المنطق الاجتماعي لعنف الاحتجاجات في العراق: تفسير الديناميكيات المتباينة في جنوب شرق البلاد

المنطق الاجتماعي لعنف الاحتجاجات في العراق:
تفسير الديناميكيات المتباينة في جنوب شرق البلاد
تأليف: د. بينيديكت روبن- ديكروز (*)
إعداد وترجمة  محمد توفيق علي
صدر عن مركز الشرق الأوسط في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن، المملكة المتحدة، التقرير الموسوم أعلاه والمرقم 53 ضمن سلسلة اصداراته وبتاريخ تموز2021. يقع التقرير في 40 صفحة ويتضمن الفصول التالية: الموجز ونبذة عن المؤلف ونبذة عن برنامج أبحاث النزاع، المقدمة، الملخص التنفيذي بالإنجليزية وبالعربية، ماذا تظهر البيانات؟، الأشكال البيانية والجداول، العنف والتكتيكات والاستراتيجيات الموجهة ضد المتظاهرين، شرح اضافي لديناميكيات العنف: المنطق الاجتماعي المحلي وسياسة القطاع الأمني، دراسة حالة مصغرة: حملة اغتيالات آب (أغسطس) 2020 في البصرة، الاستنتاجات، برنامج أبحاث النزاع – لائحة بعناوين ابحاث عن العراق.
الموجز
شهد جنوب شرق العراق أعمال عنف احتجاجية كبيرة في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن طبيعة هذا العنف، وتأثيراته في تشكيل ديناميكيات الاحتجاج، تختلف اختلافا كبيرا بين المحافظات، وعند مقارنة مراحل مختلفة من التعبئة مع مرور الوقت. وبالتالي، فان العوامل المتكررة على المستوى الكلي (على سبيل المثال، انهيار في العقد الاجتماعي بين النخبة والمواطن، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية المتفاوتة، وسوء الخدمات العامة، والفساد المستشري وما إلى ذلك) توفر فقط تفسيرا جزئيا لديناميكيات العنف ولا يمكن أن تأخذ بالحسبان التفاوتات الجغرافية والزمنية. وعلى النقيض من ذلك، فإن هذا البحث يقدّم نظرة دقيقة وعلى الصعيد الميداني عن العنف في الاحتجاجات عن طريق الاعتماد على مزيج من تحليل لأحداث الاحتجاج وقاعدة بيانات مستمدة من مقابلات. ويُستخدم هذا الأمر لإظهار كيف تلتقي الظروف البنيوية الأوسع مدى والسياسات على المستوى الوطني مع بنى محلية أكثر لإنتاج المنطق الاجتماعي المتميز الذي يحكم تطبيق عنف الاحتجاجات وتأثيراته، في اماكن محددة. النتيجة الرئيسية لهذا البحث هي أن التدخل الفعال لتغيير ديناميكيات العنف حول الاحتجاجات في العراق يعتمد على الوصول إلى أشكال محلية ومنتشرة من السلطة. وبالتالي، فان اللاعبين السياسيين من النخبة القادرين على النفاذ الى هذه المجالات المحلية هم الذين ينظمون ديناميكيات العنف.
وفي ما يلي اقتباسي لما تضمنه التقرير في الصفحات 8 الى 9:
الملخص التنفيذي
منذ اندلاع المظاهرات الفوضوية في البصرة خلال صيف 2018، أصبح الاحتجاج في العراق خطيرا ومحفوفاً بالعنف. وشهد الجنوب الشرقي – وخاصة بؤر الاحتجاج في البصرة وذي قار – بعض أعلى مستويات العنف في الاحتجاجات. ومع ذلك فإن طبيعة هذا العنف و تأثيره على تشكيل ديناميكيات الاحتجاج قد اختلفت بشكل كبير من محافظة إلى أخرى، وكذلك عند مقارنة مراحل التعبئة المختلفة بمرور الوقت. وبناء على ذلك، فإن العوامل على المستوى الكلي التي يتم الاستشهاد بها بشكل متكرر (على سبيل المثال: انهيار العقد الاجتماعي بين النخبة والمواطنين، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية غير المتكافئة، وسوء الخدمات العامة، والفساد المستشري …الخ) تقدم فقط تفسيرا جزئياً لديناميكيات العنف ولا يمكنها أن تفسر التفاوتات الزمنية والجغرافية.
