ردا على الدكتور علي المؤمن: 

أحمد الكاتب:
اللامذهبية.. مستقبل الأمة الاسلامية، وهي حقيقة تشق طريقها للحياة وليست خرافة
https://www.youtube.com/watch?v=wV35uNyVVw8

  اصدر الدكتور المصري الراحل مصطفى الشكعة عام ١٩٧١ كتابا تحت عنوان: (اسلام بلا مذاهب) وقد طبع منذ ذلك الحين أكثر من عشرين طبعة، مما يشير الى مدى التأثير الذي تركه في الثقافة الإسلامية، والى أهمية  الدعوة الى تجاوز المذهبية والاجتهاد وانتهاج (اللامذهبية) وقد أثارت هذه الدعوة عاصفة من النقاش والحوار بين المسلمين خلال نصف القرن الماضي بين مؤيد ومعارض، وكان من المعارضين لفكرة (اسلام بلا مذاهب) أخيرا الدكتور العراقي علي المؤمن وهو باحث عراقي من النجف الأشرف، متخصص في الفكر السياسي المعاصر والشأن العراقي والجماعات الاسلامية. حاصل على الدكتوراه في القانون الدستوري.  وقد كتب في موقع براثا بتاريخ ١١ أيلول ٢٠٢١ ما يلي تحت  هذا العنوان: (خرافة إسلام بلا مذاهب)

 وقال:” وجود المذاهب والفرق والطوائف في الأديان والعقائد أمر بديهي ومتجذر في الواقع الإنساني، ولايمكن تجاوزه وتجنبه وتجاهله؛ بل لاينفع أي جهد لمحاربته ومقاومته إطلاقاً وبالتالي؛ فإن الحديث عن إلغاء المذاهب والطوائف أو توحيدها أو الرجوع الى أصول الإسلام دون مذاهب؛ إنما هو حديث خيالي وطوباوي. وحتى من يريد، بحسن نية، العودة الى الأصول مباشرة، دون المرور بالمذاهب؛ فستكون له، إلزاماً، قراءته الخاصة واجتهاده المستقل، وسيتحول بمرور الزمن الى مذهب جديد، ثم الى طائفة جديدة.  

 

وكتبت  أقول:

اللامذهبية: فتح باب الاجتهاد

 

مضى على مشروع (الحوار بين المذاهب) عقود طويلة، عقدت خلالها الكثير من المؤتمرات والندوات، وألف الكثير من الكتب، ولا تزال الطوائف على حالها، إن لم تتكرس الطائفية بصورة أسوأ من ذي قبل، حيث نرى بين فترة وأخرى بعض المشايخ من هذه الطائفة وهم يشنون حملات إعلامية ضد الطائفة الأخرى ويعيدون الأمور الى نقطة الصفر وكأنهم لم يتحاوروا ولم يحلوا أية مشكلة، ورغم الاجتماعات المتكررة بين شيوخ الطوائف إلا أننا لم نسمع منهم أي بيان مشترك يضع النقاط على الحروف، ويقدم تصورا  فكريا وفقهيا وسياسيا موحدا يقضي على المشاكل الطائفية العالقة، ويوحد المسلمين حقيقة في بوتقة واحدة .

ويبدو أنه لا ينبغي أن نتوقع ذلك منهم في الأمد القريب وحتى البعيد، لأن معظم المشايخ يرتبطون بدول  وحكومات لها هويات طائفية وتستخدم الفكر الطائفي في تعبئة شعوبها وتكريس سلطتها على الناس، أو يعاني كثير منهم من مشكلة التقليد الأعمى والتبعية للعواطف الجماهيرية المتخلفة، وبالتالي لا نتوقع منهم النجاح في حل العقدة الطائفية في المستقبل.

