مفاهيم الحبّ والجنس والزواج في روما القديمة

مفاهيم الحبّ والجنس والزواج في روما القديمة

بقلم : عضيد جواد الخميسي

تم تعريف الحب والجنس والزواج في روما القديمة من قبل مجتمعها الذكوري . فقد كان رب الأسرة هو الأب الذي له السيطرة الكاملة على عبيده وزوجته وأولاده . وتمّ تبنّي هذا النموذج في العلاقة الأسرية إشارة إلى إحدى القصص المتعلقة بأسطورة تأسيس روما والنزاع المميت الذي حصل بين أنصاف الآلهة التوأمان “رومولوس” ، و “ريموس “؛ المؤسسان لمدينة روما عام 753 قبل الميلاد .

بعد فترة وجيزة من ذلك الحدث (أو ربما قبله) ؛ قام الرومانيون بمهاجمة القبائل المجاورة وسبوا نسائها ، فاشتهرت رواية (اغتصاب نساء سابين) . عقب ذلك شنّت تلك القبائل هجوماً مضاداً لاستعادة نسائها ؛ لكن واحدة من اللائي تمّ سبيهنّ واسمها “هيرسيلا” والتي جُعلت زوجة لـ”رومولوس” فيما بعد ؛ دافعت دفاعاً مستميتاً في منع وقوع المجابهة بين الطرفين ، وقبول بقاءها محظية عند الرومان ؛ وذلك من أجل تجنّب كارثة قد تؤدي الى سقوط المزيد من الضحايا ؛ لا بل شجعت النساء الأخريات على القيام بالمثل .

إذا كانت تلك القصة قد عكست حدثاً تاريخياً حقيقياً ، فإنها بالتأكيد قدمت نموذجاً واضحاً للعلاقة بين الذكور والإناث في روما القديمة ؛ حيث كان الرجال يتمتعون بالسلطة ، و يتعين على النساء إدراك ذلك . لقد فرض الهيكل الاجتماعي المُغلّف بالدين والتقاليد ؛ أن يضع الرجال القواعد ؛ وعلى النساء اتباعها دون اعتراض .

على الرغم من الاعتراف بالحب الرومانسي قديماً وتغنّي الشعراء به كثيراً، إلا أنه لعب دوراً ثانوياً في العديد من الزيجات ، رغماً من وجود أدلة في حصول زيجات متماسكة ومستمرة أساسها الحب والاحترام المتبادلين .

غالباً ما يرتبط الجنس كتعبير عن الحب العاطفي بعلاقات خارج نطاق الزواج ، إلا أنه كان عنصراً مهماً في العديد من الزيجات . حيث كان الزواج أساس المجتمع ؛ وفي كثير من الحالات وبالأخص عند ذكور الطبقة العليا ؛ يُعدّ الجنس صفقة تجارية ولإنجاب الأطفال . أما الحب الرومانسي الذي يأتي قبل الزواج ؛ كان في نظرهم ضرباً من التسلية لمتعة البعض ، وليس له داعٍ عند البعض الآخر .

الحب في روما القديمة

على الرغم من أن الحب بين الأزواج والزوجات أُستدلَّ عليه من الرموز والنقوش والمرثيات ، إلا ان كمّاً كبيراً من المعرفة عن طبيعة الحب في روما القديمة ؛ جاء من الشعراء في غزلهم للفتيات أو الصبيان الذين أقاموا علاقة جنسية معهم ، وعادة ما كانت طبيعة تلك العلاقة ؛ خارج نطاق الزواج من جانب واحد أو كليهما . وكان أشهر شاعر في هذا الصدد هو “گايوس ڤاليريوس كتولوس”(عام 85 – 54 قبل الميلاد) الذي شملت مؤلفاته على خمس وعشرين قصيدة موجهة إلى حبيبته “ليزبيا”، وهو الاسم المستعار لامرأة تدعى “كلوديا “؛ زوجة رجل الدولة “كوينتس سيسيليس ميتيلس سيلير” (عام 100- 59 قبل الميلاد) ، وكان زواجهما غير موفق أبداً ، ولم تظهر أي علامة للعاطفة بينهما ، حتى وصل الحد في علاقتهما بأن يتشاجرا في الأماكن العامة وبشكل متكرر .

