المجتمع العراقي.. وتناقضاته

المجتمع العراقي.. وتناقضاته

محمد جواد الميالي

تختلف مجتمعات العالم من ناحية طباع وعادات وتقاليد مواطنيها من بلد إلى آخر، فهناك عدة محددات لذلك، بعضها جغرافي، واخر يتعلق بالدين وأخر يرتبط بالبيئة، وربما حتى المنظور السياسي ونوع الحكم المسيطر على المجتمع له دور.. كل ذلك يساهم، في صنع صفات الشخوص في المجتمعات، ومدى ثقافتهم ووعيهم بالأمور.

لو أردنا أن نفهم ونفسر التناقضات، وقلة الوعي والتبعية العمياء لطبقات واسعة في مجتمعنا، ما علينا إلا أن نبحث في أحداث المائة عام الماضية، ومستوى تأثيرها علينا، أبتداءً من سقوط النظام الملكي، إلى سحل الصنم الدكتاتوري وسط بغداد، وآثار الديمقراطية العرجاء، على العملية الإنتخابية، في عراق ما بعد صدام..

الإنقلاب العسكري في العراق على يد عبد الكريم قاسم، أدخلنا في زوبعة العسكرة ونشوء المليشيات، وتنامي هذه الفكرة في عقول الشعب، حيث كان لمليشيا الأنصار التابعة للحزب الشيوعي، مواقف دموية في مداخل بغداد ومخارجها، وتعد أو تجربة لمليشيا دموية في العراق.. بعدها جاء إغتيال الزعيم والإنقلابات التي تلته ولها بُعدَها السلبي، الذي زرع الفكرة الثانية، بأن ليس للشعب دوراً في من يحكمه، فهو تابع لمن يستلم السلطة..

عندها أستلم حزب البعث الحكم، وبدأ حملت تصفيات لرؤس المقربين، ليسيطر على كافة مفاصل الحكم وينفرد بها، ويأسس بعدها إمبراطورية الطاغية صدام، الذي أباح لإبنه سبي فتيات الجامعة، وإنتهاك كل المحارم في ربوع الوطن، مما زرع ثالث الأفكار وأقواها، الخوف.. فبدأ يستشري في أعماق مجتمعنا، وأصبح من يؤمن بحقبة الدكتاتورية، لا يهوى سوى من يعامله بالعصى والسلاح، البعض الآخر طبق المثل القائل “أمشي بصف الحايط” ولم يتدخل في أي شيء، منتظراً لطفا من الباري ليرسل لهم “منقذا” يعطيهم حقوقهم، فضلا عن حريتهم..

الرحلة من سقوط الملكية مروراً بالدكتاتورية وصولاً للإسلامية بعد ٢٠٠٣، أسست لثلاث قواعد في نسيج المجتمع العراقي، أولها المليشيا المنفلتة، فلا دور للمواطن في الحكم، وآخرها الخوف وحب العصى.. هذه المنظومة الثلاثية أسست في مجتمعنا وربما سادت.. لذلك هناك اليوم إنقسام لفئات حسب تأثير الأفكار الثلاثة السابقة، فمنهم من يتبع أصحاب السلاح المنفلت، فيجد نفسه مغرما باللادولة، ويميل إلى الحرب الدائمة، والآخر لا يمكن له أن يؤمن بالديمقراطية، وأنها أساس التغيير كونه يعيش في خندق الخضوع مسلوب الإرادة، لا يفقه سوى المقاطعة.. والآخر من يسيطر عليه الخوف، وغالبيتهم من البعثيين، لم يجدوا سبيلاً للنجاة، سوى الأرتماء في أحضان الأقوى، حتى لو كان متقلب الآراء..

ما نشاهده من تناقضات حول من يقاطع ويشارك في الأنتخابات، هي نتاج تجهيل مجتمعي أستمر اكثر من مائة عام، والإنتخابات القادمة لا يمكن لها أن تحدث تغييرا جذريا، لكنها خطوة للعشرين عام القادمة، التي من شأنها أن تكون ذات تأثير إيجابي في ظل المناخ الديمقراطي المتصاعد حالياً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here