مقترح قانون الحق في تخليد الذكرى

مقترح قانون الحق في تخليد الذكرى

يوسف بن مير، إميلي أوكسن، وكريستين أودونوغو
إن طبيعة البشر تقتضي تخليد ذكرى السلف حتى يحيط بها الخلف من بعدهم. هناك غريزة فطرية تدفعنا لترك إرث أو دليل ملموس على تواجدنا، رموز تدوم لفترة تتجاوز عمرنا على هذه البسيطة. هي نفس الرغبة التي تملأ مجموعات من الأفراد الذين يملكون هوية مشتركة أملًا في حصد اعتراف التاريخ بهم. ولقد ضاعت عدة تجارب بشرية وإنجازات وتاريخ إنساني في طيات الزمن، أحيانًا بشكل منهجي نظرًا لعدم المساواة المؤسسية، وأحيانًا أخرى إثر أحداث مأساوية، نتيجة لا مفر منها في كثير من الأحيان.

وبالموازاة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجب وضع قانون تنظيمي، في صيغة مقال جديد، يؤكد ويضمن حق الجماعات والأقليات في أن تخلد ذكراها تفاديًا لدفن وفتور حقبهم من خط زمن المجتمع. وتنص بنود الإعلان الثلاثين على حق كل فرد في التمتع بحريات شخصية وتعاونية معينة، يتحتم على الجميع حمايتها واحترامها. ومع ذلك، فإن حق الاعتراف بالأفراد والثقافات، قبل وبعد رحيلهم، وحق حبك وسرد رواياتهم كأفراد أو مجموعات مستقلة يظل غائبًا.

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن هذا الحق، بطريقة أو بأخرى، هو قمة جميع الحقوق، فهو بادرة غير أنانية للاعتراف بوجود كل شخص وتوفير معلومات لفائدة أولئك الذين يأتون من بعد لتعزيز مُضي وتطور البشرية المتواصل قُدمًا. بناء على كل ذلك، ينبغي إضافة هذه المادة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالصيغة التالية:

“يحق لجميع الأفراد والأشخاص الذين يملكون هوية مشتركة أن يتم تخليد ذكراهم، وحماية تراثهم الثقافي والحفاظ عليه، والتمتع بالاستقلالية فيما يتعلق بصون تجربتهم الجماعية، وتحفهم الثقافية، وتاريخهم الشفوي والمكتوب.”

وتقترح عيادة القانون الدولي لحقوق الإنسان في بيركلي تبني الحق في الهوية “الذي يحمي السمات الشخصية والعلاقات الاجتماعية المهمة والمعروفة للفرد”. إضافة إلى ذلك، في ورقة تناقش تطور مراحل اعتماد هذا الحق، تم التأكيد على أن “حق الإنسان الذي هو ‘مجرد تكرار’ لمضمون باقي الحقوق القائمة سلفا لا يرقى لمستوى التدوين”. غير أن المادة التي نسعى إلى تقنينها ستعزز الحقوق القائمة وتحول دون انقراض شعوب أو اضمحلال ثقافتها.

تندرج المتاحف تحت قائمة أهم مصادر الحفاظ على هذا الإرث الثقافي ونشر الوعي بين مختلف الشعوب والمجتمعات. لكن المتاحف الغربية لها تاريخ يشهد باغتصاب ونهب ثقافات الأقلية من جميع أنحاء العالم. وفي حين أن المتاحف تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز مكانة وقدر مختلف الشعوب، فقد استحوذت العديد من المتاحف على قطع أثرية ثقافية مرورًا بقنوات الاستغلال والاستعمار والإمبريالية.

ويذكرنا الباحث دان هيكس في كتابه “المتاحف الهمجية” (The Brutish Museums) أن الظلم ليس حدثًا ينفرد به ماضي البشرية، ولكنه واقع مستمر مع مرور الزمن، لن يتم تصحيحه وتداركه إلا من خلال إعادة كتابة التواريخ من وجهة نظر الفئات الخاسرة، و”القضية المستعجلة هي مراجعة واستعادة الثقافات الأفريقية … حيث سيقوم المتحف بتفكيك، وإعادة توظيف، وتفريق، وإرجاع، وإعادة تخيل، وإعادة بناء هذا الموروث بشكل مختلف”(14). يجب أن لا نغفل عن قيمة المتاحف وقدرتها الفريدة على إيواء هذه العناصر، مع مراعاة رفض خوصصة الموروث والتاريخ المقدس لمجموعة الأقليات. ووفق ما نص عليه إعلان 2004 بشأن أهمية وقيمة المتاحف العالمية، فإن “المتاحف عوامل أساسية تساهم في تطور الثقافات، وتتمثل مهمتها في ترسيخ مصادر المعرفة من خلال عملية إعادة تفسير الموروث التاريخي باستمرار”.

ومن خصائص بعض المجموعات أيضًا أنها تميل إلى تحديد مواقع محددة كرموز للأيديولوجيات وتخليدًا لذكرى مختلف التجارب المتراكمة، وتشكل “مناظر طبيعية ثقافية” تعمل كأدوات أساسية ينبني عليها فهم التاريخ الجماعي لشعوب معينة. معظم هذه المواقع هي أماكن مرتبطة بأحاسيس وعواطف مشتركة، مثل ساحات المعارك أو المعالم الأثرية التي تخلد لحظات شاهدة على نشأة شعوب مضت. فضلًا عن ذلك، فهي تعزز الهوية وتخلق شعورًا بالانتماء والوحدة والصمود. ومع ذلك، نجد أن المناظر الطبيعية الثقافية غالبًا ما يتم تمويلها من قبل الحكومات أو المؤسسات التي تقرر وتفرض الطرق التي علينا أن نتذكر بها بعض الأشخاص والأحداث.

إن الذاكرة جزء أساسي من التجربة الإنسانية لأنها أصل التراث والثقافة وسر الحفاظ عليهما. لكن من الواضح أن إنشاء الذاكرة والتاريخ عمليات معقدة ومدروسة. فهي لعبة سياسية بشكل لا يمكن عزلها عن الحيز الاجتماعي والاقتصادي للشعوب، حيث تملك المجموعات المسيطرة الموارد والآليات التي تخول لها سرد روايات التاريخ على هواها.

لذا، فمن شأن وضع قانون ينظم ويضمن الحق في تخليد الذكرى أن يمنح المجموعات المهمشة القدرة على سرد الرواية الأصلية من تاريخها بدلاً من تلك المصممة للحفاظ على اتزان التسلسل الهرمي. وهذا الأمر كفيل بتفكيك أنظمة الهيمنة العالمية التي تسكت أفواه الناس عن طريق تفريق الأيديولوجيات السائدة القائمة على العنصرية والسلطة الأبوية. يجب أن ندعم أصوات أولئك الذين أسكتهم جور التاريخ، أو المنسيون منهم، بل وحتى الذين رحلوا عن هذا العالم. وتحقيقًا منا لقيم العدالة، يستحق كل الناس الاحتفال بأفراحهم، والحزن على مآسيهم الجماعية، وتذكر إرثهم الثقافي.

الدكتور يوسف بن مير، رئيس مؤسسة الأطلس الكبير، رئيس فرع برنامج نشاط الأقليات الدينية والعرقية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في المغرب. إميلي أوكسن وكريستين أودونوغو، طالبان في جامعة فيرجينيا ومتدربان في مؤسسة الأطلس الكبير.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here