مقترح الاستفادة من الغاز الطبيعي لمعالجة المياه الثقيلة

مقترح الاستفادة من الغاز الطبيعي لمعالجة المياه الثقيلة

علي الابراهيمي

الغاز الطبيعي العراقي بدأ انتاجه مع النفط المصاحب في عشرينات القرن الماضي ، في حقل بابا كركر بكركوك , دون ان يكون هناك استثمار حقيقي لهذه الكمية من الثروة الطبيعية طيلة ما يقارب القرن من الزمان .

وتشكل نسبة الغاز السهل المصاحب للنفط الخام في الحقول الإنتاجية ما يقرب من 75 % من احتياط العراق الغازي , فيما تقترب كمية الحقول الحرة من 25 % . وهي احتياطيات تقترب من 111 ترليون متر مكعب من الغاز , يحرق منها العراق مئات الملايين من الأمتار المكعبة شهريا . وكلما زاد انتاج النفط الخام زاد هدر الغاز بالحرق , ليصل عام 2019 م الى ما يقارب ال 19 مليار متر مكعب سنويا . وبذلك يحرق العراق اكثر من 70 % من ثروته الغازية .

وقد وقع العراق عدة عقود لاستثمار الغاز , فشلت في تحقيق معالجة حقيقية لهذا الهدر المجنون . لاسيما مع تراجع بعض الشركات الموقعة عن تعهداتها , او عدم جدية بعض الشركات الغربية , في ظل غطاء الفساد الذي يحمي اخطاءها داخل العراق وخارجه . في الوقت الذي يستورد العراق فيه الغاز من الخارج ! . فيما تغطي الكميات المحروقة من الغاز نسبة كبيرة جداً من حاجة العراق الكهربائية , والتي تتجاوز حاجة المنطقة الجنوبية بأكملها .

ورغم تنبه لجنة النفط والطاقة النيابية الى هذا الهدر ، حيث اكدت أن العراق يحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم باحتياط الغاز، لافتة إلى حرق كمية من الغاز الطبيعي تكفي لإنتاج نصف حاجة البلاد من الطاقة الكهربائية , وانه يحرق سنويا ما يقارب 18 مليار متر مكعب من الغاز، دون الاستفادة منه في توليد الطاقة الكهربائية وغيرها من الاحتياجات الضرورية , وان الكمية المهدورة من الغاز يمكن الاستفادة منها في الكثير من المشاريع الاستثمارية الطبيعية، بالإضافة إلى ذلك إنها يمكن أن تغطي نصف احتياجات العراق من توليد الطاقة الكهربائية بدلا عن استيراده من دول المنطقة. الا انها فضلاً عن عدم قدرتها على تحريك مشاريع حقيقية لاستثمار هذه الثروة , غفلت عن الأثر البيئي السيء جداً على العراق .

ان العراق يخسر سنوياً , وفق الأسعار الراهنة للغاز في العام 2021 م , ما يتراوح بين 7 – 10 مليارات دولار سنويا . وهو بهذا المبلغ يستطيع ان يسد أي عجز في الموازنة , كما يستطيع انجاز مشاريع خدمية مبهرة .

اما استهلاك الفرد العراقي من المياه , بحسب تقرير لوزارة التخطيط نشر عام 2015 م , فيبلغ 360 لتراً يوميا , يذهب منها ما لا يقل عن 300 لتر الى مجاري الصرف الصحي . وهي كمية كبيرة في ظل تخفيض دول الجوار الشمالية والشرقية اطلاقات حصة العراق المائية الى ما يقرب من ثلث الكمية التي كانت تصل اليه . مع تجاوز درجات الحرارة والتصحر فيه , بسبب تغير المناخ العالمي غير المسبوق , او تأثيرات حتى متعمدة باستخدام أساليب حديثة , نسبة خطيرة جعلته يختلف عن العراق التاريخي المعروف . الامر الذي ساهم في انتشار الامراض التي تسببت بها الحروب المتعاقبة والأسلحة التي استخدمتها القوات الدولية .