وعلى النقيض من ذلك، تقدم هذه الورقة نظرة دقيقة على الصعيد الميداني للعنف في الاحتجاجات من خلال الاعتماد على قاعدة بيانات فريدة من عدة آلاف من حالات الاحتجاج ومن حوادث العنف المرتبطة بالاحتجاجات، وجمع هذه البيانات مع مقابلات مستهدفة مع نشطاء ومراقبين مطلعين. وتحدد هذه الورقة العوامل المحلية التي تشكل ديناميكيات العنف، بما في ذلك التكوين الاجتماعي والديموغرافي وتنظيم مجموعات الاحتجاج، وشبكات التأثير المترابطة التي تمتد عبر البنى السياسية وشبه العسكرية والأمنية، والظهور المتفاوت لتشكيلات اجتماعية مُحسّنة محتملة (على سبيل المثال، القبلية) من بين أمور أخرى. أخيراً، تشرح هذه الورقة كيف تتفاعل هذه البنى المحلية وتتقاطع مع الظروف البنيوية الأوسع والسياسات على المستوى الوطني لإنتاج منطق اجتماعي متميز يحكم تطبيق العنف الاحتجاجي وتأثيراته في مناطق محددة.
ومن أحد النتائج الرئيسية لهذه الورقة، أن انتشار السلطة داخل هذه البنى المحلية يُفضل الاطراف السياسية التي لا تجتاز الحدود النظرية بين الدولة العراقية والمجتمع المدني، بل و أيضاً يتوسطون المسافة بين التشكيلات الاجتماعية المعقدة للسلطة، على مستوى المحافظة والقضاء أو حتى على مستوى الحي، ومجال السياسة النخبوية. ولذلك عندما يتعلق الأمر بتنظيم العنف في الاحتجاجات، فإن ما يسمى بعمليات التحكم تنتشر محليا، وتكون الاطراف السياسية القادرة على سد الفجوة بين القيادة والسيطرة والمنطق الاجتماعي المحلي للعنف هي الأفضل للتأثير على الديناميكيات. (1)
توضح الحالات العملية التي نوقشت في هذه الورقة هذا التباين. على الرغم من التحليلات التي تركز على جهود رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لكبح جماح العنف ضد الاحتجاجات من خلال سلسلة مستمرة من التعيينات لمناصب النخبة في قطاع الأمن – على المستويين الوطني والإقليمي – فإن البيانات المقدمة هنا لا تقدم دليلا على أن هذا أثّر على ديناميكيات العنف فيما يتعلق بالاحتجاجات. والسبب الرئيسي لذلك هو افتقار رئيس الوزراء للسلطة في الأمور الهامة فعلاً، أي مكان انتشار إجراءات التحكم محلياً. في الواقع، وفي بعض الحالات، اختار الكاظمي تعيين قادة أمنيين يفتقرون إلى الروابط المحلية، على أمل أن يؤدي ذلك إلى زيادة استقلاليتهم ومصداقيتهم مقابل السيطرة المركزية. ومع ذلك، يمكن أن يعيق هذا رئيس الوزراء بدلاً من مساعدته في بسط سلطته إلى قواعد السلطة المحلية. (2)
وعلى النقيض من ذلك، أثبتت جماعة مثل الصدريين أنها أكثر فاعلية في تنظيم العنف في الاحتجاجات في الجنوب الشرقي. وهذا ليس مجرد دور للقدرة القسرية، ولكن، الأهم من ذلك، لقوة التيار المنتشرة على المستوى المحلي. وبالإضافة الى ذلك، فإن وساطة هذه القوة المحلية مع القيادة الصدرية تعمل عادة من خلال علاقات شخصية للغاية بعيدة لدرجة أو درجتين فقط ،أي من خلال وضع التمثيل الشخصي على مستوى المحافظات والذي يعمل بمثابة ”وسيط عائم” يجمع بين أشكال متنوعة من القوة القسرية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. (3)
وبالتالي، من منظور السياسة، فإن توقع أن الإصلاح – وخاصة التقدم نحو المساءلة عن العنف ضد الاحتجاج – هو عملية تجري بشكل حاسم من خلال مكتب رئيس الوزراء وصراعه من أجل النفوذ على جهاز الأمن في العراق كان في غير محله. كان هذا واضحاً في الانفصال بين النقاشات المحتدمة التي أحاطت بكل محاولة من قبل رئيس الوزراء والسلطات العراقية لاعتقال رجال الميليشيات المسؤولين عن قتل المتظاهرين، والصمت النسبي تجاه الحقيقة الأكثر بروزاً وهي أن إدارة الكاظمي (والبقاء السياسي للكاظمي نفسه) قد وقع إلى حد ما رهينة لسلطة الطرف المضاد للاحتجاج، الأكثر فاعلية وعنفاً في احيان كثيرة، في العراق، وهو التيار الصدري. (4) ويبدو أن هذا الانفصال يعكس تشخيصاً خاطئاً للسلطة – أين تكمن، وكيف تعمل، ومن يمكنه استخدامها – من غير المرجح أن يوفر أساساً سليماً للتفكير الاستراتيجي الذي يهدف إلى رسم مسار للعراق للخروج من عنف الاحتجاجات والقمع المزعزع للاستقرار.
