الارهاب وقوالب وهياكل المجاميع المسلحة والاطماع الايرانية

الارهاب وقوالب وهياكل المجاميع المسلحة والاطماع الايرانية

د. عبد الامير البدري

احتضنت الزعامة الدينية في إيران مشروعاً واحداً وسخرت كل مقدرات الاقتصاد الإيراني لتحقيقه، وكانت تستمد مشروعية ذلك المشروع من كونها تعتبر نفسها أعلى مرجعية للمسلمين على الأرض، وفقاً لذلك تبنت مفاهيمها الثورية التي أخذت تروج لها في سياق إرتباطها بأممية ولاية الفقيه، المحررة من أي إلتزامات تعاقدية. فالولاية التي يؤمن بها المرشد الإيراني الحالي علي خامنئي ويفسرها تفرض سلطانها على جميع الدول والأقطار وتمتثل لطاعتها الأمة الإسلامية، تبسط نفوذها على الجميع، لا تلزم نفسها بأي قانون دولي، ولا يعنيها حرمة جوار أو معاهدة حدود، فلا سيادة تحول دون فرض الأمر الواقع، ولا استقلال يمنع عبور الولاية إلى الدول الأخرى.

إنطلقت إيران في نشر المليشيات الإرهابية في العراق وسوريا واليمن وتممدت في أماكن مختلفة من العالم، تماشياً مع خارطة ولاية الفقيه العالمية التي أشارت إليها مجلة الشهيد الإيرانية الحكومية في عددها الصادر في أبريل-1981م، والتي تقضي بضم العالم كله بمعسكريه الشرقي والغربي إلى إيران، و تعتقد الزعامة الدينية الإيرانية أن إسقاط العراق سيكون مقدمة إلى السيطرة على العالم الإسلامي.

سعت القيادة الدينية في إيران عبر جسور التواصل التي صنعتها مع العالم الإسلامي و العربي إلى بناء حواضن للفكر المتطرف التي تتبناه، لتكون وسائل لتجيش وصناعة المليشيات التي أصبحت اليوم تقاتل دفاعاً عن إيران في المنطقة العربية، ومنها جماعة الحوثي في اليمن و حزب الله في لبنان وعشرات المليشيات في العراق، وكان أبرز تلك الأدوات الملحقيات الثقافية الإيرانية في بلدان العالم الإسلامي، ففي نوفمبر من العام الماضي نضم عدد من الجزائريين حملات إعلامية تطالب بطرد الملحق الثقافي الإيراني أمير موسوي لضلوعه في أنشطة لنشر التشيع في الجزائر، وفي 28 نوفمبر، أعلن وزير الشؤون الدينية الجزائري محمد عيسى عن اعتقال المئات من المتشعيين عقب عودتهم من العراق، وقال الوزير إن جهات تحاول إثارة فتنة طائفية في الجزائر[i].

وعبر تقديم المنح التعليمية للطلبة في جامعات مدعومة من ولاية الفقيه في إيران، استقطبت إيران الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية، ولو نظرنا إلى خارطة زعماء المليشيات المسلحة المدعومة إيرانياً في العالم الإسلامي لوجدناها تربت في محاضن الفكر المتطرف في مدينة قم الإيرانية، أو غيرها من مؤسسات التعليم التي تدعمها و تنتشر في عدد من بلدان العالم الإسلامي ومنها جامعة المصطفى الدولية و الكلية الإسلامية في لندن وكلية اندونيسيا الإسلامية وجامعة العلوم الإسلامية في غانا، وفي لبنان وعدد من البلدان العربية تنتشر جامعة آزاد الإسلامية وجامعة بيام نور، ويشكل “المجمع العالمي لأهل البيت” إحدى المنظمات الإيرانية الرئيسية المرتبطة بتدجين وإعداد المتطرفين وإدارة أنشطتهم في جميع أنحاء العالم، وتعتمد المراكز التعليمية الإيرانية في الخارج المناهج المعتمدة من وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيرانية.

