نحو  فهم جديد  لمعنى   – القوامة   

نحو  فهم جديد  لمعنى   – القوامة   
  
 
من الحكمة  بمكان  القول   :  إنه  قد  أختلط   في أذهان   الكثير  من  المفسرين   دلالة   و  معنى  (   القوامة  )  ،  ومن غير مواربة  يمكننا القول  إن هذا المفهوم  غدى  في أذهان  الكثيرين  عبارة عن تجسيد  لتلك النزعة الجاهلية  التي تحط  من مكانة المرأة وشأنها     ،  وكلامنا  هنا يتناول  دلالة   اللفظ   بحسب  الصيغ  والسياقات  المعرفية  التي ورد بها   ،   ناهيك  عن إيماننا  المسبق  والذي ينزه  الله جل جلاله   في  ان   يكون  خصيماً للمرأة  أو أن في كلامه  مايحط قدرها وشأنها   (  وإلى  ذلك   نسترعي الإنتباه  )     ، ودائماً  في ذلك  دليلنا  يكون  تلك النصوص الواضحات  والتي  بينا  بعضها  فيما سبق لنا من بحوث  ودراسات   ،  كتلك  التي  تتعلق بالميراث والوصية والحقوق  ،  إضافة إلى جوانب هامة   و كثيرة في بابي  المعاملات  والعبادات  ،  ولذلك نقول :  واهم جداً  من يتخيل إن هناك ثمة  تناقض في كتاب الله   حول هذا الموضوع أو في  غيره  ،   فالله  في كتابه المجيد  دقيق جداً  حين  يخاطب وحين  يقدم الأفكار والرؤى    ،  وهذا  التوكيد  ليس من باب الحماسة  ولكنه   ذلك إظهار وبيان تم  بالتتبع  والرصد  والتحقيق في دلالات الألفاظ  والمعاني    .      
ومن باب الموضوعية  والحيادية   نقول  :  لقد  أثر  في فهمنا  للكتاب المجيد  تلك الموروثات من   المفاهيم  والإعتبارات  الجاهلية  ، التي قدمت رؤية سلبية  عن المرأة ووضعها وحقوقها    ،  ومن ذلك أخذ الكثير من  المفسرين  تلك الإنطباعات  معتبرينها  حقايق ثابتة غير قابلة للنقض      ،   وبناءا  على ذلك   أعتبرت تلك المقولات تابوات مقدسة   لدى  كثير من أدعياء الفقه  العتيق  ،  و من رجال  دين  من الأخباريين  والسلفيين  ومن على شاكلتهم  ممن تبعهم   على ذلك   . 
  لهذا  نعتقد  جازمين  بان  هذه  الرؤية  المتخلفة   كان لها الأثر المباشر  في  صياغة المفاهيم  والأفكار  في  الثقافة  و الأدب والفكر الإسلامي ككل     ،   طبعاً  هذا جانب   وهناك  جانب مضاف  سلكه  بعض من   الخلفاء والسلاطين  الذين  عززوا هذه النظرة الدونية للمرأة ولوضعها  العام   في الحياة     ،  مما  ساهم   بتجريد المرأة  من   دورها   الطبيعي  المُناط بها      . 
  فأصبحت  المرأة بفضلهم   مجرد   نديمة   وغانية   وجارية  وقينة    ،  وأنتفى دورها   وماخُلقت  لأجله من أعمار وتنمية وبناء    ،   ونحن  وفي كل مرة وبقدر مايسمح  لنا به  الوقت  نتابع مسيرتنا  ،  في   كشف  هذا الزيف  وهذا التعدي  من قبل تلك الفئات والموروثات   ،   معتمدين  في ذلك   على مانقوم  به   من  عملية  تقويم معرفي    وإصلاحي  نبتغي فيها الرضا والقبول   . 
   وبما  أن هذه   العملية  معقدة   ومثيرة  وتتطلب   المزيد  من الحرص  والدقة والتأني  ،  خاصة في مجال  إعادة تقييم  وقراءة للأوراق والدفاتر  التاريخية  والتراثية  و التي أسست لهذا الزيف  ولهذا الوهم   ،  وتبنته وأدعت  إنه المُراد والمقصود  من قبل  الله  في كتابه المجيد   ،  ولكن  لا ضير مادام  الغاية  من ذلك  تنزيه  الكتاب المجيد   أولاً   مما علق به   من تلك  المخلفات  والسلبيات   و التي  أساءت  للمرأة  ،   فغدى  حالها  كما هو  معلوم  اليوم   في  حاضر كل   المجتمعات   الإسلامية  والعربية           . 
