انحراف سياسة فرنسا العربية

انحراف سياسة فرنسا العربية

بعد استقلال الجزائر تمكنت فرنسا من رسم سياسة اكثر انصافا تجاه القضايا العربية نسبة الى امريكا وبريطانيا وغيرها. فقد تمكن الجنرال ديغول من خط سياسة خاصة لا تقتفي اثر السياسة الامريكية المتحيزة الى إسرائيل. كانت اولى هذه الموشرات بعد حرب الايام الستة في حزيران 1967. ثم سار سلفه حورج بومبيدو وجاك شيراك على هذه السياسة. في حين كان اليسار الفرنسي تاريخيا اكثر اقترابا من إسرائيل نسبة الى الديغوليون.
لقد حصل انحراف كبير في السياسة الفرنسية تجاه القضايا العربية. عندما وصل نيكولا ساركوزي الى رئاسة فرنسا كان هواه صهيونيا ويسير خلف السياسية اليمينية الامريكية دون قيود. فقد وقف مع احتلال امريكا للعراق رغم ان السياسة الرسمية الفرنسية انذاك ضدها في عهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك. كما ان الامم المتحدة واغلب شعوب امريكا واوربا كانت ضد تلك المغامرة وخرجت بمظاهرات مليونية في كل مكان. سواء في واشنطن او لندن او باريس او غيرها.
ساهمت فرنسا في تمرير وتفعيل مخرجات الاحتلال الامريكي للعراق وساندت اذنابه. اذا ما علمنا ان لفرنسا تاريخ طويل في التعامل مع خونة الاوطان كحركيي الجزائر (تطلق على الخونة الجزائريين الذين تعاونوا مع الاحتلال الفرنسي لبلدهم). تقف باريس اليوم بكل قوة ايضا مع حركيي العراق وتعمل المستحيل لتسويقهم عالميا. لقد ساهمت منذ بداية الاحتلال البغيض تاهيل الاذناب العراقيين لتعلم كيفية اجراء الانتخابات. مع ان العراق كان من اوائل الدول العربية التي اجرت فيها الانتخابات منذ حوالي قرن من الزمان. استقبلت فرنسا ايضا الكثير من الفاسدين العراقيين محاولة منها للمشاركة في تقاسم الكعكة العراقية مع امريكا وبريطانيا وايران.
شاركت باريس واشنطن في تهديم المدن العراقية خصوصا الموصل تحت حجة سيطرة تنظيم الدولة. ان هذا التنظيم خدم امريكا وفرنسا وشوه صورة الاسلام عامدا متعمدا بتشجيع غربي اسرائيلي. تبحث فرنسا اذن لايجاد فرص عمل لاعمار ما هدمته طائراتهم. نعلم من جهة اخرى بان تواجد تنظيم الدولة في مالي برر الوجود العسكري الفرنسي والذي اخفى نهب اليورانيوم بدون حساب.
حدثني صديقي الفرنسي الذي كان مدعوا قبل خمس سنوات الى معهد العالم العربي لشرح احداث الموصل بعد التحرير او بالاحرى التدمير والتخريب. كان احد المنتدبين الحكوميين يشرح للزائرين كيف دمرت داعش الموصل مؤشرا على الصور الفوتغرافية التي تظهر فيها المدينة مخربة بمساجدها وبناياتها ومؤسساتها. عندها قال صديقي للمنتدب متسائلا يعلم القاصي والداني بان عناصر داعش لا تملك الا اسلحة خفيفة. ولا يمكن لهذا الدمار الذي نراه ان يكون من فعلهم على الاطلاق. انه دمار صواريخ طائرات مقاتلة او صواريخ من وراء البحار. اردف صديقي قائلا لي لقد ساد الوجوم الزائرين اول وهلة ثم قالوا جميعا ان هذا الاعتراض صحيح. وهذا التدمير لا يمكن ان يكون من داعش. انما من فعل جيوش دول كبرى تمتلك معدات ثقيلة.
السياسة الفرنسية باستثناء الفترة المذكورة انفا بقت تنتهج سياسة الهيمنة الاستعمارية. سياسة تعيش على الالم وثروات الدول الفقيرة كمالي والسنغال والعراق والمغرب الخ. ففي مؤتمر التعاون والشراكة الاقليمي الذي انعقد قبل عدة ايام في بغداد لاصلاح العلاقات بين ايران والسعودية. حشر الرئيس الفرنسي نفسه لحضور مؤتمر ليس لفرنسا فيه ناقة ولا جمل. كان يبحث عن دور مفقود في المنطقة سبق ان هيمنت عليه امريكا والصين وروسيا. لقد اجتمع مع بعض الزعماء للحصول على بعض العقود لينقذ اقتصاد بلده المتهاوي. زار بعد بغداد كردستان ثم عرج الى الموصل حيث التقى مع بعض رجال الدين المسيحيين فيها. انه يحاول ادخال الشركات الفرنسية الى تلك الاسواق. في واقع الامر ان الرئيس الفرنسي يبحث عن اية فرصة قد ترفع شعبيته في الداخل الفرنسي. خصوصا لم يبق للانتخابات الرئاسية الا حوالي ثمانية اشهر.
في نهاية المطاف ان حكام بلداننا هم الذين احيوا شهية المستعمرين الفرنسيين وغيرهم الى اعادة الكرة لاستعمارنا. بعد ان انتشر الفساد في جميع انواعه وضاعت المبادئ فعادت بلداننا القهقرى الى الوراء. ان دولنا مخترقة حتى النخاع من قبل المستعمرين وكانت ولا تزال مسيرة ومبرمجة من قبلها. فاليوم يختار المستعمرون الوقت المناسب لتهديم مدننا وبلداننا وهم انفسهم يقررون الوقت الذي يبدأون باعمارها. ثم لا نزال نقول باعلى اصواتنا ونصيح ليل نهار باننا دول حرة مستقلة.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here