تعبّر قصائد كتولوس إلى ليزبيا عن أسمى درجات العشق والأمل في أن تترك زوجها وتعيش معه إلى الأبد. إذ كتب في قصيدته الخامسة الأبيات التالية :

ليزبيا ؛ تعالي ؛ دعينا نعيش ونحب ونكون معاً

دعكِ من ثرثرة الحمقى القبيحين

قد تشرق الشمس كل يوم ولكن لدينا

النجم الآتي ، وليلتنا ؛ سوف تستمر للأبد

أعطني ألف قبلة ومائة أخرى

ألفٌ آخر ومائةٌ أخرى

ونحن نقبّل بعضنا بآلاف القبل الملهوفة

دعينا نجد طريقنا ، و نتجنب في غياهب النسيان

العيون اليقظة للفلاحين الأشرار الحاقدين

أتوق لمعرفة كم عدد القبلات التي قبلنّاها

كانت آمال كتولوس عديمة جدوى ، حيث لم تكن كلوديا قادرة على تطليق زوجها من أجل رجل آخر. إذ يعتبر الطلاق خياراً اجتماعياً مقبولاً ، ويمكن أن يبدأ من أي الطرفين ، ولكن أسباب الطلاق يجب أن تستوفي المعايير المجتمعية مثل ؛ العقم من جانب الزوجة ؛ أو الإساءة والإهمال من جانب الزوج . ويمكن أن يكون الزنا سبباً للطلاق أيضاً ؛ ولكن لا يمكن أن تتسبب به الزوجة من جرّاء علاقة خارج الزواج . أمّا بعد وصول الملك “أغسطس قيصر” (عام 27 ق.م – 14 م) إلى السلطة ؛ فقد سُنّت قوانين تتعلق بالزنا والتي كانت ستسمح لـ “ميتيلس سيلير” بقتل كل من كلوديا وعشيقها .

الشعراء الذكور الآخرون مثل؛ أوڤيد (عام 43 قبل الميلاد – 17 ميلادية) ؛ كانوا يعّبرون عن مشاعر مماثلة لعشيقاتهم المتزوجات ، أو اللواتي يتعذّر التواصل معهن . إلاّ أن بعض القصائد القليلة المتعلقة بالحب الرومانسي والتي تختلف عن هذا النموذج ؛ جاءت من الرومانية التي سَلِمَت بعض مؤلفاتها من العبث والتلف ؛ الشاعرة “سولپيشيا”، ابنة الأديب والقاضي “سيرڤيوس سولپيسيوس روفوس” (عام 106-43 قبل الميلاد). إذ تخاطب سولپيشيا حبيبها الشاب الذي تسميه سيرينثوس (اسم مستعار ) في قصائدها ، لأن عائلتها لم توافق عليه . ومع ذلك ؛ فهي كانت تعيش على أمل أن تكون هي وسيرينثوس معاً في يوم ما . تعبّر القصيدة الأولى عن مشاعرها حول بداية علاقتهما :

وأخيراً وقعتُ في الحبّ

هذا هو حبّي ؛ فإن بقي سرّاً ، يحفظ سمعتي

وإن وُشِي به ؛ يقيناً يضرّني

صلّيت إلى ڤينوس بموهبتي الشعرية ، فَجَعلَتْه يأخذ قلبي

ومن ثمّ رمته في أحضاني

لقد أوفت ڤينوس بوعدها لي

الآن اسمحوا لي يا سادتي أن أحكي لكم قصتي

كي يعرفها كلّ من يسمعني

لم أرغب في وضع مشاعري في رسائل مختومة ليقرأها حبيبي

وليس سهلاً أن أجري ضد التيّار لوحدي

فكم هو قاسٍ على امرأة مثلي

يُراد في مظهرها ما يناسب سمعتهم

لا أريد شيئاً

فقط أن أكون جديرة بحبّي .. والذي هو لي

(هارڤي ، ص77)