 
 
أقول :    من أجل هذا  ومثله  دعونا    نستحضر  كتاب الله  ونقرأ  نصوصه   بتأمل وتدبر تامين  ،   ثم   نحكم  على ضوء  الواقع  والعلم  مُراد  الله ومقصوده     ،    فالنص الذي جعلناه عنواناً لبحثنا  هذا   ، أعني  النص 34  من  سورة النساء    ،    يجب ان  ننظر  إليه   في سياقه  الموضوعي  الذي جاء  أو نزل  به     ؟   ،  ومن ثم نتعرف  على  ما  يُراد   منه   ؟   ،   وكيف زُج به  في هذه  المتاهة  على  غير  معناه  ومقصوده    ؟     . 
 وتعلمون إننا ملتزمون  بالقاعدة   العلمية  والأصولية  والتي  تقول  :  (   أن  ليس  في كتاب  الله  المجيد   أي ترادف   ،  ولا  فيه  أي  تأويل   قهري  مخالفاً  للواقع   )    ،   ويؤيد ذلك  لسان العرب   فيما  يؤكده ويشير إليه   ،   في تحديد  طبيعة  الألفاظ   ومعانيها  على نحو  دقيق وصارم    . 
  فعلى سبيل  المثال    :   حين يستقدم   النص  لفظ  –   الرجال  –   فهو  يستعمله   بصيغة  الجمع   معرفاً  بالألف واللام    ،   وفي هذه الحالة  نعرف إنه يريد  به  الحصر والتخصيص   ،   أي تخصيص الرجال بمعنى الذكور حصراً    ، وبالتقابل   يكون  كذلك   لفظ  –  النساء  –  حين يكون   مصحوباً بالألف واللام   ،  فيكون  دالا  على   خصوص  معنى  الإناث    ،   ولكن  حينما  يأتي  لفظ    –  رجال  –  منكراً   نعرف إنه  يدل  على  العموم   (  أي   الذكور والأناث  معاً  )      ،  ولغة العرب  لم تغفل  هذه الحقيقة  حينما أعتبرت   اللفظ   مشتقاً    من معنى السير  والحركة   والقيام   –  كذلك قال   صاحب  القاموس  المحيط   –    ،  وبناءاً  على هذا  جرى سريان هذا اللفظ حكماً  على الذكور وعلى الأناث   ،   قال  الكسائي :  هو  بيان  لصفة  الحال وليس بيانا  لصفة  الجنس   ،   قال تعالى   : –  رجال لا تلهيهم  تجارة ولا بيع عن ذكر الله –   النور 37  ،  و لفظ رجال  هنا   دال  على  –  العموم –     ذكوراً  وأناثاً   معاً      ،  والدليل  في الخطاب  وحدة العبادة   التي هي القاسم  المشترك  المتعلق  بالذكور والأناث  على نحو  الهيئة والمقام     ،  ومثل ذلك  قال تعالى   :  –  وأذن في الناس في الحج يأتوك رجالاً –  الحج  27  ،  فالحج   فريضة واجبة  متعينة عند توفر شروطها   على الذكور وعلى  الأناث معاً   ،  بدلالة  معنى الخطاب  في قوله     –  رجالاً –  ولم يقل الرجال    . 
  ونقرأ   في سياق تعريفي أخر   قوله  تعالى : – وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم –  الأعراف 46  ،  و الجملة  الخبرية  تعريف  بحال   رجال  –  الأعراف  –   الدالة على   معنى العموم  للذكور والأناث  معاً    ،  ومقام  الجملة   الخبرية  هو  بيان طبيعة عمل هذه الجماعة  من البشر ،  والتي من مهامها   :  –  التعرف  على أصحاب النار وأصحاب الجنة   من الموضع  الذي  جعلوا به   –   . 