وبذلك تكون نسبة ما يذهب الى الصرف الصحي , غير المعالج والمتسبب في الامراض والاوبئة وتخريب البيئة الطبيعية والجمالية , ما يصل الى مليار متر مكعب سنويا , في خمس محافظات فقط , هي البصرة وذي قار وميسان والمثنى وواسط . يمكن للعراق معالجة مياهها والاستفادة منها لسقي المزروعات , وانشاء الاحزمة الخضراء حول وداخل المدن , التي فاق فيها التغير الحراري المعدل العالمي لما يصل ال 4 درجات . فيما تستطيع نسبة 40 % من المساحات الخضراء , داخل وحول المدن , خفض الحرارة ما يقترب من تلك الدرجات الأربع بصورة دائمة . فضلاً عن تقليل او منع المياه الملوثة الساقطة في الأنهار والبحيرات , والمحتوية على نسب من المواد الصناعية والمعدنية السامة .

ان استخدام الغاز المصاحب للنفط الخام , والمهدور بالحرق , مناسب جداً لتوليد الحرارة اللازمة لمعالجة المياه الثقيلة القادمة من الصرف الصحي . كما ان الكهرباء اللازمة لتشغيل مكثفات البخار النقي يمكن انتاجها بسهولة ايضاً عن طريق هذا الغاز . في منطقة تكون في اقصى الحدود الصحراوية الجنوبية لمحافظة ذي قار . حيث يتم توريد الغاز من عدة محافظات اليها كمنطقة وسيطة . كما يمكن ان تلعب ذات الدور لالتقاء مجاري الصرف الصحي لتلك المحافظات الخمس . ومن ثم يتم الاستفادة من بقايا المعالجة الثقيلة في مشاريع ثانوية ساندة , مثل معالجة انخفاض خصوبة الأرض .

ويتم الزام الشركات الأجنبية المستثمرة للنفط الخام في العراق كلفة انشاء هذا المشروع بالكامل , من بنى تحتية وتكنلوجيا ومد انابيب , لسببين , تسببها بتلوث البيئة الطبيعية لجنوب العراق وانتشار الأوبئة , وحصولها على عقود غير منطقية , ثبت فساد اغلبها لصالح تلك الشركات الأجنبية , فيما تعيش المدن التي تمتص تلك الشركات ثرواتها بؤساً غير مغتفر . في حين ان الشركات الأجنبية تستلب من عائدات النفط الوطنية العراقية ما يصل احياناً الى 50 % , ولا يقل عن 30 % , دون وجود حاجة فعلية لعملها في العراق , الغني بشركاته كما يعلم الخبراء في هذا المجال . فالعراق من الدول القليلة جداً في المنطقة التي لديها شركات نفط وطنية متكاملة ومتممة لعمل بعضها , وكانت تستثمر النفط العراقي لعقود . ابتداءً من شركة الاستكشافات النفطية , شركة الحفر العراقية , شركات نفط الشمال والجنوب المنتجة , شركة خطوط الانابيب , شركات المصافي الشمالية والوسطى والجنوبية لتكرير المشتقات النفطية , شركة توزيع المنتجات النفطية , شركة المشاريع النفطية , شركة تسويق المنتجات النفطية . وهي شركات عملاقة وطنية , ذات خبرة وكفاءة عالية , لا تعاني سوى الإهمال المتعمد في بعض الأحيان . ولولا وجود حسين الشهرستاني على رأس وزارة النفط العراقية لما حظيت تلك الشركات الأجنبية بعقود سهلة في حقول منتجة أصلا , مثل حقل الرميلة الشمالي .

ومن ثم تستطيع الحكومات والادارات المركزية والمحلية العراقية التخلص من عدة مشاكل مستعصية , ومضرة بالبيئة , جملة واحدة . وهي هدر الغاز الطبيعي المصاحب للنفط العراقي , والمياه الثقيلة للصرف الصحي غير المعالج بطرق صحيحة , وتوفير ما يقرب من مليار متر مكعب سنوياً من المياه المعالجة النقية للزراعة فقط لخمسة محافظات أراضيها من اخصب الأراضي العراقية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here