لسوء الحظ ، وكما تبيّن من قصائدها اللاحقة ، لم تدم العلاقة بينهما طويلاً ؛ لأن سيرينثوس كان غير مخلص لها . وإنها كانت توبخه ؛ لأنه جعلها تشعر وكأنها غبيّة ؛ ويبدو واضحاً ذلك من خلال مقطع من قصيدتها الرابعة :

كان أكثر قلقاً على تلك العاهرة من الطبقة الأدنى

بملابسها الفاضحة

أكثر من سولپيشيا، ابنة سيرڤيوس!

(القصيدة الرابعة ، هارڤي ص 98).

ما حدث لسولپيشيا بعد ذلك غير معروف ؛ ولكن تماشياً مع النظام الذكوري الروماني ؛ فمن المحتمل أنها تزوجت شابّاً قد وافق عليه والدها .

يعلق الباحث “بريان .ك.هارڤي” على مكانة المرأة في روما القديمة ، وكيف تم تحديد حياتها فيما يتعلق بالذكور:

“على عكس مناقب الرجل ، تم الإشادة بالنساء في حياتهن المنزلية والزوجية. فالنساء لديهنّ خاصيّة ؛ الشعور بالنقاء ( pudicitia ) ، حب الزوج ( caritas ) ، الوفاق الزوجي ( concordia ) ، التفاني للأسرة ( pietas ) ، سيدة الخصوبة ( fecundity ) ، الرقّة ( pulchritude )، البهجة ( hilaritas ) ، السعادة ( laetitia ) ، التحكم بالنزوات ( castitas )… ، إلخ . وكما يتضح من قوة ربّ الأسرة ، كانت روما مجتمعاً أبوياً .” (ص59)

لم يتم إخضاع الأزواج أو الذكور بشكل عام لمعايير الفضيلة تلك ، كما هو الحال في أي جانب آخر من العلاقات بين الذكور مع الإناث .

الجنس في روما القديمة

تم تحديد علاقة الجنس من خلال تزاوج اثنا عشر إله وإلهة تعرف مجتمعة باسم ” دي كونسينت Dii Consentes ” الذين وضعوا إطاراً أو نموذجاً في السلوك الجنسي وطرق الزواج المناسب للبشر. هؤلاء الأزواج الستة هم :

جوپيتر ( المشتري ـ كبير الآلهة في الأساطير الرومانية) ، و جونو(ملكة الآلهة ، وهي أخت وزوجة جوپيتر ) .

نپتون ( إله البحار ، والأخ الأكبر للمشتري ) ، و مينيرڤا ( إلهة الحكمة الرومانية ، ابنة المشتري) .

مارس (المريخ ـ إله الحرب ، وأب لجميع الرومان ، وابن المشتري) ، و ڤينوس (الزهرة ـ الإلهة الأم للرومان ، وابنة المشتري)

آپولو( إله الموسيقى وابن المشتري ) ، و ديانا ( إلهة الليل وابنة المشتري ) .

ڤولكان (إله النار والخصب ، والد المشتري) و ڤستا (الإلهة الطاهرة ـ وإلهة المنزل ، وهي الأخت الكبرى للمشتري ) .

ميركري (عطارد ؛ إله النقل والمسافرين ، آخر أبناء المشتري ) ، و سيرس ( إلهة الزراعة والبذور، وشقيقة المشتري) .

