العنف الأسري يثير حفيظة رواد التواصل الاجتماعي ومطالبات بإقرار القانون الخاص بالظاهرة

بغداد/ حسين حاتم

بلغت ظاهرة العنف الاسري مراحل خطيرة ودموية لا تقتصر على الضرب فقط، في ظل انعدام القوانين الرادعة لها، إذ اثار مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر مشاهد تعذيب وحشية لطفل عراقي مقيد بسلاسل مربوطة بالجدار، وهو يتعرض للضرب المبرح والتعذيب من قبل والده، بينما تسيل الدماء منه وتغطي وجهه، ردود أفعال غاضبة واستهجانا جماهيريا.

وعلى إثر انتشار مقطع الفيديو، وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بتنفيذ الاجراءات القانونية، واحتجاز المواطن الذي ظهر في مقطع فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يمارس العنف ضد أحد أبنائه كما ورد في بيان مكتب الكاظمي.

ووجه الكاظمي الأجهزة المختصة، بالتحفظ على الطفل وتأمين سلامته ورعايته، لغاية انتهاء الإجراءات القانونية بحق والده، مرتكب الجريمة. عضوة لجنة المرأة والاسرة والطفولة ريزان الشيخ دلير، تقول إن “غياب التشريعات القانونية التي تحمي الاسرة العراقية والطفل والمرأة كان سببا مهما في ارتفاع حالات التعنيف تجاه الأطفال”.

وتابعت، “للاسف الشديد فان هنالك مشروع قانون للعنف الأسري أرسل من رئيس الجمهورية وآخر أرسل من قبل الحكومة لكنهما وخلال سنتين لم يتم المضي بأي منهما بسبب شخص واحد عرقل تحريك القانون وايصاله الى اللجان المعنية رغم اهمية القانون”.

وأضافت شيخ دلير، ان “بعض الشخصيات داخل البرلمان منعت تشريع أي قانون يخدم العائلة العراقية ويدافع عن المرأة والاطفال بذريعة ان تشريع هكذا قوانين ستجعل العراق مثل اوروبا رغم ان اوروبا متقدمة في الدفاع عن حقوق الانسان والعوائل، لكن للاسف الشديد فان بعض تلك الاطراف السياسية ذات الغطاء الديني لا تهتم بشؤون المجتمع”.

ولفتت إلى ان “الطلاق والتفريق والتعنيف موجود داخل الاسرة العراقية بأعداد كبيرة وهكذا وضع بحاجة الى قوانين للحد منها اضافة الى معالجة ظاهرة المتاجرة بالأطفال والبشر لكننا لم نجد آذانا صاغية”.

وأشارت عضوة لجنة المرأة والاسرة والطفولة الى، ان “الطفل المعنف الذي ظهر في مقطع فيديو وغيره من حالات كثيرة لم تكشف فهي جميعها مسؤولية الدولة”، لافتة الى ان “ضعف القانون وغياب التشريعات كانا سببا اساسا في هذا الوضع”. ومضت بالقول، إن “مجلس النواب يتحمل المسؤولية الأكبر نتيجة عدم تشريع قوانين لحماية الطفل والمرأة والحماية من العنف الأسري”. وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية بوزارة الداخلية أعلنت، الجمعة الماضية، القبض على الاب الذي قام بتعنيف ولده بشدة ووحشية. وذكرت الوكالة، في بيان تلقته (المدى)، أنه “بعد تداول مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من وسائل الإعلام لمشهد فديوي يظهر قيام اب بتعذيب ولده الصغير بطريقة عنيفة ووحشية ما سبب له جروحا عميقة في مختلف أنحاء جسمه وحال صدور أمر رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي بإلقاء القبض على الأب لمخالفته القوانين النافذة والتصرف بعيدا عن الأخلاق الإسلامية والإضرار بالتماسك الأسري الذي يتحلى به مجتمعنا، تمكنت مفارز وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية بوزارة الداخلية من إلقاء القبض على الأب”. وأكدت، أن “وزارة الداخلية تسعى ومن خلال مؤسساتها المعنية كالشرطة المجتمعية وحماية الأسرة والطفل إلى نشر مفاهيم التوعية والتثقيف التي تحفظ تماسك الأسرة والمجتمع في العراق ورفض الانتهاكات والعنف الأسري لما له من آثار مدمرة على السلم المجتمعي”.

