العدل : لا تستقيم الدول الا بوجوده ..

العدل : لا تستقيم الدول الا بوجوده ..

محمد شمال

العدل , هو الصفة الراجحة في الدنيا , والتي احبها الله سبحانه وتعالى وجعلها من اسمائه المباركة, ودفع بجميع انبيائه ورسله على الارض , لتبنيها كخارطة طريق في جميع اعمالهم الانسانية ,والتثبث باخلاقها الحميدة واهدافها الفاضلة والتي ميزها الله سبحانه وتعالى ! عن جميع الصفات ورفع بركتها , واعان صاحبها ..
وللعدل معان أخرى في اللغة العربية كما هو الحال في عبارات مثل “عدل بالشيء” أي ساوى به شيء أخر، أو عدل عن الرأي أي أنو رجع عنه، أو عدل إلى شيء أي أنه أقبل على هذا الشيء
العدل من القيم السامية التي ما سادت في أمة إلا ارتقت، وما غابت عن أمة إلى أفلت وانتهى أمرها، والعدل نقيضه الجور وهو طريق الاستقامة على المنهج الحق، والإنسان الذي يعدل في أموره يضع الأمور في مواضعها، ويؤدي واجباته ويعطي كل شيء قدره، بدون أن يسرف أو يقصر، مع حفظ الأولويات بدون أن يطغي أمر على آخر.

ومن مرادفات العدل “القسط”، وأن تقسط يعني أن تظهر عدلك في الأمور الواضحة البينة، وفي ذلك يقول الله (تعالى): “وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ”. –سورة الرحمن

والعدالة هي أن لا تنحاز لطرف على حساب طرف آخر إذا ما تم تحكيمك بين طرفين، وهي رؤية مبنية على قوانين موضوعة من قِبَل البشر وشرائع منزلة من الله في رسالاته السماوية، وتهدف العدالة إلى إحقاق الحق وإعطاء الناس حقوقهم وحماية المجتمع من المفاسد الناتجة عن الظلم والجور.

يقول ابن تيمية: “إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة”.

والعدل من الأمور التي بنى الله عليها الكون كله، فلا قيام للكون ولا اتزان إلا في وجود العدل، والعدل قيمة أزلية، فهو لا يختلف في معناه ومفاهيمه من زمن إلى آخر، وإن كانت تختلف وسائل تطبيقه، ويرجع ذلك إلى اختلاف مستويات إدراك البشر لقيمة العدل ومدى فهمهم لرسالات الله إليهم.

إن العدالة هي ما يستقيم بها حال المجتمع، وبها وحدها يمكن للفقير أن يعيش إلى جوار الغني، وللقوي أن يعيش إلى جوار الضعيف، وكلهم آمن على حقوقه ولا يوجد بينهم ضغائن.

قال ابن حزم: “أفضل نعم الله (تعالى) على المرء أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحقِّ وإيثاره”.

العدل هو محور وأساس كل شيء جيد وهو ما يمكن أن يحفظ القيم والأخلاقيات والمثل الأخرى، وهو الأساس الذي بناءً عليه ينال كل إنسان حقوقه، والمعيار الذي تُقاس عليه جميع الأخلاقيات الأخرى.

والعدل أساس أي حكم صالح وفي ذلك يقول الله (تعالى): “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”. –سورة النساء

وعن النبي (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: “إن الله مع الحاكم ما لم يجر، فإذا جار وكله إلى نفسه”.

وقال (صلوات ربي وسلامه عليه): “إنَّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، -وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا”.

وكان الإغريق القدماء هم أول من بحث في فلسفة العدل وربطه بالفضائل ومن أهم الفلاسفة الذين اهتموا بتلك القيمة أفلاطون، الذي اعتبر أن العدل من الفضائل الأساسية، بل هو أساس لكل فضيلة أخرى.

واعتبر الفيلسوف أفلاطون أن العدل هو ما يساعد الإنسان الفاضل على تحقيق التوازن بين رغباته ووعيه وشجاعته، وتلاه الفيلسوف أرسطو في البحث في فلسفة العدل وكذلك الفيلسوف توما الإكويني وكلاهما اعتبر أن العدل هو من الأعمال الخيرة وهو بمثابة تضحية من أجل الآخرين ومن الفضائل الأساسية للإنسان التي لا يمكن أن يكون فاضلًا صالحًا بدونها.

من أهم الكتب التي تركها الأولون في فلسفة العدل، كتاب “الجمهورية” لأفلاطون، وفيه يحاور أفلاطون سقراط حول العدل وأهميته في الدولة المدنية، وحول مفهوم العدالة على مستوى الفرد، ويعتبر أفلاطون أن الرجل العادل هو الذي يكون في المكان المناسب والذي يقوم بالفعل المناسب ويتلقى مقابل مناسب لأفعاله.

ويعتبر الفلاسفة الإغريق أن الفيلسوف هو أحق الناس بتولي كراسي الحكم، وذلك لأنه الأكثر علمًا بمفهوم الخير والشر والعدل والجور، ولذلك فهو يعمل على تحقيق العدل والخير بخلاف السياسيين الذين يسعون فقط لتحقيق مصالحهم ونيل الشرف والرفعة، فإذا أردت أن تعالج مريض عليك أن تذهب للطبيب وإذا اردت أن توظّف حاكمًا صالحًا، عليك أن تختار من يميز بين الخير والشر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here