كان الدين تحت رعاية الدولة ؛ فقد كرّمت الدولة الآلهة كما باركت الآلهة الدولة ؛ ولذلك ؛ كان الالتزام بنموذج الآلهة أعلاه ؛ يعتبر أمراً حيوياً لنمو روما وازدهارها . أشهر مثال على ذلك ؛ “عذارى ڤستال” ؛ وهنّ كاهنات الإلهة ڤستا العذراوات المكلفات بالحفاظ على بقاء النار المقدّسة مشتعلة بحسب الأساطير الرومانية . غير ان نموذج “دي كونسينت” ؛ قد منح الحرية للآلهة الذكور في التوجه بعلاقات خارج نطاق الزواج ؛ بينما مثيلاتهم من الإناث حرمن من هذا الحق ؛ وعليه فقد شاع هذا النموذج عند البشر في العلاقات الجنسية الرومانية .

حافظت ڤستا (أشهر الآلهات العفيفات ) على طهارتها ، ولكن هذا السلوك يعتبر” غير رجولي ” عند الآلهة الذكور . فقد كان الرجال الأحرار متوقعاً منهم أن يقيموا علاقات خارج نطاق الزواج مع النساء أو الفتيان الصغار ، وحتى الرجال من أعمار مختلفة ؛ طالما شركائهم الرومانيون ليسوا بأحرار منذ الولادة .

كان الجنس يعتبر حق طبيعي في الحياة ، ولم يكن هناك فرق بين الجنس الآخر أو الجنس المثلي ، وحتى لم يكن هناك مصطلح لغوي يصف المثلية الجنسية لتمييزها عن الجنس الآخر؛ طالما توفرت الرغبة المشتركة بين طرفي العلاقة .

تضمنت المهرجانات مثل ” لوپركاليا Lupercalia ” ( الاحتفال بالخصوبة) ؛ عروض مفتوحة للجنس ، وتم منح البغايا دوراً كييراً في احيائه .

قد تتدخل الدولة في أمور العلاقات الجنسية فقط ؛ في حالات التهديد والابتزاز ، وكانت هناك أربعة أسباب تجعل الدولة تتخذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق المخالفين في حال ثبوت أي منها :

أولاً ـ الطهارة : تشهر الدولة عقوبة الموت بحق النساء اللائي اخترن حياة الكاهنات ( عذارى ڤستال ) ، ثم يطلبن التراجع عنها .

ثانياً ـ المحارم : الانتهاك الجنسي لأحد أفراد الأسرة أو مواطن روماني حر ، أو كاهنات ڤستال ، أو لأي شخص آخر من الجنسين اختار أن يبقى طاهراً .

ثالثاً – الاختطاف : بقصد صريح أو خفي لاقامة علاقة جنسية مع المخطوف . ويشمل ذلك حتى أولئك الذين يوافقون عن طيب خاطر مع “آسريهم” ؛ مثل الشابات اللواتي اخترن الهروب من أُسرِهنَّ ( دون رضا الآباء ).

رابعاً – الاغتصاب : أو سوء السلوك الجنسي الذي قد يشمل علاقة خارج نطاق الزواج مع مواطن روماني حر.

ما عدا تلك المخالفات المتعلقة بالأعراف الاجتماعية والمحرّمات ؛ كان المواطنون الرومان أحراراً في اختيار أي نوع من النشاط الجنسي الذي يرغبون فيه .

كانت المشاكل بين الشريكين هي مسؤوليتهما الخاصة لحلها ، وإذا حصل خلاف بين الأزواج (فيما يتعلق بمشكلة جنسية أو أية مشكلة أخرى ) ، كان عليهم الذهاب إلى تل ” پالاتاين ” ، حيث” معبد الإلهة ” ڤيريپلاكا Viriplaca ” ، والتي يعني اسمها حرفياً “حلاّلة المشاكل” لعرض ما لديهم . وكان على الزوج والزوجة أن يشرحا مشكلتهما أمام كاهنة مستشارة الزواج ومساعدتهم في حلها ، على الرغم من أنها تميل في غالب الأحيان لصالح الزوج .