مكنت الحواضن الإيرانية التعليمية والثقافية على امتداد العالم العربي والإسلامي، الاستخبارات الإيرانية من إيجاد تربة خصبة لصناعة مليشيات وخلايا متطرفة تهاجم من وضعتهم إيران ضمن لائحتها التوسعية وأبرزهم بلدان مجلس التعاون الخليجي و بلاد الشام واليمن، وقد خصصت القيادة الدينية في إيران ما عرف بلواء القدس بقيادة قاسم سليماني لإتمام هذه المهمة، من خلال شبكة موسعة من الحوزات العلمية الدينية والجامعات تم تجنيد عشرات الآلاف من المتطرفين، بهدف إنشاء حضارة جديدة تتناسب وطموحات ولاية الفقيه [ii]. وتماشياً مع تلك الطموحت قامت “قوة القدس” بتدريب وتشكيل عدد من المليشيات الشيعية مثل جماعة الحوثي في اليمن و جماعات ” الحشد الشعبي” في العراق و “حزب الله” في لبنان و لواء”فاطميون” في باكستان ولواء “زينبيون” في أفغانستان. ومؤخراً صرح قائد قوات التعبئة الإيراني غيب برور الذي قاد “كتيبة فجر” و”كتيبة كربلاء” وهي وحدات أرسلت للقتال في العراق وسوريا. بأنه سيواصل العمل نحو تحقيق فكرة الخميني بتشكيل “جيش إسلامي دولي”.
و خلال ميزانية العام الجاري خصصت إيران 24.5 مليار دولار للشؤون العسكرية و الأمنية في مدونة ( economieiran) ذكرت أن المليشيات التي يدعمها المرشد خارج البلاد تحصل على دعم مباشر تحت عناوين مختلفة منها ” الأعمال الخيرية” و ” شؤون الثقافة الإسلامية”. ويتم دفع قسم كبير من تمويل هذه المجموعات عبر عوائد شركات Setad Ejraiye Farman-e Hazrat-e Emam(EIKO) وتعاونية الحرس Imam Khomeini Relief Foundation(IKRF) و تعاونية التعبئة (البسيج) وقسم من الميزانية الحكومية. وفي أكتوبر،2016 أفادت وكالة الصحافة الفرنسية: “أن إيرن تمول وتسلح أكثر من 80 ألف من عناصر الحشد الشعبي في العراق “.

إن التوسع الإيراني الكبير في المنطقة العربية يذكر بالزعيم النازي الألماني ادولف هتلر، الذي أرسل فيالقه العسكرية في كل أطراف أوروبا، لكنه عجز عن الدفاع عن برلين بعد غزوها من قبل الحلفاء ومات منتحراً، فمن خلال تلك التجربة يتضح أن الطرفان متشابهان في صناعة الكثير من الأعداء في البيئة المحيطة بهما من خلال القتل والجريمة واستباحة ثروات الشعوب واستنزافها، وبالنسبة لمن يعنيه هزيمة إيران في هذه المواجهة فعليه أن يستمر في استنزاف إيران في مختلف الجبهات المشتعلة ولكن بالمنطق التي تفهمه إيران، وهو منطق التعبئة المليشياوية، فخلال السنوات الست التي اشتعلت حاربت مليشيات إيران للدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد ولم ترسل إيران كتيبة جيش واحدة بقدر ما كانت تجيش الآلاف من المتطوعين الفقراء من باكستان وأفغانستان والعراق برواتب متدنية، وبذلك تجنبت استنزاف ميزانيتها وردود فعل داخلية سيئة، بالإضافة إلى قدرتها على الصمود لفترة أطول في الحرب.

إن أحد أهم ضمانات الصمود في المعارك التي تجري اليوم في المنطقة تتمترس خلف مجموعة من القيم أبرزها الدفاع عن الهوية الوطنية والمقدسات، وهكذا تفننت إيران في تجنيد الآلاف من الشبان في سوريا والعراق بذريعة الدفاع عن المزارات الشيعية، لذلك يتوجب قبل إرسال المقاتلين إلى مثل هذه المعارك تعزيز الروح القيمية والوطنية لديهم.

تنتشر في إيران العديد من الأقليات التي تعاني من الأضطهاد والقمع من قبل الحكم الفارسي المتطرف، سواء كانوا أكراد أم عرب أم بلوش أم تركمان وجب دعمهم وتضخيم مشروعهم ومظلوميتهم أمام العالم في محاولة لتدويلها واستنزاف إيران سياسياً وإعلامياً.

صنعت إيران على مدار عقود العديد من اللوبيات في العالم الغربي، بالإضافة إلى إنشاء مراكز أبحاث و وسائل إعلام بلغات عدة أبرزها اللغة الإنجليزية، وهذا الأمر ساعدها على توظيف المئات من الإعلاميين والباحثين الغربيين وتجنيدهم لنشر روايتها للأحداث في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك وجب التصدي لمثل هذه الظاهرة وصناعة حائط صد يقابلها ويفند دعايتها.

محاصرة الحواضن الفكرية التي تنشرها إيران في العالم العربي والإسلامي وعبر مؤسسات مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والتصدي لتلك المشاريع بمشاريع موازية تكون بديلاً عن الوجود الإيراني، و تشديد الرقابة على وسائل الإعلام التي تتبنى وجهة النظر الإيرانية ومشاريعها السياسية في المنطقة.

استهداف التكتلات البشرية والحواضن الديمغرافية التي تعتبرها إيران أقليات يمكن استثمارها في التحريض على أمن الدول، من خلال تغيير ملامح الهوية الثقافية و تمزيق تكتلها وتوزيعها في نطاقات عمرانية تقلل من خطورتها.

رغم اشتداد الضغط الإيراني على المنطقة العربية والإسلامية في سياقاته المختلفة سواء بطبيعته الدينية المتطرفة أم القومية الفارسية المتعصبة أو الأطماع الاقتصادية و الاستعمارية، إلا أن نجاحه يبقى رهينة بتماسك واجتماع المجتمع العربي خلف هويته القومية والإسلامية الوسطية المعتدلة، كون أحد أهم ركائز المشروع الإيراني في المنطقة هو الرهان على فرقة وتمزق المجتمعات والفوضى الأمنية والفكرية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here