البروفيسور فهد علي حسين المختار الجبوري

الدكتور فهد الملقَّب (أبو الكيمياء في العراق) من القلة القلائل الذين تخصصوا بهذا العلم من العراقيين والعرب في العصر الحديث، ولإلقاء الضوء على إنجازات هذا الرجل، العلمية، نحتاج إلى مجلّد يستوفي إنجازاته العلمية وبحوثه وكتبه التي لاتزال تُدرَّس في العديد من البلدان، فالدكتور فهد واحد من فضلاء وأعيان أهالي الكريعات، عالم، شاعر، أديب متابع للعلم والعلماء، مثقف، بسيط خلوق عاش ومات في منطقة الكريعات التي تعتبره علماً عالياً من أعلامها النبلاء الأفذاذ.

ولد الدكتور فهد (أبو خالد) في بغداد/الاعظمية/الكريعات عام ١٩٢٤ م ، وهو ابنُ أوّل مختار في الكريعات حيث لقب بيتهم ببيت المختار، فوالده المرحوم (علي المختار) من أعيان المنطقة ورجالاتها وتم اختياره مختاراً في زمن الدولة العثمانية لأنه كان من الناس القلائل الذين يجيدون القراءة والكتابة، الأمر الذي شجعه لتسجيل أبنائه في المدارس، ويعتبر الدكتور فهد علي حسين المختار واحداً من أوائل الطلاب الذين تم قبولهم في أوّل مدرسة في الكريعات في ثلاثينيات القرن الماضي وكانت عبارة عن بيت طيني مملوك للشيخ محمد علي ابو نايله، وكان ممّن درس معه في تلك الفترة، المرحوم الاستاذ محمد عبد الأمير (أبو فوزي) والمرحوم الأستاذ (موسى الخضير) و (الاستاذ المرحوم وارد حسن سلطان) و (المرحوم البروفسور غزال الجبوري)، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة الكريعات الاولى تم قبوله في المتوسطة الغربية وبعد مرحلة المتوسطة تم قبوله في الاعدادية المركزية والتي حصل منها على شهادة البكالوريا الثانويّة بمعدل الأوّل على العراق، الذي كان يؤهله للدخول والقبول في أي جامعة، ولكنه فضّل أن يختار دار المعلمين العالية والتي نال منها شهادة الدبلوم العالي في العلوم بمرتبة الامتياز وذلك عام ١٩٤٩ م .

وعلى أثر ذلك تم تعيينه مدرّساً للعلوم في لواء (محافظة) ديالى آنذاك ثم نقل إلى لواء كربلاء/ قضاء النجف الأشرف حين كان النجف قضاءً تابعاً إلى كربلاء، ونتيجة لعلمه وتفوقه في مجال اختصاصه (علم الكيمياء) استحقّ أن يكمّل دراسته في مجال اختصاصه، ونجح في الاختبار العلمي للحصول على منحة دراسية (اختصاص كيمياء) في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٥٢ م للحصول على الماجستير ومن ثمّ الدكتوراه حيث نال شهادتيهما بكلّ تفوّق من جامعة تكساس، وعاد إلى وطنه العراق عام ١٩٥٨ م حيث عُدّ إنجازهُ كبيراً للعراق إذا علمنا بأن القلة القليلة من العراقيين كانوا يحملون مثل تلك الشهادات، فأمر الملك فيصل الثاني ملك العراق، وزير المعارف آنذاك (عبد الحميد كاظم) أن يستقبله في المطار مع تخصيص سيارة من القصر الملكي لنقله من المطار إلى منطقة سكناه، الكريعات.

وما أن سمع أهالي الكريعات بعودة ولدهم البار من خارج العراق وهو يحمل شهادة الدكتوراه المفخرة، خرج الأهالي في استقباله بحفاوةٍ وترحيب عالٍ حيث أطلقت العيارات النارية وتعالت الهلاهل من النسوة و قرع الطبول وعزف الناي الشعبي و (الجوبي) ونحرت الذبائح وأُلقيت كلمات الترحيب والمودّة والاحترام وتبادل العناق على أثر تلك المناسبة. يعتبر الدكتور فهد علي حسين الجبوري أول شخصية علمية من أصول منطقة الكريعات يحصل على شهادة الدكتوراه من أمريكا على أننا نكاد نجزم بأنه أول عراقي يحصل على تلك الشهادة العلمية العالية باختصاصه، ثم بعد ذلك تم أستقباله من قبل الملك فيصل الثاني في قصر الزهور وكرّمه وشكره باسم العراق والعراقيين على جهوده ومثابرته بالحصول على تلك الشهادة العلمية من أمريكا وبدرجة التفوق في مجال أختصاصه.

ثم تم تعيينه في جامعة بغداد أستاذا للكيمياء العضوية، ونتيجة لعلمه ونشاطه وحبه للعراق تنقل في أروقة الجامعة مدرّساً وأستاذا بين كليات الصيدلة والعلوم والتربية، فالدكتور (أبو خالد) يعتبر واحداً من العلماء والأساتذة الجامعيين الذين أسّسوا ركائز التعليم في العراق وخاصة الجامعي منه وهو الذي أضاف للتعليم الجامعي خلاصة خبرته التي اكتسبها من خلال دراسته في جامعة تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية.