كثيرا ما كان الأزواج يلتقون بالبغايا في بيوت الدعارة ، أو عن طريق الصدفة في الاحتفالات أو المهرجانات . إذ لم تكن الدعارة (ذكوراً وإناثاً ) قانونية فحسب ؛ بل تعتبر مهنة عادية تُصنّف ضمن حدود الطبقة الدنيا في المجتمع لبعض المهن الخدمية في أعمال التنظيف على سبيل المثال ؛ وكذلك للذين يمتهنون التمثيل والرقص والغناء والمصارعة وغيرها من المهن الشعبية . وكان المركز الاجتماعي المرموق مخصصاً لأولئك الذين ينطبق عليهم نموذج التسلسل الهرمي الاجتماعي ، وهم من المتزوجين حصراً .

الزواج في روما القديمة

لم يكن هناك عقد زواج رسمي معترف به في روما القديمة كما في العصر الحديث. كان الزواج يُعد رسمياً فقط ؛ اذا حصل بين مواطنَين رومانييَن موافقيَن عليه ؛ ولكن “الموافقة” ربما لم تكن تُمنح بلا ضوابط في حال رتّب الأب الزواج لابنه أو بنته ، إلاّ إذا كان متساهلاً بشكل غير معقول . كانت هناك ثلاثة أصناف من الزواج المعترف به و ملزم قانوناً في روما :

أولاً ـ زواج الطبقة العليا – وهو الزواج الأرستقراطي النموذجي الذي يتميز باحتفال يتم فيه مشاركة الكعكة مع رغيف الخبز. يُعرف أيضاً باسم “زواج اليد ” ( مانوس manus ) ؛ لأن والد العروس مدّ يده إلى يد العريس .

ثانياً ـ الزواج بالشراء – وهو زواج شعبي ؛ حيث يشتري فيه الشخص العروس بطريقة أو بأخرى من عائلتها .

ثالثاً ـ زواج المعاشرة – وهو زواج معترف به من خلال التعايش الطويل بين الشريكين .

حفل الزفاف الروماني الذي يتبع تقاليد الطبقة العليا

قبل الزفاف ؛ يتم قراءة الطالع وتزيين منزل والد العروس بالورود والمفروشات. فإذا كانت التنبؤات مُشجِعة ، يمكن أن يستمر الاحتفال . يتم الجمع بين العروس والعريس في صالة منزل الزوجية بعد حفل الزفاف؛ حيث مُلتقى الضيوف. وعادة ما تقام مراسم الزواج بعد شروق الشمس مباشرة ، مما يرمز إلى الحياة الجديدة التي يبدأها الزوجان .

يتطلّب الاحتفال لعشرة شهود كي يكون رسمياً . وعلى الرغم من وجود الكاهن ؛ إلا أنه لا يقوم بالمراسيم أولاً. حيث تتقدم المربية للأمام وتشبك يدي العروسين ، وتعلن العروس أمام الملأ ؛ عهداً راسخاً :

” متى وأين تكون گايوس ؛ ستجدني هناك معك دائماً ؛ گايا” (ناردو ، ص76).

العهد أو القسم أعلاه الذي تردده العروس ؛ يتكرر في الأعراس دائماً بنفس الصيغة بغض النظر عن اسم الزوجين ؛ وهو يعبر عن لحظة دخول العروس إلى منزل عريسها . بعد ذلك ؛ يجلس الزوجان معاً بينما يقدّم الكاهن قرباناً إلى جوپيتر(المشتري ، أو لاحقاً إلى جونو) . في ختام الحفل ؛ يتشارك العريسان في تناول الكعكة ورغيف الخبز المباركين .

بعد الانتهاء من تناول الجزء المخصص من الكعكة والخبز ؛ يتلقى العريسان التهنئة من الحاضرين ، ومن ثمّ تُجرى طقوس أخرى لجلب الحظ والزواج السعيد . بعد ذلك يجتمع الضيوف على وليمة طعام فخمة ؛ تنتهي بمنح كل ضيف قطعة من كعكة الزفاف ليأخذها معه إلى منزله .

