مفاسد المصالح وراء تكليف الكاظمي وستبقى سببا لأستمراره

مفاسد المصالح وراء تكليف الكاظمي وستبقى سببا لأستمراره

مزهر الساعدي

[email protected]

بعد تردد طويل في كتابة هذه المقالة المتعلقة بتكليف السيد الكاظمي لرئاسة الوزراء، خوفا من ان يحسب البعض انها تقع ضمن التسقيط الشخصي ، الا ان الحقائق والواقائع التي بانت ولمسها الكثير هي من حسمت هذا التردد ورأيت من الضروري مشاركتها مع الناس لكي يبان زيف الشعارات التي يطلقها الكثير من قادة الكتل والاحزاب وليتبين للجميع اننا نقع تحت براثن عصابات تستأسد علينا كشعب لكنها راكعه امام الجهات الخارجية ، ولا هم لها غير السرقة والسرقة فقط ، لا يردعها دين ولا ضمير

كلنا يتذكر تلك المسرحيات التي رافقت التظاهرات بصدد اختيار رئيس وزراء بعد اقالة حكومة عادل عبدالمهدي ، وكيف كان التسقيط للشخصيات الواحدة تلو الاخرى في مراهنة على عامل الزمن لانهاء تلك التظاهرات ، كل ذلك كان يجري بتخطيط ومشورات خارجية تتجاوز امكانيات الاحزاب والكتل الذهنية ،

لكن خلف حملات التسقيط والترشيحات المتلاحقة هذه كان هنالك ماراثون نقاشي يجري لفرض الكاظمي من قبل اميركا رئيسا بديلا لعبدالمهدي وبين بعض الكتل التي بدأت بوقت سابق بمغازلة الجانب الاميركي وأرسال اشارات له بخروجها من العباءة الايرانية واستعدادها للألتحاق بالقطار الاميركي طمعا بمكاسب سلطوية وأمكانية ان تكون لها اليد الطولى في تشكيل الحكومة المقبلة ، طبعا ليس حبا ببناء العراق ، سيما وان هذه الاحزاب والكتل كانت شريكة في كل الحكومات الماضية وان شبهات الفساد تطال جل اعضاءها ، لكن الامر يتعلق أما بتصفية حسابات مع اطراف سياسية اخرى أو الاستحواذ على اكبر قدر ممكن المغانم ، وعراب هذا الماراثون هو حامي الدستور برهم صالح ، وبوساطة خليجية بطلب من قبل تلك الاحزاب والكتل

اما لماذا اختار الاميركان مصطفى الكاظمي ، فأنها جاءت نتيجة لمعرفتهم التامة بطبيعة شخصيته التي تميل لتنفيذ كل ما يطلب منها من اجل الموقع والشهرة وأسلوبه في ارضاء الجميع حتى ولو على حساب كرامته الشخصية ، لذلك رأوا فيه الشخص المناسب للمرحلة لجني ثمار غزوهم للعراق بعد طول انتظار وأن الفرصة الان مؤاتية بسبب عمق الخلافات الشيعية الشيعية بشكل واضح بسبب الصراع على السلطة والمال مما ادى الى ضعفهم امام القوى الداخلية وكذلك الاقليمية والخارجية ومما ادى الى فقدانهم التاثير في محيطهم المذهبي ، أضافة الى زيادة النفوذ الايراني بشكل واضح وتأثيره الكبير على ساسة الشيعة والكرد والسنة مما سيجعل تحقيق مصالح اميركا مستقبلا صعب ومكلف للغاية ،

