عندما يفكر العرض المسرحي نيابة عنك أطلق الرصاص عليه..!

عندما يفكر العرض المسرحي نيابة عنك أطلق الرصاص عليه..!

هايل علي المذابي

تجاذبنا أطراف الحوار أنا وصديقي، بعد خروجنا من إحدى قاعات العروض المسرحية، كنا قد شاهدنا فيها عرضاً مسرحياً..
اتفقنا في بداية الحوار على تجاوز جانب فضاء العرض الذي يفتقر إلى الكثير من ضروريات العرض المسرحي، كالسينوغرافيا وأعمال الديكور وغيرها لأسباب يعرفها المخرج، رغم أن جانب السينوغرافيا يمثل نصف جمالية العرض المسرحي، وتجاوزنا هذا إنما هو من أجل أن يصير حوارنا حواراً نقدياً بناءً ملتمسا لعذر عدم الاهتمام بالمسرح عموماً وغياب الرعاية بدور العرض في معظم الدول العربية..
قلت: هذا العرض المسرحي الذي شاهدناه أستطيع إدراجه تحت إطار ما يسمى بالفن المكشوف “ثم أردفت مضيفاً”: يقول كيتس “إننا نكره (الفن) الذي يتجه إلينا بهدف واضح تماماً..”*، وآهً لو أنني أملك مسدسا لكنت صوبته تجاه كل نتاج فني مبتذل يفكر بالنيابة عن الجمهور ثم يريد منهم أن يصفقوا له بحرارة وأفرغ كل ما بداخله من رصاص عليه..
– كيف؟ وعلى أي أساس بنيت كلامك؟
– يجب على “الفنان” عندما يقدم عرضا مسرحياً أن يضع نصب عينيه أهم ما يميز فنه عن كل ما هو مبتذل واضح عند غمار العامة.. كما يجب أن يكون هناك معنىً عميقا يتربص وراء “العرض الفني” يسترق النظر إلى – المتلقي – الذي يكتشفه بفطنته ثم يميط عنه الستار، ويحاول الإجابة على كل سؤال أنتجه العرض في ذهنه، ثم ألم تسمع الشاعر والناقد البردوني حين قال:
أأفصل يا هذا خبري..؟
حسبي ومض المعنى حسبي..
هل تبحث عن ماءٍ؟ إني
من ألفٍ أبحث عن صُلبي
من ذا تدعوه؟ أخمنه
سبئياً أضحى لا يسبي
هل تملك عنه توضيحاً؟
ما قتل المعنى من دأبي”.

صديقي يسأل وقد تملكته الحيرة:
– ما الذي أبقيته من مواطن الجمال في المسرحية؟
– ليس المهم أن يبقى، بل المهم أن يكون نقدنا بناءً كما اتفقنا، ثم ألم ترَ كيف كان استخدام الممثلين لبعض القضايا اللغوية، خذ مثلاً – بطلة العرض – كانت تقول جملا جاهلةً معانيها، كما يبدو، وغاية المخرج منها هو اضحاك الجمهور فقط لمجرد الاضحاك، فكانت جملا في غير موضعها وليس لها علاقة بسياق العرض، إنه ابتذال وافلاس وحشو..
– لماذا أنت حازمٌ في حكمك حزم القاضي؟!
– إذا كنت يا عزيزي منطلقاً في سؤالك هذا من منظور “أناتول فرانس” الذي يُنكر على الناقد صفة القاضي الذي يحكم بالإدانة أو البراءة، فالناقد الأمريكي “إيفور ونترز” يجعل الحكم على “نص العرض” من العناصر المهمة في عملية النقد*..”.
ثم إن البراعة ليست في أن يعطي المؤلف قصةً ما أو يكتب مسرحية ما، ولكن البراعة هي فيما يتخللها من مواقف تحليلية ووصفية ومن حوار وآراء تتناول شئون الحياة، والفكر والمجتمع ومدى ما في هذه المواقف والآراء والأحاديث من انسجام مع سياق المسرحية وجوها وموضوعها..
صديقي وقد احتدم الحوار:
– هناك فرق بين حكم الناقد (والذي يجب أن يكون رقيقاً) وبين حكم القاضي الحازم.. فالأسس والمقاييس النقدية ليست قواعد دقيقة، و لا هي قوانين مضبوطة، خلاف القوانين التي يقيم عليها القاضي حكمه، فإن فيها دقة، ويشبه أن يكون عليها اتفاق بخلاف ما في النقد وقوانينه..
وأردف مضيفاً: يجب أن يكون موقفنا كموقف الناقد الإنجليزي “جارود” الذي يقول: “لو كان من الضروري أن يحاكم الناقد – المؤلف أو الفنان– فمن رأيي أن ينصب حكمه على ما يأتونه من خير لا على ما يرتكبونه من أخطاء، وإن أعظم النقاد هم المشرعون لا القضاة..”*..
– قد يكون ما تقوله منطقيا يا صديقي لكن عندما يفكر العرض المسرحي نيابة عنك ولا يترك على حافة ذهنك حفنةً من الأسئلة أطلق الرصاص عليه…..
هدأ الحوار بعدها لدقائق قليلة بعد أن عبرنا الشارع وما كدنا نصل إلى الضفة الأخرى، حتى استأنفنا الحوار من جديد، ولكنه كان قد أخذ منحى آخر..

هامش:
*الآراء الواردة للنقاد الغرب في النص تم استخدامها بتصرف من الكاتب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here