  ويدلنا  لسان العرب  على ان  مصطلح  – الأعراف   –   أخذ  من    –  العرف –  : –   وهو  العلامة الفارقة   أو هو  الهيئة  أو   الصفة  و التي يتميز بها كل واحد  عن غيره  –    ،  ولذلك  سُمي ما  يعلو   رأس الديك  عرفاً   ،  ومن هنا جاء   وصف   –  رجال الأعراف –   في الكتاب المجيد  : –   بأنهم من يقفون بموضع يجعلهم قادرين على التعرف على غيرهم بسيماهم  –   ،   فهم في موقف يكونون  فيه  أكثر قدرة وهيمنة  ،  قيل : (  بإعتبارهم يرون من أعلى    )   ،   وقد ورد  مصطلح  –  رجال الأعراف –   في الكتاب المجيد   بموضعين   من سورة الأعراف   ،   ولا ريب  إن  لفظ الأعراف  وظف  في الأدب الإجتماعي   معبراً  عما يستقر عليه عامة الناس من تقاليد ونواميس ، والتي  سموها أعرافاً  والمشرع الإسلامي  أخذ من العرف  هذا  ما أعتبره محققاً للغرض الشرعي  في الإستحباب أو الكراهة  ،  طبعاً هذا يكون مع تعذر الدليل  النقلي  في هذا المجال المتعين   . 
  ونعود  للقول  :   بأن لفظ  –  رجال  –  إن كان هكذا منكراً  دل على العموم  ،  وإن كان معرفاً  دل على الخصوص    ،  وملاحقة  هذا  الفارق  يسهل علينا عملية الحكم   والإفتاء    ،  فحين يقول المولى تعالى   :   –  الرجال قوامون على النساء –    نفهم   منه أولاً   إن الرجال هم الذكور هنا   ،  ولا يدل اللفظ  على  العموم   لأن دعوى الإطلاق  والعموم    تحتاج   إلى دليل  خارجي  يعضدها  ،   إذن   : –  فمن الوهم تركيب المعنى بحسب التأويل الظني  ،   والذي لا يستند  على  دليل أو قرينة  دالة  عليه –     . 
 وحينما   يأتي الكتاب المجيد   –  باللفظ منكراً   –   و يريد به الخصوص   فهو  يأتي معه بالقرينة  الدالة عليه    ،  كقوله  تعالى : –  ولولا رجال مؤمنون  ونساء مؤمنات –  الفتح  25  ،  فجعل   الإيمان  قرينة للحصر والتخصيص    ،   ولكن  لماذا  نلاحق   هذا التفريق  ؟  والجواب  يكون  على النحو الآتي    :  –   لنتفق ان لفظة  رجل المنكرة  هي ليست أسماً  للذات    ،   إنما  هي أسم صفة لما يوصف به من يكون حاله كذلك   –   ،  فالذكر كما الأنثى من صفاتهم العامة إنهم يمشون أو يسيرون على رجلين ،  ومنها أخذ  هذا المعنى ليكون الموصوف به هذا النوع من البشر  ،  ولكن حين  تعرف هذه الصفة فتكون دلالتها على المتعين حصراً  ، أي حين يقول الله : –  إنكم لتأتون الرجال شهوة دون النساء –  النمل  55 ،  فالمعنى   يكون  واضحاً  بدليل المفارقة   والمباينة   ،  أي إن هذا الفعل يذهب على النوع ذاته وليس لما خلق من أجله  ،  والتنويه في منع الفعل  معلوم  بالفطرة وما يقول به العقل السليم   . 
