وهم التطبيع العراقي مع إسرائيل

وهم التطبيع العراقي مع إسرائيل

بقلم مهدي قاسم

أثار مؤتمر أربيل للتطبيع العراقي مع إسرائيل ( الذي تزعمه شيوخ عشائر وشخصيات سياسية و بعض شبه رسمية )اثار موجات عالية و قوية وواسعة من استنكار وشجب وإدانة من اطراف سياسية و جهات حزبية و دينية و عشائرية في العراق ، بل الطريف حتى أن بعضا ممن اشتركوا في ذلك المؤتمر استنكره أيضا بذريعة عدم معرفته بهدف المؤتمر !!، وهو الأمر ـــ نقصد موجات الإدانة و الاحتجاج ــــ الذي كان متوقعا ، بل يُعد مسألة بديهية ، و تحصيل حاصل ، ليس فقط لأسباب عقائدية وفئوية لها هيمنتها السياسية و السلطوية في الوقت الراهن في العراق و كذلك ارتباطاتها وتأثيراتها الخارجية ،إنما ، لأننا نحن العراقيين ــ وهنا لا أقصد التعميم ــ معروف عنا بكوننا أكثر ملكيا من الملك نفسه ، عادة ودائما : لقد تعوّدنا على نزايد في مواقفنا القومية أكثر من باقي عرب أو مسلمين آخرين والسبب في في ذلك يرجع ــ حسب اعتقادي ــ إلى أدلجة المجتمع العراقي أدلجة مباشرة ومتواصلة عبر عقود طويلة( ـ قوميا و دينيا ـ في البداية الأدلجة القوميةــ البعثية ــ الناصرية ما يقارب نصف قرن من إثارة القضية الفلسطينية بشكل شبه يومي ، ثم جاءت الألدجة” الشيعية” بعد هيمنة الأحزاب الإسلامية ــ طبعا بضغط إيراني واضع للاستهلاك السياسي و من خلال ذلك نشر النفوذ الإيراني في المنطقةــ على نفس المنوال والمهوال : تظاهرات في يوم القدس العالمي ــ مثلا ــ إذ أن بعض الفئات الشيعية العراقية ــ ما بين المسلمين والعرب قاطبة ــ وهم وحدهم فقط يقومون باستعراضات طويلة و عريضة في يوم الذكرى ) حتى أن القضايا القومية كانت لها الأولوية و الصدارة دائما على قضايانا الوطنية والعراقية الصميمية والمصيرية !!..
( هنا نسأل هل قامت عشائر و جهات وأطراف ومراجع وفئات سياسية بإدانة عمليات قتل مئات من المتظاهرين العراقيين و تعويق و تغييب مئات آخرين منهم أيضا ، على أيدي بعض مليشيات إيرانية ــ مثلا) ــ فما الفرق بين أن يستشهد متظاهر فلسطيني على يد جندي إسرائيلي محتل ، و بين متظاهر عراقي ،من أجل خبز وعمل وخدم ، أن يستشهد على يد عنصر ميليشياوي موالي للنظام الإيراني ؟..
لذا فقد كان ينبغي على منظمي مؤتمر التطبيع مع إسرائيل معرفة هذه الحقيقة التاريخية عن ترسّخ و تجذّر القضية الفلسطينية في الوجدان العراقي عميقا ، قبل الإقدام على ارتكاب حماقة سياسية كبيرة فادحة من هذا القبيل أي بوهم التطبيع مع إسرائيل ، طبعا بدون أي معنى أو جدوى ، لكونه أمرا مستحيلا في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب أيضا ، وأن كان الأمر برمته ــ حسب تصوري ــ لا يخلوا من ” نسائم ” خليجية ــ على إماراتية تطبيعية ، و ربما تكون مغلفة بحزم و أكداس دولارات ملتمعة وبراقة ، لحث و تشجيع بعضا من ” شيوخ 56 “وأشباههم ،لتنظيم هكذا مؤتمر مشبوه وفاشل مسبقا ، أو الاشتراك به على نياتهم الحسنة والطيبة !!ــ على غبائهم الفاحش ــ ببهرجة إعلامية صاخبة وواسعة ..
وبالمناسبة و ما دمنا عند قضايا احتلال و تحرير ، و انطلاقا من عقل منطقي سليم ،لنسأل أخيرا أنه :
ــ أليس القيام بعملية تحرير العراق من الاحتلال الإيراني الناعم و غير المباشر ، هي التي يجب أن تتمتع بالأولوية عند العراقيين الوطنيين في الوقت الراهن ، وبعد ذلك لتأتي مساهمة العراق القومية في تحرير فلسطين؟..
مجرد سؤال ليس إلا ..
****
(لبيان الختامي
وطالب المؤتمر في بيانه الختامي الذي قراته موظفة وزارة الثقافة العراقية سحر الطائي “بالانظمام إلى اتفاقيات ابراهيم (أبراهام) وكما نصت الاتفاقيات على إقامة علاقات دبلوماسية بين الأطراف الموقعة ودولة إسرائيل فنحن أيضا نطالب بعلاقات طبيعية مع إسرائيل وبسياسة جديدة تقوم على العلاقات المدنية مع شعبها بغية التطور والازدهار”.
وكانت “اتفاقات أبراهام” وقعن برعاية واشنطن في أيلول سبتمبر 2020 لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين ومن ثم مع المغرب والسودان.
وفي البيان دعا أكثر من 300 عراقي بمن فيهم شيوخ عشائر إلى التطبيع بين العراق وإسرائيل، في أول نداء من نوعه أطلق خلال مؤتمر رعته منظمة أميركية في إقليم كردستان ما أثار السبت إدانات رسمية وحزبية. ــ نقلا عن مواقع )

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here