———————————————
الهوامش:
(1) يعتمد هذا على المفهوم الذي استخدمه ستانيلاند، والذي يتم تفسيره هنا على أنه يشير إلى تلك المؤسسات والتشكيلات والعمليات الاجتماعية التي تنقل السلطة وتتوسطها، وبالتالي تنظيم كيف يترجم التحكم الاستراتيجي الى فعل ضمن منطقة معينة.
للمزيد،
Paul Staniland, Networks of Rebellion: Explaining Insurgent Cohesion and Collapse (New York: Cornell University Press, 2014).
(2) أحد الأمثلة الحديثة على هذه المعضلة كان محاولة اعتقال عضو عصائب أهل الحق صباح الوافي (رئيس اللجنة الاقتصادية للعصائب في البصرة) في البصرة في 12 مايو / أيار 2021 من قبل خلية الصقور المرسلة من بغداد. نتج عن الاعتقال قيام ميليشيات عصائب أهل الحق بتعبئة ومهاجمة مكاتب خلية صقور البصرة في مجمع القصور الرئاسية بالبصرة بالأسلحة الخفيفة. وتم نزع فتيل التصعيد بتدخل قائد عمليات البصرة اللواء أكرم صدام مدنف، الذي حول المواجهة المسلحة بين قوات الأمن العراقية وميليشيا قوات الأمن العراقية إلى نزاع قبلي تم حله عن طريق العطوة (الهدنة القبلية)، مما أدى في النهاية إلى فشل مهمة الاعتقال. لهذا السبب، أقال رئيس الوزراء مدنف واستبدله باللواء علي الماجدي. من المحتمل أن عدم لفت الأنظار الى الماجدي في البصرة، والاستقلال المفترض عن قواعد السلطة المحلية في المحافظة، كانا سببان في قرار الكاظمي بتعيينه. ومع ذلك، لا يزال من غير المحتمل للغاية في ظل الظروف نفسها التي واجهها مدنف في 12 مايو/أيار، أن يخاطر الماجدي بتصعيد النزاع المسلح بين قوى الأمن الداخلي وقوات الحشد الشعبي أو الميليشيات في البصرة، مما يعني أن اللجوء إلى بنى الوساطة المحلية (على سبيل المثال: القبلية) سيبقى ضرورياً.
(3) الممثل الشخصي الحالي لمقتدى الصدر في البصرة هو رجل الدين حازم الأعرجي.
(4) يستند هذا إلى كل من الملاحظة الواقعية لاستخدام التيار الصدري للترهيب والعنف في منعطفات حاسمة لقمع “حركة أكتوبر/ تشرين الأول”، بالإضافة إلى المقابلات والمناقشات مع النشطاء أنفسهم الذين اشاروا الى الصدريين في كثير من الأحيان على أنهم أقوى قوة للاحتجاج المضاد.
———————————
(*) د. بينيديكت روبن- ديكروز حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة إدنبرة في العام 2020 وهو حاليا زميل ما بعد الدكتوراه في مشروع “جلب الإسلاميين الآخرين” في جامعة آرهوس قسم العلوم السياسية. وهو متخصص في السياسة العراقية، التيار الصدري العراقي والحركات الإسلامية الشيعية، وسياسة الاحتجاجات في العراق. وهو أيضا زميل زائر في مركز الشرق الأوسط في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن، حيث يجري أبحاثا حول احتجاج البصرة السياسة لبرنامج “بحوث النزاع” في المركز. ظهرت منشوراته عن الحركة الصدرية في المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط ، وفي “ريفو دي مونديس موسولمانز و لا ميدتررانيه” و”بومبيس”. وكتب عن الصدريين واحتجاج العراق السياسة للعديد من مراكز الدراسات والمنافذ الاعلامية، بما في ذلك “تشاتام هاوس” ومعهد بحوث السياسة الخارجية وصحيفة واشنطن بوست.
ولمزيد من المعلومات ولقراءة النص الكامل بالإنجليزية يمكن النقر على الرابط المدون أدناه.
http://eprints.lse.ac.uk/id/eprint/111784

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close