  هذا عن الرجال فماذا عن النساء ؟  ،    إن   لفظ  النساء    إن جاء   معرفاً   بالألف واللام    فيدل  على   معنى  : –    المرأة الأنثى –     ،   ولا يصح   القول  في هذا المقام   :   بأن  النساء  تأتي من  النسيء  الذي هو الزيادة  أو هو التأخير    ،  على وزن فعيل   حين  يكون  مصدرا   ، قال تعالى  : – (  إنما  النسيء زيادة في الكفر )  –  التوبة 37  ، فهذا  القول   لا يستجيب  للمعنى الذي يتحرك فيه النص  ويريده  ،  والتعليل المتأخر  بأن  النساء إنما سميت  كذلك   لأنها تأخرت في الخلق  من بعد خلق الذكور ،  تعليل  متهافت  لا يصمد  امام  البحث والتدقيق  ،   بدليل أن  الإناث  لم تأت  متأخرة  من جهة  الخلق   بعد الذكور  ،  والمعلوم  من جهة النصوص  والآيات  المجيدة  :  إنما تحدثت عن  خلق  آدم   المتكون   من ذكور وأناث   ،  فإطلاق لفظ آدم يصح  على الذكر وعلى الأنثى  ،  بإعتبارهم  وحدة واحدة  غير مجزئة أو منفصلة     ،   قال تعالى : –  إنا خلقناكم  من ذكر وأنثى –   الحجرات  13  ،   وقال تعالى : –  وبدأ خلق الإنسان من طين –  السجدة 7  ،  وقد ورد  في  خطبة الوداع   قوله  : –  كلكم لآدم  وآدم من تراب –    بصيغة الجمع    ،  أي إن الخلق في أصله عبارة عن مخلوق واحد أو من جنس واحد  متشكل  من  ذكور وأناث  وبأصناف وألوان متعددة     ،  وآدم   هذا  كما قلنا هو  أسم جنس  يشمل  الذكور والأناث  على حد سواء  ، فهما  إذن  من مادة  واحدة  ومن خلية  بايولوجية واحدة   ،  ففي بداية الخلق  تكون الذكورة والأنوثة مختلطة  ،  وبالإنقسام بعضها عن البعض الأخر تتكاثر  فالحيوان المنوي في الذكر يحتوي على الذكورة والأنوثة معا (  سالبة وموجبة )   .  
وليس هناك  ثمة  تناقض   في الخلق  بينهما   ،  فلا   آدم  خلق   حواء  ولا حواء خلقت من ضلع  آدم   ،    وكل  تلكم  المرويات   إنما هي زيف عابر  جاءنا  من  أهل الكتاب  ومروياتهم   ،   ولم أجد فيما أعلم ذكر للفظ    –  حواء –  في الكتاب المجيد  ولا في غيره  من الكتب العلمية المعتبرة   ،  وأما القول  :  بأن  الإناث   جاءت في الخلق   بعد  الذكور  ،   فهذا القول  لا يعتد به ولا يعتنى به  وهو  مردود  من جهة  النص والإعتبار   ،  والأخبار الواردة في هذا الباب   إنما  هي  مجرد  أوهام  وخرافات  لا تصمد أمام النقد والتحليل        . 
  
بعد  هذا البيان  الذي قدمناه  سنبحث  الآن   معنى   – [  و مفهوم القوامة  ]  –  الذي ورد في النص 34 من سورة النساء   قوله تعالى : –   الرجال  قوامون  على النساء …  بما فضل الله  بعضهم  على بعض …  وبما أنفقوا من أموالهم   –   ،   والأصل  في  القوامة    من الفعل –  قام  –    والذي هو  فعل  ثلاثي  دال  على ما يوصف  به  الشيء  أو ما يقع عليه  ،  فنقول :  قام   فلان بكذا  ،  ونريد بذلك  :   معنى  أنجزه وأتمه  وأصلحه  وحافظ عليه  ،   و  – القيام –    نقيض القعود   ومنه   جاء   معنى  القيامة   قال أبن حزم    ،   ومن ذلك  نفهم  معنى  كلمة   المجاهدين  في  قوله تعالى : –  فضل  الله المجاهدين على القاعدين  درجة – النساء 96    ،  والدالة  على من يقومون  بالأمر ويتصدون   له   ،   و في  السياق ذاته    نفهم   كذلك    معنى قوله عليه  السلام : –  الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا –  ،  وكذلك  قال الكتاب المجيد  بلسان  العرب    :  – الرجال قوّامون على النساء  –  وهو  يعني   الحال والصفة   ،  سواء أكان مضافاً  أو معرفاً  أو معللاً   كما  يظهر   في  قوله  تعالى    :    (  بما  فضل  الله بعضهم على بعض  )  ،  و دلالة     –  بعضهم  –   في الجملة  تكون  شاملة  للذكور والأناث معاً    ،   ولا تعني الرجال بحال  ولو كان ذلك كذلك    لقال –  بعضهن  –  ،   إذن  فالقوامه  المتعينة  تتضح   بهذه  الجملة البيانية   ومابعدها   ،  أي إن ملاك  القوامه  ليس حالة قهرية  إنما  هو ذلك الشيء الذي يكون عند   كل واحد منهم  وبما  يحتاجه الأخر ويريده   ،  والفضل  نقرئه  بالإستدراك اللاحق   كما في  قوله  –  وبما أنفقوا –   ،  ولم أجد  من   أهل العلم   من  قال  بأن  الإنفاق   صفة ذكورية   خاصة ،  أو هي  من خواص الرجال دون النساء  ،    والإنفاق   من الصفات   الموضوعية  المادية  الدائمة الحدوث  في  مطلق  الزمان والمكان . 