مشهد حفل الزفاف

يبدأ الاحتفال عادة بتسيير موكب مهيب الى منزل العريس الجديد (أو الى منزل والد العريس) .

ذلك الموكب ؛ وصفه الباحث والمؤرخ الأمريكي ” هارولد جونستون ” ؛ كالآتي :

” كان الموكب عبارة عن مشاركة عامّة الناس ، إذ يمكن لأي شخص أن ينضّم إلى الموكب ويقدم الفعاليات التي تميزّه ؛ كما أن الناس من مختلف الطبقات لا يهمّهم الانتظار في الشارع لمتابعة موكب العرسان .

مع اقتراب المساء ؛ ومن أمام منزل العروس تُرفع مشاعل النار في موكب يتقدمه عازفو الموسيقى . وعندما يقترب وصوله الى منزل العريس ، تصدح الأصوات في اداء أهزوجة العرس ، ثم يتجه العريس الى الموكب لسحب عروسه ؛ و بما يسمى (استعراض القوة ) من ذراعي والدتها . رأى الرومان في هذه العادة هي ذكرى لاغتصاب سابين ، لكنها قد تعود إلى ما هو أبعد من تأسيس روما ، فقد كانت تقاليد الزواج السائدة هي متوارثة لدى الأُسر بشكل عام أسوة بالمجتمعات الأخرى . ” (ناردو ، ص78)

العروس وفي طريقها الى منزل العريس ؛ ترمي قطعة نقود معدنية مخصصة الى الأرواح الحارسة للطريق ( لتجلب الحظ لها وهي في طريقها إلى بيت الزوجية ) ، وتمنح عريسها قطعتين أخريين عند وصولها ؛ واحدة لتكريمه شخصياً ، والأخرى قرباناً لأرواح المتوفين من عائلته .

أثناء سيرهما معاً ، يلقى العريس المكسرات والحلويات على الحشد المرافق ، كي يتناثر الأشخاص الذين يتبعوهما حتى الوصول الى منزل العريس (وهي طقوس مازالت قائمة إلى الآن ؛ من خلال إلقاء الأرز في حفلات الزفاف) . وبمجرد الوصول إلى هناك ، يقوم العريس بحمل عروسه فوق عتبة الدار.

يعتقد جونستون أن هذا قد يكون “محاولة أخرى في استعراض قوة الزوج أمام زوجته ” (ناردو ، 79) . ولكن من المحتمل أيضاً ؛ ليجنّب العروس التعثّر والسقوط !. أو على الأرجح ؛ مثابة لفتة رمزية تنقلها من حياتها القديمة الى الجديدة .

بعد ذلك يتم دعوة الأصدقاء المقرّبين والعائلة إلى داخل المنزل ؛ حيث يقدّم العريس لعروسه النار والماء كعناصر أساسية في المنزل ، وبدورها تقوم العروس بإضرام النار الأولى في الموقد . وعند المساء يجتمع الحاضرون على موائد طعام العشاء ؛ في إشارة إلى نهاية الاحتفال .

كان الحد الأدنى للسن القانوني في زواج الفتاة هو 12 عاماً، والفتى 15 عاماً ، لكن معظم الرجال كانوا يتزوجون في سنّ متأخرة عند حوالي 26 عاماً. كان يحصل هذا بسبب (حسب الاعتقاد في ذلك الوقت) ؛ أن الذكور يعانون من عدم التوازن العقلي بين سن 15 وسن 25 سنة ، وطالما هم محكومون بعواطفهم وليس بعقولهم ، بالتالي فإنهم غير قادرين على إصدار أحكام سليمة واتخاذ القرارات الصحيحة . كما كان يُعتقد أيضاً ؛ أن عقول الفتيات كاملة النضج وليست ناقصة في سن مبكرّة (فكرة مقبولة في العصر الحديث عند بعض الثقافات لأغراض الزواج فقط) ، وعليه فهنّ مستعدات لتحمل مسؤوليات الزواج كاملة ، رغماً من تدنّي السنّ مقارنة مع الزوج .