الكتلتان اللتان كانتا تتفاوضان عبر وسطاء خليجيون هما الحكمة وسائرون ، ولكل منهما هدف الوصول الى رئاسة الوزراء، فالكتلة الصدرية التي لها جمهور واسع تخشى الفيتو الاميركي على تسلمهم المنصب ، نتيجة عدم ثقة الاميركان بنوايا السيد مقتدى وتقلبات مواقفه ، اما عمار الحكيم المعروف بلعبة مسك العصا من الوسط فقد ادرك ان تلك السياسة لا توصله الى هدفه وهو منصب رئاسة الوزراء الذي لا يزال يعتبره استحقاقا حزبيا وفق اتفاق سابق افضى الى تكليف المالكي في رئاسة الوزراء عام 2006 على امل ان تكون الثانية من حصة آل الحكيم وقد صرح بذلك ابو رغيف احد اعضاء مكتبه عندما المح الى ان الحكمة لم تستلم رئاسة الوزراء ، ولأن رصيد الحكمة الجماهيري رغم كل الدعايات المكلفة لا يداني الكتلة الصدرية ولا دولة القانون او الفتح ، فلابد من سبيل اخر لتحقيق تلك الامنية ، فحاول ان يكون له حضورا في احتجاجات تشرين ، الا انه رُفض لكونه شريكا في كل الحكومات و جزءا من منظومة الفساد ، ولم يجد مناصا غير ان يستمر في لعبة اخرى قد بدءها قبل سنوات وبالتحديد عند انفصاله من المجلس الاعلى وتكوين كتلة الحكمة التي تبيح له ان يتحرك بحرية اكثر بعد خلاصه من الحرس القديم والاتيان بشباب طوع بنانه ، وهي أستمرار طرق ابواب دول الخليج مبتغيا الوساطة مع الاميركان لكونهم اصحاب القول الفصل في المنصب الاهم في العراق مقابل ضمانات منها الغاء الحشد الشعبي والحد من التأثير الايراني واستبداله بعلاقات متميزة مع تلك الدول وأعطاء الاميركان الافضلية في التعاقدات وخصوصا في المجال النفطي والكهرباء ، وقد سبق لعمار ان كلف عام 2017 الكاظمي باعتباره مقرب من الادارة الاميركية وصبيها المعول عليه لتنفيذ اجندتها لتلطيف الاجواء مع الاميركان والغاء نظرية ان المجلس الاعلى وآل الحكيم أيرانيوا الهوى، وقد أكد هذه التوجهات بليغ ابو كلل احد ناشطي الحكمة قبل ايام مع عدنان الطائي ان يركان حلفاء واصدقاء للاميركان جليا موقف الحكمة من الاميركان عبر تصريحات ابو كلل بوصفه الاميركان اصدقاء وحلفاء ليس الا .

لذلك لم يكن غريبا ان يكون الفاصل الزمني بين الترشيح والموافقة على الكاظمي لا يتعدى ساعادت معدودة على عكس المرشحين الاخرين ، رب سائل يسأل هل كان العامري وهوالطرف الثالث المؤيد للترشيح كان ضمن الجهود المسبقة لكتلتي سائرون والحكمة سيما وان الفتح التي يترأسها تتهم الكاظمي بضلوعه في عملية اغتيال سليماني والمهندس ، والجواب قطعا لم يكن ، الا ان ايران اوعزت للفتح بابداء عدم الممانعه بعد ان ايقنت ان ترامب يفرض مرشحه ، رغبة منها لتخفيف حدة التوتر مع اميركا مع الزام الكاظمي بتكليف الاعرجي لاحد التشكيلات الامنية ، كما ان العامري اضاف شرطا اخر وهو ان يكون ناصر الشبلي العامري وزيرا للنقل في التشكيلة الوزارية، لقرابته منه وليكون امينا على المصالح

وحال التكليف أبدى الكاظمي اندفاعا مفضوحا دون ان يضع لحسابات الحكمة والاتزان في السلوك والتصرف باتجاه ارضاء اميركا حتى انه في اول زيارة لاميركا مدح ترامب واثنى على جهوده في القضاء على داعش مما دعا الاخير الى تنبيهه ان الامر كان في زمن اوباما متناسيا دماء العراقيين التي اسيلت لتحريرالمدن من براثن داعش، ثم توالت خيباته خلال مواجهاته مع بعض الفصائل المسلحة طبقا لاوامر اميركية ، الا انه عاد واعتذر او اطلق سراح ممن اعتقلهم ، والغريب ان بعضا من هذه المواجهات كانت تنقلها وسائل اعلام اميركية وغربية قبل المحلية

ولبيان الامور المهمة التي اوكلت للسيد الكاظمي لأنجازها خلال فترة توليه رئاسة الوزراء للفترة الانتقالية وأحتمالية استمراره بالتكليف لما بعد الانتخابات وفق تعهد من بعض الكتل الشيعية والكتل الكردية والسنية ،

1- بيع اصول الدولة المهمة مثل الطاقة وفتح الباب للأستثمار في حقول النفط وجعل اهم مدينتين نفطيتين في العراق وهما البصرة وكركوك مناطق حرة للأستثمار ، وقد ضمن هذه الجريمة بحق الشعب العراقي في مسودة موازنة 2021 ، على البرغم من ان حكومته هي اشبه ما تكون حكومة تصريف اعمال مهمتها الاعداد للانتخابات المبكرة ،

2- المضي قدما في التهيئة للتطبيع من خلال سلسلة من الخطوات السياسية تضمنت التقارب مع دول الخليج والابتعاد عن المحور الايراني ، وبعث أشارات طمأنه ان لم تكن هنالك اتصالات سرية وسيأتي اليوم الذي تتوضح فيه طبيعة تلك الاتصالات ، ومع ان الشعب بأكمله مع مبدأ التقارب من اجل مصلحة العراق اولا والابتعاد عن سياسة المحاور التي تضر ولا تنفع العراق ، وأن العراقيين في غالبيتهم يرفضون تدخل الاخرين في شؤونهم وتكليف من المسؤولين دون رغبتهم ، ويرفضون ان يكونوا مع طرف ضد طرف اخر ويختارون مصلحتهم اولا في علاقاتهم مع الاخرين