  نعم   إن  مفهوم  –  القوامة  –   متعين وظيفياً  و عملياً   على من  يقوم  به  من غير تحديد    ،   ومقتضى صحته تكون   مع   توافر شروطه  الموضوعية   التي تجعله  ممكناً   ، وبدون ذلك  يسقط   – مفهوم القوامة  –  من الإعتبار       ،  ويساعدنا   النص 17  من سورة الإسراء في   توضيح   هذه الدلالة  وبيانها    قال تعالى  :  –  أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا –  ،  فالتفاضل يرتبط   جدلاً  بصحة العمل وبالقدرة  و بالصلاحية ،   والقدرة  :  هي  من الصفات  العامة التي تصدق  على  الرجال وعلى   النساء   . 
 ثم إن التفاضل الطبيعي يكون في  إنجاز المهام   وجودتها   ، سواء أكانت  هذه المهام   فكرية أو علمية أو معاملاتية  عامة   ، وقد بيَّن  الكتاب المجيد   ذلك   في قوله  –  وبما أنفقوا  –   ، أي   بمن لديه هذه القدرة والإمكانية  من الإنفاق   ، والإنفاق من الشؤون النسبية التبادلية والتي لا يصح  فيها الإحتكار ،  بحيث تكون مجعولة فقط  للرجال دون النساء  ،      وهذا المعنى   واضح  جلي  لذلك  بيَّن   الله   مفهوم الفضل  بقوله   هذا  – [  بما أنفقوا  ]   –  ،   ومعلوم إن دلالة حرف –  ما –    يفيد  الإطلاق  هنا   وليس الوصل   ،  أي بمن  يقوم بذلك    ويتولى الإشراف عليه ، فالذي يكون  قادراً   على حماية الثروة من التفريط  ،   وقادرا   على  توزيعها بالشكل العادل  هو من تجب  عليه  قوامة الإنفاق      ،    فالقضية   إذن   لا تدخل في باب التحدي بقدر ما تدخل في  باب  الأولويات   ،  فالذي   بإستطاعته  الحفاظ على الثروة وتوزيعها بشكل عادل  هو من يحق له القوامة   ،   ولهذا  رفض الكتاب المجيد   –  التبذير  و  الإسراف –   على نحو مطلق وعام  ،   وهو في الحالين يعني الرجال  المبذرين  والنساء المبذرات   ولا خصوصية ولاقيد يخرج ذلك عن إطلاقه   ، قال تعالى : –  إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين –  الإسراء 27   ،  كذلك قال تعالى : – وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا –  الأعراف  31   . 
 أقول :   والقوامة  في النص 34  من سورة النساء   تتحدث عن قضية خاصة  هذا بحسب السياق الموضوعي للنص   ،  أي إنها  قضية ترتبط في الإنفاق  المنزلي وضمن البيت الواحد  بين الذكر والأنثى ، ولا علاقة لهذا النص  بالحياة الإجتماعية العامة ، ولا علاقة له   بمفهوم  الإدارة في الشؤون العامة  ،  وليس له علاقة  في  قيادة الحرب و السلام  والقضاء  ، هو إذن مفهوم معين في  قضية خاصة حاكية عن الحياة بين الذكر والأنثى في بيت الزوجية  . 
