المسوغات القانونيه لعلوية معاهدات ومواثيق حقوق الانسان على القانون الدستوري للدوله

المسوغات القانونيه لعلوية معاهدات ومواثيق حقوق الانسان على القانون الدستوري للدوله

بقلم
الدكتور جلال الزبيدي
أستاذ بالقانون العام

من الإشكاليات الجديه والجدليه التي تثار في فقه القانون الدولي وكذلك في القانون الدستوري الدولي المعاصر. هو مدى سمو المعاهدات والمواثيق الخاصه بحقوق الانسان على القانون الداخلي للدوله. كما لا يخفى على احد إن (الدستور) هو جزء من تلك المنظومه الحقوقيه الداخليه للدوله. كما لا يمكن ان ننكر التراجع المنظم لمفهوم السياده الدستوريه في العديد من الدول وانتقال قواعد القانون الدولي من كونها كانت قواعد قانونيه غير الزاميه الى اقرب لمفهوم (القواعد القانونيه الأمره)والتي لا يجوز مخالفة احكامها لانها تتعلق بكيان الدوله والمجتمع والحقوق الاساسيه للمواطن مثل:قواعد تحريم القتل.. والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان ومساواة الكافه امام القانون والافلات من العقاب.. نجد ان هناك عدة اتجاهات واجتهادات دستوريه في مدى أولوية مواثيق حقوق الإنسان. حيث نجد الكثير من الدساتير ذات المنحى الديمقراطي التزمت بتحويل الأبعاد القانونيه لمعاهدات ومواثيق حقوق الإنسان الدوليه وضمها إلى قانونها الداخلي وتوثيقها دستوريآ. واتجاه اخر اعتبرتها مرشدآ حقوقيآ وعنوانآ سياسيآ لبرنامجه الحكومي..؟
وهكذا نجد أن الكثير من الدول بعد ان قامت بالتوقيع على هذه المعاهدات الخاصه بحقوق الإنسان اصبحت هذه الحقوق جزء لا يتجزأ من نظامها القانوني مما يفرض عليها بتكييف وتعديل تشريعاتها الدستوريه والقانونيه بما تتضمنه هذه المواثيق الدوليه من احكام قانونيه.. وعلى ضوء ذلك نقرأ في الكثير من الدساتير بالعالم قواعد دستوريه تدعو لحماية حقوق الإنسان وتوفير الضمانات القانونية لممارستها عمليآ.
وهكذا نجد انه في ظل غياب الدوله المؤسساتيه يلعب المجتمع الدولي دورآ متصاعدآ في توفير البديل والغطاء التشريعي لتكريس قيم حقوق الانسان وتوفير ملاذات امنه لحرياته ولحياته.
ولذا نجد ان المعاهدات والمواثيق الدوليه لحقوق الانسان تشكل إحدى اهم المرجعيات والمصادر الاساسيه للقانون الدولي.. وان مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي هو احد اهم احكام محكمة العدل الدوليه الدائمه في قرارها المؤرخ في4 شباط 1932والذي اعلنت فيه(( انه لايمكن لاي دوله ان تتذرع بنصوص دستورها لتفادي تطبيق الالتزامات المفروضه عليها بمقتضى المعاهدات والاتفاقيات الدوليه))..كما ان أتفاقيه فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 أشارت في الماده 27 من الاتفاقيه المذكوره((بأنه لا يجوز لأي طرف في معاهده معاهده دوليه ان يحتج بنصوص قانونه الداخلي
كمبرر لأخفاقه في تنفيذ المعاهدات الدوليه)).. كما ان الماده 46 من اتفاقية فينا المشار إليها اعلاه اشارت((انه ليس للدوله ان تحتج بأن التعبير عن رضاها بالمعاهدات الدوليه قد تم بالمخالفه لحكم في قانونها الداخلي كسبب لابطال هذا الرضا للالتزام بالمعاهده))..؟