3- ان يكون العراق مصدر تمويل لبعض متطلبات الادارات الاميركية ، فبعد ان اُثقلت اميركا بصرفيات الحروب حول العالم ومع استمرار التزامها بمنح الدول السائرة في فلك سياستها الاموال سنويا ، فانها وجدت في العراق الدولة الغنية نفطيا مصدرا لتمويل تلك المنح اسوة بدول الخليج التي اختصت بتمويل الجماعات المسلحة في فترة ما يعرف بالربيع العربي ولا تزال ، والشام الجديد ، الاسم البراق لآخر تقليعه اميركية التي اوجبت على ان يقوم العراق بتمويل مد انبوب نفطي الى الاردن ومصر واقامة مصافي نفطية وتزويد محطات توليد كهربائية هناك وتنفيذه من خلال تحمل العراق قرض سيادي قيمته 45 مليار دولار اميركي ومن ثم بيع نفطه باسعار تفضيليبة تقترب من نصف السعر المعلن من قبل اوبك على ان يلتزم العراق باستيراد الكهرباء والمنتجات النفطية من تلك المصافي ومحطات الكهرباء، اي بين مزدوجين ان لا يفكر العراق اطلاقا باعادة بناه التحتية في بناء محطات توليد كهرباء ومصافي نفطية حتى لا يستفاد من بيع نفطه للتنمية وجعل العراق بلدا عاجزا عن الرقي حتى الى مستوى الدول الافريقية الاشد فقرا ، وطبعا في البدء سيكون المعلن الاردن ومصر ثم لاحقا اسرائيل وسوريا بعد تغيير نظامها السياسي لكي تنتفض لبنان وتلتحق للمساهمة بالنهب لثروات العراق ، الكاظمي سيمضي قدما بهذه الخطوة لانه لا يرقض اي طلب اميركي اطلاقا ، وهذه ستكون وصمة عار في جبين كل سياسي التزم الصمت ووصمة عار لشعب ارتضى معادلة يخسر فيها ثرواته، اما الكاظمي فليس جديدا عليه مثل هذه الاعمال ، فقد سبق له وان اشترك في تسليم ارشيف الدولة العراقية الى الاميركان ،

4- المحافظة على الحالة الكردية وجعلها مستثناة من النظام السياسي وغير ملتزمة بالدستور من خلال السكوت عن عدم التزامها بتسليم وارداتها المالية الى الحكومة المركزية مع وجوب تدفق الاموال التشغيلة لادارة كردستان المستقلة ، وذلك كمكافئة من الاميركان لالتزام قيادات كردستان في تنفيذ الاجندة الاميركية في المنطقة

5- منع التفكير بان يكون العراق قويا ومستقلا من خلال جعل القوات الامنية بجميع صنوفها تخضع للتوافقات في الادارة وفق محاصصة فاضحة تتعدى الحزبية والمذهبية والعرقية لتكون حصص للأشخاص كما تم ذلك من خلال موافقة الكاظمي لتدخلات الحلبوصي في الامن الوطني والمخابرات مع ان سلطة الاخير تشريعية ، الا ان الامر مفروض اقليميا ودوليا

وما خفي كان اعظم

ونتمنى ان لا يستمر تكليف الكاظمي أنقاذا للعراق وشعبه من مستقبل مجهول يزيد معاناته المستمرة منذ اكثر من اربعين سنة ، وأن ما يجري من تلميع لشخصية الكاظمي داخليا من خلال سيطرة الجهات الداعمة له على الوزارات والقرارات المهمة ، اما عربيا ودوليا ، فأن الاثمان بدت واضحة وجلية وبشكل علني خلال أستجداء العراق للقمة الهزيلة الاخيرة التي لا يُعرف لغاية الان مغزى عقدها وماهي نتائجها على الوضع العراقي ،وما اشيع من احالة عقد اثار الكثير من اللغط والشبهات الى شركة توتال الفرنسية الا مثالا من عدة امثلة اخرى والذي كان سببا لحضور ماكرون لهذه القمة

والكاظمي في الحقيقة مسكين لطموحات الشهرة التي عرف كيف يستغلها مستشاروه المختلفين في كل شيء ،الا ان المشترك الوحيد الذي يجمعهم هو الحصول على المكاسب الشخصية لفرصة لن تتكرر في ان يكونوا بهكذا مواقع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here