 أما لماذا  قال النص ذلك   ؟   :  فهذا  يرتبط  بحسب التقدير الأولي  بالقوة الجسمية   والجسدية  للرجال  في تلك الأزمان   ،  أعني تلك القوة التي ترتبط بالعمل الشاق  المضني  ،  والذي كان حكراً على الرجال دون النساء  هذا بحسب طبيعة الأعراف القبلية والطبيعية  آنئذاك   ،  ثم لو دققنا في  لفظ  –  بعض  في النص –   فإننا نجد إن هذا التبعيض نسبي وغير مطلق ودلالته في الإنفاق وبمن يقوم به    ،  وهذا  معلوم بالسليقة والفطرة  أي إن من له القدرة على الإنفاق   ،  فله الفضل   وهو المقدم  على  الآخر .     
 وعليه فالنص يحكي عن مفهوم خاص وقضية خاصة  ،  والمسألة إذن لا ترتبط بقضايا الحياة الإجتماعية   ،  ولا ترتبط بقضايا الحروب والإدارة ، والإحتجاج بها على عدم مشروعية  جواز تولي المرأة الحكم ، إحتجاج باطل وغير دقيق ، وطبعاً هنا علة التفضيل  علة نسبية غير مطلقة  ،  وترتبط وجوداً وعدماً بمن يستطيع الإنفاق والتحكم بالمال بين الذكر والأنثى ، فلو كان الرجل مبذراً وغير قادر على تصريف شؤون البيت وحاجاته ، تنتقل القوامه في هذا المجال للمرأة إن كانت مُدبره وعاقله وقادرة على حماية الأسرة . 
 إذن فالنص أولاً    :  –  لا يتحدث عن القيادة بمعنى السلطة في الحياة العامة –  . 
 وثانياً    :   –   لا يجعل النص ذلك مُقيداً بالرجال على كل نحو بل شرطه ولا زمه القدرة على التحكم في المال وشؤونات البيت الخاصة  ، وملاك الحكم هنا للذكر وللأنثى   على حد سواء  من غير فرق .  
 
وبما إن  ذلك   كذلك  ،   يقودنا هذا الكلام  للقول  :  ليس   من  حق  الرجال  القيام بولاية  المجتمع  من دون  تفويض  و أذن  من المجتمع أعني  الرجال والنساء معاً   ،   ولكن من أين أتت  هذه النزعة   والقائلة  برفض قوامة المرأة على الرجل   ؟   ،    ولماذا  تحكمت  هذه النظرة  في المفاهيم  والمدارك العامة     ؟   ،  والجواب :   بكل بساطة   يعود  لنوع الثقافة   التي كانت سادت  عبر الأعصار ،   والتي تحكمت بعقول وضمائر الناس ومشاعرهم تحت بند  الكلام  المعصوم  و المقدس  !!  ،  وقد راجت   في الأوساط  و البيئات  الأقل نصيباً في العلم والمعرفة  ،   كذلك  ويمكن القول :  إنها  إنعكاس لتلك   النظرة الجاهلية التي   تغذي   تلك النزعة   وتتبناها  في أذهان الناس   ،    كما كان   لبعض  رجال الدين وبعض  الكهنة وأعداء المرأة من السياسيين والحكام والطوباويين  من  زعماء  الأقليات  العشائرية  والعصبوية  الدور البارز  في هذا الشأن    . 
  ويجب أن نذكركم  دوماً  بهذا الدور لكي  لا  ننساه  أبداً   ،   دور مشين   نشر وأذاع وروج  لتلك المقولات    وألزم العامة بقبولها    ،   كما في قولهم    : –  إن المرأة ناقصة عقل ودين –  ولكي يعطوا لهذه المقولة  السمجة  القبول  في أذهان  البسطاء والمريدين ،   نسبوا  تلك  المقولات   للنبي محمد وللإمام علي   عليهما السلام   ،   مع علمنا التام   : –  إن عامة الأخبار  ليست صحيحة   سنداً   وغالبها  العام  ليس صحيحاً   دلالة   –  ،  إذ  ليس بين أيدينا  ولا   خبر  واحد   صحيح باللفظ والمعنى  أو هكذا جاء عن النبي   ،    وكل الذي بين أيدينا  عبارة عن  منقولات  فيها الكثير من التحريف والتجديف    ،  والفكر الإسلامي القديم   منه  والجديد  مثقل بذلك    ،   ولم يتحرر بعد  ولن يتحرر  من سطوة هذه  الأخبار وعنفها   ،   وهناك  طيف  من الناس يظنون  بان المُراد من –  القوامة –   هو بهذا التمايز في الخلق بين الرجال والنساء ،   ومع أن التمايز   في البناء الجسدي  حقيقة  واقعة ،   ولكنه  ليس مُعطى لنقرر على ضوئه   مفهوم   –  القوامة  –  ومعناه   ،  وإذا كانت   قوى الرجل  العضلية   في العموم أقوى  من   قوى  المرأة  العضلية    ،  فلا يكون ذلك مدعاة  ليحصل  الرجل  بمقتضى ذلك على القوامة  و السطوة والهيمنة  . 