وفي الحقيقة إن المشايخ عجزوا عن حل العقد المذهبية داخل كل طائفة، ورفض بعضهم مجرد التفكير بتجاوز المذاهب أو التخلي عنها وتوحيد الطائفة الواحدة المتشرذمة بين عدد من  المذاهب. فكيف يستطيع هؤلاء أن يرأبوا صدعا عمره مئات السنين؟

ولكن عجز المشايخ عن الحوار الجدي بين الشيعة والسُنَّة وتوحيد المسلمين، لا ينبغي أن يدفعنا الى اليأس، فهناك حل آخر أكثر جدوى، وهو يأخذ طريقه الى الواقع فعلاً، وإنْ  كان يواجه عقبات وصعوبات إلا أنه يشق طريقه بثبات ويحقق تقدما على الأرض، خاصة مع وسائل الإتصال الحديثة من إذاعات وفضائيات وإنترنت. 

وذلك الحل هو “اللامذهبية” وهو يعني التحرر من الطوائف ومن يقف وراءها من الحكام والانظمة السياسية، والمؤسسات الدينية المهيمنة، وشيوخ الطوائف.

الخيار “اللامذهبي” هو أن يقول كل واحد من المسلمين: ” أنا مسلم” (فقط).. لا سُنّي ولا شيعي.. ولا حنفي، ولا حنبلي، ولا شافعي، ولا مالكي، ولا زيدي، ولا إسماعيلي، ولا إثنا عشري. 

وهو قرار شعبي فردي لا يرتبط بحكومة ولا بمرجعية دينية طائفية.  

وهذا الخيار يقوم على حرية الاجتهاد والنظر والتفكير في أمور الخلافات الطائفية الفكرية والسياسية والفقهية والتاريخية، بعيداً عن التعصب الأعمى والتقليد للآباء والمجتمعات، والتبعية للدول الطائفية.. والتسلح بالوعي العام والانفتاح الثقافي والقدرة على البحث والحوار والتمييز.

هذا على المستوى الشخصي والاجتماعي، وأما على مستوى الدولة، فيمكن تحقيق “اللامذهبية” بعدم تبني الدولة لمذهب معين، وإيكال عملية التشريع إلى مجلس النواب، أو الى لجنة مختلطة من الفقهاء، وعدم الاقتصار على  فقهاء مذهب واحد، ولا سيما في القوانين الحديثة التي تتطلب تظافر الجهود والعمل القانوني المشترك، أو التلفيق بين المذاهب.

وبما أن الحق يوجد في الاسلام، والاسلام مشترك بين جميع الطوائف، فإن الخلاف يكمن في الاجتهادات الفكرية والفقهية والسياسية الطائفية، وهي اجتهادات بشرية قابلة للصواب والخطأ، ومن هنا فلا توجد طائفة تمتلك الحق المطلق أو تكون على الباطل المطلق. 

وإذا تركنا الناس أحرارا فانهم سوف يقرأون ويبحثون ويتحاورون ويتعرفون على الحق من الباطل، فيقتربوا من الأقرب للصواب ويبتعدوا من الآراء غير المعقولة أو الخرافية والأسطورية والأحكام المنافية للقرآن والعقل والعلم، والتي توجد في هذا المذهب أو ذاك. 

واذا كان المثقفون غير المتخصصين بمباحث الخلاف الطائفي غير قادرين على الاجتهاد الكامل المطلق في أمور العقيدة والفكر والفقه، فانهم قادرون بالطبع على ممارسة الاجتهاد النسبي في قضايا الخلاف الرئيسية التي يتفق جميع المذاهب على حرمة التقليد فيها.

وإذا كانت الطائفية وجهاً من وجوه التعصب، وثمرة للانغلاق الفكري والجهل والتخلف، فان اللامذهبية تعني البحث عن الحق أينما كان، والحرية الفكرية وعدم التقليد. ولئن كان معظم الناس يعيشون في مستويات دنيا من الثقافة والعلم والقدرة على البحث والتمييز بين الحق والباطل، فان الانسان المؤمن يمكنه التعرف على الحق من خلال الاستماع الى المتحاورين المختلفين والتفكير بموضوعية وحياد فيما يقوله الطرفان، كما يصف الله تعالى المؤمنين “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه”. 

وعندما تتسع ظاهرة اللامذهبية وتصبح تيارا قويا في المجتمع فانها سوف تحطم الحواجز الطائفية وتخفف من التعصب الأعمى في كل مجتمع طائفي، وتقرب  المؤمنين بعضهم الى بعض.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here