كان الزواج في روما القديمة من امرأة واحدة فقط ؛ ولكن الطلاق كان مقبولاً أيضاً ، ولم تكن هناك وصمة عار في أثره . ولم يكن الزواج لمرّة أخرى بعد الطلاق مسموحاً لكلا الجنسين فحسب ؛ بل كان متوقعاً .

خلال فترة الجمهورية الرومانية (عام 509-27 قبل الميلاد) ؛ كان الطلاق أقل شيوعاً مما كان عليه في زمن الإمبراطورية (عام 27 قبل الميلاد – 476 م). فقد أصبحت فكرة الزواج غير مشجعة خلال عهد الإمبراطورية ، وعلى أثر ذلك انخفض معدل المواليد ، وكان على القيصر أن يسنّ قوانين تمنح امتيازات خاصة للأزواج الذين ينجبون ثلاثة أطفال كحدّ أدنى .

على الرغم من أن الزواج كان يُفهم بأنه عقد اجتماعي أكثر من كونه تعبيراً عن الحب والاحترام المتبادلين . كان هناك بلا شك العديد من الزيجات الناجحة والموفقة .

توفيت زوجة أحدهم ؛ مما دفع بالمؤرخ “بليني الأصغر “(عام 61 – 113 م) في ان يبعث برسالة يعبّر فيها عن حزنه ؛ فكتب يقول :

” تعرض صديقنا ماكرينوس لصدمة قوية. لقد فقد زوجته وهي امرأة مثالية باهرة … تزوج من هذه المرأة مدة تسعة وثلاثين عاماً دون مشاجرة أو خصام . هذه المرأة عاملت زوجها بأكبر قدر من الاحترام ، فهي تستحق فعلاً نفس الشيء بالمقابل . كانت فضائلها كثيرة وعظيمة والتي مثلتها في كل مرحلة من مراحل حياتها !

في الحقيقة ؛ لماكرينوس العزاء الكبير ؛ فقد كانت تلك المرأة الخالدة رفيقة حياته لفترة طويلة. ولهذا؛ فأنا أعرف مقدار ألمه وعذابه بسبب قيمة مافقده .” (الرسالة 8.5 ، هارڤي ، ص 50)

على الرغم من أن النظام الأبوي الروماني كان يتحكم في كيفية تعريف الزواج وشروطه ؛ إلاّ أنه كان هناك حيزاً للعلاقات الصادقة والمحبة بين الأزواج والزوجات ؛ أساسها الثقة والمودة المتبادلة. ولربما لا تتمتع المرأة بالمساواة التي تستحقها ، لكن جميع النساء اللواتي يطمحن في عيش حياة هانئة ، قد يجدن فيها السعادة الحقيقية عندما يتوّجها الأزواج باخلاصهم ومحبتهم لهن .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليزلي أدكنز ـ الحياة في روما القديمة ـ جامعة أكسفورد للنشر ـ 1998.

كاتولوس غاي ـ القصائد الكاملة ـ جامعة أكسفورد للنشر ـ 2009 .

مايكل غرانت ـ قراءات عند المؤرخين الكلاسيكيين ـ سكريبنر للطباعة ـ 1993.

براين هارڤي ـ الحياة اليومية في روما القديمة ـ فوكوس للنشر ـ 2016 .

أوتو كيفر ـ الحياة الجنسية في روما القديمة ـ كرك للطباعة ـ 2011 .

جون لويس ـ تاريخ نهوض وسقوط الامبراطورية الرومانية في كلمات ـ رايينغ للطباعة ـ 2003 .

رونالد ميلر ـ مؤرخو روما القديمة ـ مجموعة روتليدج تايلور وفرانسيس للنشر ـ 2021 .

دان ناردو ـ العيش في روما القديمة ـ غرين هڤن للطباعة ـ 2003 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here