وعلى ضوء ماتقدم نجد ان اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969وعام 1986 جاءت لتؤسس لألزاميه المعاهدات الدوليه وسموها على القانون الداخلي خاصة وان (الدستور) يعتبر أسمى القوانين الداخليه للدوله.. عمومآ وهنا نعود للتذكير بان القضاء الدولي ايضآ اعتبر المعاهدات والمواثيق الخاصه بحقوق الانسان اكثر علوية من القانون الداخلي بما فيها الدستور الوطني للدوله.حيث استقرت الكثير من احكام المحاكم الدوليه إلى تحميل المسؤوليه الدوليه للدول وذلك في حالة اخلالها او انتهاكها لقواعد القانون الدولي او تهربها من تنفيذ التزاماتها التي كرستها المعاهدات الدوليه والتي كانت طرفآ فيها وموقعه عليها. وهنا لا يجوز الاحتجاج بتشريعاتها الداخليه للتهرب من تنفيذ التزاماتها الدوليه. وفي حالة التنازع يقرر القضاء الدولي سمو المعاهدات الدوليه على قانونها الداخلي.. وتتحمل الدوله مسؤوليتها في حالة الاخلال بهذه القاعده القضائيه ودفع (تعويض)
مناسب لان قضاء محكمة العدل الدوليه هو (قضاء تعويض وليس قضاء إلغاء)..كما لا يفوتني التذكير ايضآ ان الكثير من الدول الاوروبيه كرست في دساتيرها وليس فقط في قضائها مبدأ علوية المعاهدات الدوليه الانسانيه ومبدأ خضوع القوانين الداخليه للدوله لاشتراطات وأملاءات القانون الدولي وهذا ما ورد في الدستور الفرنسي لعام1946 وكذلك المانيا اشارت في دستورها لهذا السمو القانوني.. كما ان القضاء الاردني جعل للمعاهدات الدوليه مرتبه علويه على القانون الداخلي في الكثير من احكامه.. كما يجب ان لاننسى ان مبدأ سيادة القانون الدولي اصبح يشكل منهجآ قضائيآ عامآ في محاكم التحكيم الدولي..
عمومآ يجب القول هنا ان الدستور الوطني لاي دوله لا يمكن ان يصلح ويكون سندآ قانونيآ امام القضاء الدولي لتبرير سلوك يتميز بالطائفيه او العنصريه او الشوفينيه او التفرقه الاجتماعيه..؟
وعندما نعود للحديث عن المشرع العراقي نجد ان الماده 8 من الدستور العراقي النافذ اكدت على احترام العراق لالتزاماته الدوليه بمقتضى المعاهدات التي يكون فيها طرفآ. والعراق اوجب المصادقه على المعاهدات كي تصبح جزءآ من قانونه الداخلي اذ نصت الماده 61 الفقره الرابعه ان مجلس النواب يختص(( بتنظيم عمليه المصادقه على المعاهدات والاتفاقيات الدوليه بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب)) وهذا يعني ان المعاهدات الدوليه بالعراق تكتسب صفة التشريع الداخلي بموجب قانون يصدر من مجلس النواب.كما أشارت الماده 73 من الدستور انه((يتولى رئيس الجمهوريه الَمصادقه على المعاهدات والاتفاقيات الدوليه بعد موافقة مجلس النواب وتعد مصادقآ عليها بعد مرور 15يومآ من تسلمها)) بمعنى ان رئيس الجمهوريه ليس لديه حق الاعتراض على الاتفاقيات والمعاهدات الدوليه وسكوته هنا وبعد مرور 15 يومآ من تاريخ تسلمه يعد من قبل التصديق الضمني على المعاهدات والاتفاقيات الدوليه
.. وأخيرآ من حق البعض ان يتساءل ان هذه الاتجاهات لعلوية الاتفاقيات والمواثيق الدوليه تؤدي إلى انتهاك السياده الدستوريه للدوله الوطنيه.. ويمكننا الاجابه على هذه التساؤولات في دراسه خاصة لاحقآ.. بأذن الله.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here