  وإذا   كان  الرجل  يمتاز بذلك عن المرأة   ،   فهذا  لا يكون  أبداً  في كل المناحي والقوى الأخرى   ،  سواء  الإدراكية والذهنية والعقلية  وفي  طبيعة التفكير  والعلم والمعرفة  ،  ولكم ان تفتحوا سجلات الحياة   من الماضي والحاضر لتتأكدوا صدق ذلك  ،  وإذا كان السيوطي  قد روج لخبره   الكاذب  عن النبي  في قوله   : –  ما أفلح  قوم ولوا أمرهم إمرأة –    ،   فالخبر  باطل من جهة  نسبته  للنبي  وباطل في معارضته لكتاب الله المجيد  ،  الذي أمتدح  المرأة بشخص ملكة سبأ  ،  وكيف  أنها كانت  تقود قومها نحو الإيمان والسلام  ،  وإن دل هذا على شيء  فيدل  على حكمتها و رجاحة عقلها  ، وهي في  ذلك تسبق الكثير من الرجال بمراتب ودرجات  سواء من  الماضي  أو  الحاضر .    
ويجادل البعض  في رفض فكرة قوامة المرأة على الرجل  من خلال   قوله تعالى   :  –  ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة –   البقرة  228  ،  وقد ظن البعض إن في إطلاق جملة   –  وللرجال عليهن درجة –  إطلاقاً  عاماً    يمكن الإستفادة منه في قضايا الإدارة والسلطة والحكم ، ومادام ذلك كذلك فإن المرأة لا تكون مُديرة وحاكمة وقائدة ميدان ، وهذا الكلام لا يستقيم إن دققنا في هذا النص وفي بنيته ومعناه ، النص هنا يتحدث عن العلاقة المشتركة بين الزوج وزوجته وحقوق كلاً منهما  على الأخر هذا  من الناحية  الموضوعية  وكيفية  بناء النص  وطبيعته   ،  والنص  إنما  يقول : – إن الزوج حينما  يطلق زوجته  (  في حال الطلاق الرجعي )   تبقى الزوجة في عهدة الزوج من حيث الحقوق وما يجب عليه تأديته لها   –  هذه هي صيغة بناء النص  ، وأما لفظة –  درجة –   فهي  ترتبط  بما  قلناه   عن  طبيعة  الرجل  الجسمانية  ،  وهي طبيعة تكوينة و لا علاقة لها  بالحكم الشرعي  ، وعلى هذا فلايمكننا الإتكاء على هذا النص في رفض  قوامة  المرأة وقيادتها   للمجتمع . 
وذهب نفر من المتفقهة  برفض مفهوم قوامة المرأة للرجل  على ماورد في سورة  الأحزاب   قوله تعالى :  –  وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى –  الأحزاب 33 –  . 
وقد تصور البعض وبما إن الله قد منع نساء النبي من التبرج كما كانت  تفعله  نساء الجاهلية   ،   فكذلك يكون على نساء المسلمين واجب ان لا يظهرن امام الناس وفي الحياة العامة !! ، ولكن هذا التصور غير صحيح بدليل  :  –   إن النص حينما تحدث ومنع نساء النبي من التبرج وحياة الجاهلية   ،   إنما نهى عن الحركات وعن السلوك  غير الأخلاقي الذي يشوه صورة المرأة ككائن محترم وعظيم   –  ،   وليس الكلام في النص   ما   يتحدث عن عدم قدرة المرأة على الحكم وقيادة المجتمع ، هذا التصور بعيد وغير منطقي وخارج عن محل الكلام  ، إذن فالإحتجاج في هذا النص على عدم مشروعية  قوامة  المرأة  على الرجل  إحتجاج باطل  وغير دقيق  ، ونحن نمنعه ولا نلتزم به .. 