بالمقابل، اعربت منظمة اليونيسف، عن قلقها، وذكرت المنظمة التابعة للامم المتحدة في بيان ان “المقطع الفيديوي تذكرة مروّعة لمعضلة العنف ضد الأطفال التي لا بد أن تنتهي”، مضيفة “لا شيء يبرر العنف ضد طفل صغير، كما أن هذه الظاهرة يمكن منعها والقضاء عليها”. وبحسب المسح العنقودي المتعدد المؤشرات (MICS6) لعام 2018، ما زال 4 من كل 5 اطفال في العراق يتعرضون للعنف في البيت أو في المدرسة.

وادانت اليونيسف “اعمال العنف ضد الأطفال كافة”، داعية “المجتمع إلى حمايتهم من مثل هذه السلوكيات، والسلطات الحكومية إلى تعزيز آليات متابعة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم إلى العدالة، وحماية حياة الطفل. يحتاج الأطفال في العراق إلى بيئة آمنة خالية من العنف، ومواتية لتتيح لهم تطوير إمكاناتهم وقابلياتهم بصورة كاملة”. ودعت ايضا “كل فرد في المجتمع إلى حماية الأطفال من خلال منع توزيع المواد التي يتعرضون من خلالها للعنف، أو التنمر أو القذف والتشهير على الإنترنت. حيث لا ينبغي مشاركة هذا المحتوى إلا على نطاق السلطات المختصة بغية دعم الملاحقة القانونية للجرائم المرتكبة ضد الأطفال”. واكدت “دعم الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان برؤية مشتركة مفادها أنه بحلول عام 2024، سيكون الأطفال والمراهقون والنساء، ولا سيما الأكثر ضعفاً من بينهم، آمنين محميين من العنف، والاستغلال، وسوء المعاملة، والإهمال، انسجاما مع القانون الوطني و إطار السياسات والمعايير الدولية”.

من جهتها تقول أنسام سلمان، رئيسة منظمة إيسن لحقوق الانسان والتنمية المستدامة إن “احد اسباب ازدياد حالات العنف الاسري هو الدافع الاقتصادي الذي يدفع الأب او الام الى تفريغ طاقة غضبهم في اطفالهم”.

وتضيف سلمان لـ(المدى)، ان “اغلب حالات الانتحار كان سببها عنف اسري”، مبينة انه “من الغرابة رؤية هكذا مشاهد دون دراسة مجتمعية لها من قبل الحكومة والجهات الامنية”.

ودعت سلمان البرلمان والحكومة الى “اقرار قانون مناهضة العنف الأسري بالشكل والصيغة التي توفر حماية لأصغر فرد من افراد العائلة، وتفعيل رقم طوارئ حقيقي، وتكثيف عمل الشرطة المجتمعية واتخاذ اجراءات قانونية بمحاسبة الاشخاص الذين يمارسون العنف الاسري”. وسجلت وزارة الداخلية 15 ألف حالة عنف منزلي في عام 2020، بحسب بيان اطلعت عليه (المدى) مؤخراً. وشككت ناشطات عراقيات في الأرقام وقلن ان الاعداد الحقيقية هي أكثر من المسجل بكثير.

ولا يمتلك العراق قانونا للحماية من العنف الأسري، ويعتمد على مواد في قوانين مختلفة تسمح للزوج بـ”تأديب” الأبناء أو ضرب الزوجة “مادام لم يتجاوز حدود الشرع”. وتقول المادة 41 من قانون العقوبات العراقي إنه “لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً”. وتلجأ الشرطة العراقية عادة إلى أخذ تعهدات على المتسبب بالضرر في حالة كان والد أو والدة المجني عليه أو الزوج، وتكتفي بإجراء “مصالحة” بين الطرفين في بعض الأحيان، وفي حال كان الطرف المتسبب الأب، فإنها تلزم الأطفال بالعودة إلى المنزل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here