأسلحة الدمار الشامل ، والعلاقة مع أحداث 11 أيلول وتنظيم القاعدة ..الخ ؟
كل ذلك أصبح واضحا ..
ولكن غير الواضح ، وغير المعقول أن يعمد المعتدى عليه إلى إعلان براءة المعتدي !!
أليس هذا مضمون أقوال هؤلاء المحللين والسياسيين عندما يعلنون رفضهم لنظرية المؤامرة ؟
ثم من هو أحق بإعلان البراءة ؟
المنطق يشير إلى أن مرتكب الفعل قد يعمد إلى إعلان براءته أو يجمل فعله أو يحاول تسويغه .. لكن من يعاني من هذا الفعل ينبغي أن يطالب بحقه ، ويكشف ما خفي من تصرف خصمه ، لا أن يعلن براءته مما يقود إلى اتهام هذا الخصم ..
نعم .. لتسقط نظرية المؤامرة إذا كانت أفعال الآخرين تمتلك شفافية حقيقية ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here