هذه جملة النصوص من الكتاب المجيد والتي يعتد  بها الرافضين لحاكمية المرأة ، وهي كما رأيت بعيدة عن محل الإستدلال ومعناه ومراده .. 
  
وأما أراء الفقهاء من السنة والشيعة فهي في هذا الباب على مراتب سنعرض لها حسب طبيعتها : 
الرأي الأول : القائلين بالجواز مطلقاً وهذا مذهب الإمام الطبري المفسر والفقيه المعروف وهو رأي الفيلسوف المجتهد أبن رشد رحمه الله  ، وقد ذهب الإمام أبي حنيفه إلى ذلك وعلى قول . 
الرأي الثاني :  هم القائلين بعدم الجواز مطلقاً ، وهذا مذهب الشيعة وهو رأي الإمام الشافعي ومثله قال الإمام مالك والإمام أحمد . 
ودليل القائلين بعدم الجواز :  هو قول منسوب إلى رسول الله جاء فيه –  … ما أفلح قوم ولو أمرهم إمرأة –  أنظر كتاب المغني لأبن قدامه ج11 ص 380 –  ، والحق إن هذا القول مرتبط بمفهوم الأعم والأغلب ، ولكنه لا يتحدث عن المراة ذات العلم والفكر والدين والتي تفوق في ذلك الرجال ، الخبر لا يقول إن على المرأة ذات العلم والفكر الجلوس في بيتها لأنه لا يحق لها تولي أمور الناس !! ، هذا الأمر لم يتحدث عنه الخبر المتقدم ، ثم إن القول بان المرأة ناقصة عقل وهي لذلك لا تستطيع الحكم وقيادة الناس ، قول مردود  لأن طبيعة العقل لدى الرجال ولدى النساء واحدة وتركيبته كذلك واحدة ، وكمال العقل يرتبط بالعلم والمعرفة والدراسة ، وهذه أشياء مباحة للذكور وللأناث  ، وبالتالي فمفهوم النقص مرتبط بالتعليم وفي ذلك يتساوى الرجال والنساء ،  ثم إن القائلين بعدم الجواز يستندون على قضية شهادة المرأة ووجوب وجود الرجل معها ، وهذه ليست لا زمه بل إن المشرع الإسلامي نفسه جعل الحق للمرأة في أشياء معينة تشهد بها من دون حاجة للرجال ، كما في مسألة العذرية والولادة وغيرها ، لذلك فهذا الإدعاء ليس متين بحيث يمكن الإعتماد عليه  . 
 وقالوا كذلك إنه لم يعهد في تاريخ الإسلام أن تولت إمرأة الخلافة ، وهذا القول لايمكن الإعتماد عليه بدليل إن تاريخ المسلمين في حقيقته هو تاريخ الجاهلية وحاكمية الخلفاء المستبدين الذين ركزوا في المجتمع حكم القبيلة فبنو أمية نسبة إلى أبيهم ، وبنو العباس كذلك نسبة إلى أبيهم ، تاريخ الحكم الإسلامي هو تاريخ الملل والأقوام وليس تاريخ الشورى وحاكمية الناس ، لذلك فلا يعتد بهذا التاريخ وبمن حكم فيه ، وذهب فريق منهم للقول : بان الحكم  من طبيعته ان يكون له علاقة مباشرة بالناس  وبشكل يومي ،  وهذا ممنوع على المرأة التي يجب عليها الستر والحجاب وعدم الإختلاط ولزوم المنزل ، وهذا الشرط يمنعها من تولي أية سلطة في المجتمع !! طبعاً هؤلاء لم يفرقوا بين مفهوم الستر والحجاب وبين مفهوم الأخلاق والقيم اللازمة والواجبة ، الكتاب أشترط على  الرجال وعلى النساء  الأخلاق في الحياة  وهذا هو الشرط الموضوعي الواجب توفره ، ولم يشترط الكتاب غير ذلك وعليه ومن توفرت فيه  تلك الشروط  من الرجال والنساء  ، كان له الحق بالتصدي للقوامة  والقيادة   ، وليس  كما يقول الرافضون لقوامة  المرأة وما تمسكوا به من حجج  واهية . 
 
آية الله الشيخ إياد الركابي  

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here