كذلك يعتبر واحداً من القلائل الذين أسسوا للدراسات العليا في العراق في زمن الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم في الربع الأوّل من الستينيات من القرن الماضي، ليصبح بذلك، واحداً من أهم الاساتذه المشرفين على مناقشة الرسائل العلمية لطلبة الدراسات العليا للماجستير والدكتوراه حيث كان يلقب من قبل الجميع (أبو الكيمياء) في العراق كما كان يلقب بـ (أبو الكيمياء العضوية)، فهو الذي ألفَ ألعديد من الكتب التي تختص بالعلوم والكيمياء بدءا من المراحل المتوسطة وحتى كتاب الكيمياء العضوية المتقدمة الذي تمّ تقرير دراسته في المدارس الثانوية، علماً بأنّ لديه أكثر من مئة بحث منشور في العديد من النشريات والمجلات العلميه العالمية ، ويعتبر الدكتور فهد الجبوري ( أبن الكريعات ) أول من عمل على تأليف علم العلوم والكيمياء وبأيادي عراقية وطنية حيث شكلت لجنة في وزارة التربية انذاك ضمت عدد من الأخصائيين في مجال الكيمياء منهم على سبيل الذكر الدكتور جلال محمد صالح وأخرون ، نستطيع أن نقول ان علم الكيمياء في العراق الحديث كان منبعه من بيت الدكتور فهد!!! كما يعلم الجميع ولذلك لقب ( أبو الكيمياء ) ،

تم تكليفه برئاسة لجنة تأسيس جامعات البصرة والكوفة والموصل، وكذلك كان رئيس لجنة تأليف كتب العلوم والكيمياء في العراق وبعض الدول العربيه منذ ستينيات القرن الماضي وفي عام ١٩٧١ م حصل على لقب (أستاذ) كما كان عضواً في لجنة الكيمياء في المجمع العلمي العراقي منذ الثمانينيات وحتى وفاته.

لم ينتمِ إلى أي حزب طوال حياته بالرغم من كل الضغوط التي تعرض لها من قبل البعثيين الأراذل إذ كان يقول لهم”إنني عراقي وقد سخرت نفسي للعمل على خدمة العراق والعراقيين فإذا وجدتموني غير ذلك فأحيلوني على التقاعد”

كان يستحق بكل جدارة أن يكون رئيس جامعة بغداد أو أي جامعة في العراق، بل كان يستحق أن يكون وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي نظراً لسعة علمه وعلوّ مكانته العلمية و انتشارسمعته بمجال اختصاصه في علوم الكيمياء العضوية، عالميّاً بينما كان أبناء القرى الجُهّال الوحوش دون مستواه العلمي والثقافي قد حصلوا على أعلى الدرجات الوظيفية والامتيازات لكونهم فقط (من ذاك الصوب) رغم افتقارهم للتحصيل العلمي من دون أن نتطرّق إلى تدنّي مستواهم الاجتماعي.

ولكن كل تلك الامتيازات لم يحصل على أيّ منها الدكتور فهد علي حسين الجبوري، لعدة أسباب يعرفها الجميع كما تطرّقنا إلى بعضٍ منها آنفاً، ويا لبؤس المفارَقة إذ يُقال: لاتوجد طائفية في أيام (الزمن الجميل!!).

أحيل على التقاعد بعد حرب الخليج الثانية بالرغم من أنه كان في قمة عطائه العلمي والعملي وأصرّ على البقاء في العراق طيلة فترة الحصار الذي فرض على شعبنا العراقي نتيجة لخروج الشعب ضدّ العميل الذليل المقبور صدام حسين والذي فرضته أمريكا والدول الكبرى لكنه نتيجة لذلك قرّر أن يذهب إلى ليبيا لغرض التدريس هناك، غير أنه عاد أدراجه إلى موطنه العراق اعتزازاً بشخصه وعفته وكرامته لكون المتنفّذين الليبيين لم يجدوا له مكاناً لتعيينه، حيث قالوا له: لايوجد لك مكان إلا أن تكون وزيراً للتعليم العالي في بلدنا وهذا غير جائز في قوانيننا، فعرضوا عليه وظيفة أدنى من مستواه العلمي ممّا اضطرّه إلى مغادرتهم والعودة الى العراق.

كان رحمه الله عندما يستعرض تلك الفترة بين مُقرَّبيه يقول عنها بأنها تجربة قاسية، وانتقل البروفيسور الدكتور(فهد علي حسين المختار الجبوري) إلى جوار بارئه عام ٢٠٠٦ عن عُمر ناهز ٨٢ عاماً، دون أي مرض يذكر بينما كان يقرأ ويناقش أطروحة دكتوراه لأحد الطلبة، وكم يحزّ في النفس أنّ حكومة ما بعد التغيير عقب الإجهاز على الحكم الطائفيّ الدكتاتوريّ، لم يتمّ الالتفات إلى مثل هكذا عمالقة علمية عراقية وقامات ارتقت أعلى درجات العلم يتمنّاها العالم، لكن للأسف الشديد تمّ تجاهله وهو في قمّة عطائه من دون أن يحظى بالاهتمام الذي يليق بمكانته.

مات في الكريعات التي أحبّها وأحبته ليترك عائلة كريمة علمية عمل أفرادها في مجال التعليم فهو والد الدكتور (خالد فهد علي حسين المختار الجبوري) عميد كلية العلوم السابق والتدريسي الحالي في جامعة بغداد. رحمك الله يا دكتور فهد الجبوري وستبقى قبيلة الجبور في العالم والوطن العربي والعراق ومنطقتك الكريعات تفتخر بك الى الأبد.ستبقى تذكرك الأجيال التي تتلمذت على يدك وسيبقى أسمك عالياً في سماء المجد والعلم والخلود ، وستبقى منطقة الكريعات تفتخر بك وبعلمك وكرمك ورجولتك فأنت أبن قبيلة الجبور في العراق التي تفتخر بأنك أحد أبنائها البررة ……..

جبر شلال الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here