تشرين 2019 ….. ثورة ام مؤامرة ؟!

تشرين 2019 ….. ثورة ام مؤامرة ؟! عارف معروف

من جديد ، يثور الجدل ، في العراق عن حقيقة حراك تشرين 2019 ، وفيما اذا كان انتفاضة شعبية مجهضة او ثورة مضادة ” ملونة ” ، استثمرت في زخم وبؤس المعاناة العراقية المستمرة ، وهذه مقاربة ضرورية لم تنبع عن الدرس النظري بقدر ما نبعت عن خلاصات معايشة يومية .

1- يمكن لشرارة صغيرة ، او عقب سيكارة ماتزال فيه جذوة ان تتحول او يتحول الى حريق هائل لا يبقي ولا يذر، ولكن بالمقابل ثمة نيران ، اكبر تشب وتخبو لتنطفيء دون ان تتوسع الى اكثر من دائرتها الضيقة . هذا مثال بسيط من حياتنا اليوميه ، و كل هذا مرهون بالظروف المحيطة من توفر المادة القابلة للاشتعال او الانفجار ، وطبيعة الريح ، وكذلك الرغبة ، في حينها ، بمعالجة الحريق واخماده او اللامبالاة اتجاهه ، او اية مستجدات او تطورات تدخل على الحالة فتخرجها عن اطار المألوف والمتوقع …. وغير ذلك كثير مما يعرفه العقل وتؤكده الخبرة .

2- ويمكن ، في مضمار الحياة الاجتماعية وانعكاسها السياسي ، ان يتحول ” انقلاب عسكري ” تقوم به زمرة منظمة من القوات المسلحة الى ثورة شعبية كبرى في غضون ايام او اشهر ، وفقا لاستجابة هذه الزمرة لمطالب وحاجات اجتماعية كبرى واتخاذها او تبنيها من قبلها كبرنامج واهداف ، وسعيها الصادق والحثيث الى تلبيتها وتوسيع مداها من جهة واستجابة جموع الشعب وقواه الحيّة الى ذلك والتفافها حول الثورة وبرنامجها من الجهة الاخرى . وبالمقابل يمكن لثورة شعبية عظيمة ان تخبو وتنطفيء لتجيّر لصالح زمرة او فريق من قادتها الذين ياكلون بعضهم البعض طمعا في بريق السلطة وحبا بالانفراد بسطوة القوّة ، فيصح القول المأثور ، عند ذاك ، بان الثورة قد بدأت تأكل ابنائها ، وقد تنتهي بنتيجتها الى اقل من ” انقلاب ” ، بل الى مجرد كارت تفويض ، بسلطة اجرامية مطلقة ، في جيب طاغية متجبّر !

3- ولنستطرد قليلا فنقول ، وكما يشهد سجل التاريخ ، والوقائع المعاشة ، يمكن لمشاجرة بين حيّين ان تتحول الى حرب اهلية تؤدي الى تمزق البلاد ومسيل انهار من الدماء بين ابناءه . وكذلك ثمة امثلة تاريخية على انهيار عواصم ممالك وامبراطوريات واسعة تحت ضربات جماعات منظمة صغيرة . وثمة امثلة ، اخرى ، معاصرة ، على تحول تظاهرات مطلبية محدودة الى حراك سياسي جماهيري يستقطب قوى شعبية تحوله الى ثورة لا يمكن السطيرة عليها فتطيح بسلطات وانظمة لم تكن تبدو لتهتز امام اعتى العواصف !… وكل هذا وغيره مما سبق ، مرهون بما يختزنه الظرف الاجتماعي القائم من عوامل وما تجره اللحظة القائمة من تفاعلات وما تقود اليه موازين القوى وتغيراتها في كل ساعة من مآلات . واذا كانت الامور، كما يقول المثل ، بعواقبها او خواتيمها فأن هذه العواقب والخواتيم هي نتائج لما لا يقع تحت حصر من هذه العوامل .

4- في عشية تشرين 2019، كان الوضع الاجتماعي يمور بكل ما يمكن ان يؤدي الى ثورة عاصفة لا الاحتجاج فقط ، وكان الانسداد السياسي قد بلغ مرحلة لم تعد معها المظاهرات المطلبية والاحتجاجية الصغيرة ، المزمنة ، في ساحة التحرير ، مجدية او تشكل شيئا من التنفيس المجدي لحالة الاحتقان ، وقد تركها ، يائسا ، في الواقع اكثر المتحمسين الحقيقيين لها ، لكن هذا الوضع ، والذي ، يوصف في ادبيات مرحلة مضت ، منذ فترة طويلة ، من الادب السياسي بالوضع الثوري لا يتفجر لوحده ولا بد من قادح ، لا بد من عود الثقاب لكي يتفجر عاصفا بكل ما يختزن من مرارة ومعاناة طوال سنين عجاف من التبعية والهيمنة والظلم والفساد والفشل والدوران في حلقة مفرغة من عدم القدرة على تقديم اية حلول واقعية للمشكلات الحقيقية المتفاقمة وتقويض اسس ونهب الثروة العامة … الخ مما لم يعد فيه قولٌ لقائل .

5- اذن من اشعل عود الثقاب ؟! وما الذي كان يريده ؟ وهل كان في تصورة او تخطيطه ان تحدث كل ما حدثت من تداعيات ام ان الامور قد خرجت عن السيطرة ولم يعد بالامكان توجيهها او تحديد زخمها ومآلاتها ؟ وهل خرجت عن السيطرة فعلا ، ام آلت الى النتائج المرجوة من قبل البعض من خطط ودبّر ، بالفعل ..

6- في تناول الحدث التشريني ثمة توجهان يطغيان على ما عداهما ويشكلان محورين رئيسيين في تناول هذا الحدث : الاول هو الذي يرى في احتجاجات تشرين حدثا ثوريا معجزا تجاوز فيه العراقيون انفسهم ويسبغ عليه من صفات الثورية والعفوية والاستقلالية والوطنية وربما حتى الوعي ، الكثير مما ليس له ، وانه انتهى الى نهايته الحالية بفعل عوامل شتى خارجية وذاتية ، او انه لم ينته ، على رأي البعض ، ضمن اطار القائلين بهذا الرأي ، ومازال يحمل ممكنات كثيرة ويتقّد مثل جمر تحت الرماد . ويتوجس اصحاب هذا الرأي من النقد ومحاولة فحص الحدث بما له وما عليه ويشككون في اغراضه . اما الثاني فينظر الى الحدث على انه مجرد مؤامرة نهضت بها مراكز وصفحات وقوى واشخاص ، ذات مصالح مختلفة ، ولكنها في عمومها معادية لمصالح الشعب العراقي و برعاية وتمويل من السفارات الغربية وبعض الانظمة العربية الموالية ويرون في تشرين و ” التشارنة ” شتيمة ومثلبة في السلوك والوعي والنتيجة !

7- ان كلا الموقفين ، او الرأيين ، باعتقادي ، ينظر الى الحدث التشريني متجاهلا ما تؤكده وقائع ودروس التاريخ ، مما اوردناه في الخلاصات والامثلة في 1و2و3اعلاه من ان اي حدث اجتماعي ، لا تتقرر هويته عند بدايته او كيفيتها فقط وانما في تطوراته وتداعياته وكذلك في مآلاته ونتائجه النهائية .

(وللحديث صلة …. )

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here