مابعد الانتخابات .. الفشل المتوقع لـ “الكتلة الأكبر” يُرجّح احتمال إعادة تسمية الكاظمي

من بين أكثر الإشكاليات تعقيدا في مرحلة ما بعد الانتخابات العراقية، المقررة غداً الأحد، التنافس الحاد والخلافات بين الكتل السياسية “الشيعية” في مجلس النواب الجديد على تسمية المرشح لتولي منصب رئاسة الوزراء، السلطة التنفيذية الأعلى التي تستحوذ على الجزء الأكبر من قرار الدولة.

ودفعت الانقسامات المجتمعية بين المكونات الأساسية بعد غزو العراق عام 2003، باتجاه فرض نظام ديمقراطي يقوم على “التوافق الضمني غير المعلن” بين رؤساء الأحزاب السياسية الرئيسية في توزيع الرئاسات الثلاث؛ الجمهورية والوزراء، ومجلس النواب.

ودون إجراء إحصاء سكاني لتثبيت نسبة أي مُكوّن من مجموع سكان العراق، اعتمدت الولايات المتحدة بالاتفاق مع رؤساء الأحزاب الرئيسية من كل المكونات بعد الغزو مباشرة، توزيع الرئاسات الثلاث على اعتبار الشيعة العرب الأغلبية، وتكون حصتهم رئاسة السلطة التنفيذية، وهي الرئاسة الأهم.

أما رئاسة الجمهورية، وهو منصب “شرفي” محدود الصلاحيات، فيعود للكورد، ورئاسة السلطة التشريعية (مجلس النواب) فللعرب السُنّة.

الكتلة الأكثر عددا

وأجرى العراق أربع انتخابات تشريعية بين 2006 و2018، وكان من المقرر أن تكون الانتخابات الخامسة في مايو/أيار 2022، لكن الحركة الاحتجاجية التي انبثقت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، احتجاجا على سوء تقديم الخدمات في مجالات الطاقة الكهربائية والصحة، وارتفاع نسبة البطالة وتفشي الفساد، أفضت إلى إجراء انتخابات “مبكرة” في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

حيث أرغم المحتجون رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، على تقديم استقالته في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، احتجاجا على فشل القوات الأمنية في حماية المحتجين، ومقتل العشرات منهم دون تقديم المسؤولين عن قتلهم إلى القضاء أو محاسبة الجهات التي تقف خلفهم.

ويسبق موعد الانتخابات جدل واسع بين الكتل الشيعية التي تروج كل منها، لأغراض التنافس الانتخابي وكسب الجمهور، على أنها الكتلة التي ستشكل الحكومة الجديدة.

ستتجه القوائم الانتخابية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات باتجاه تشكيل تحالفات من قوائم انتخابية مختلفة وصولا إلى تشكيل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” المخولة بتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء.

وبحسب تفسير المحكمة الاتحادية العليا، فإن “الكتلة النيابية الأكثر عددا”، وفق الدستور، تعني الكتلة النيابية التي تشكلت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر، وأصبحت مقاعدها بعد أداء اليمين الدستورية، “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” من بقية الكتل الأخرى.

ولنيل ثقة مجلس النواب، يحتاج المرشح لرئاسة الوزراء إلى تصويت الأغلبية المطلقة على أسماء الوزراء بشكل منفرد، أي نصف عدد أعضاء مجلس النواب زائد واحد (165+ 1).

وأبدت كتل سياسية عدة رغبتها في تسمية مرشحها لرئاسة الوزراء في مرحلة ما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات.

من بين هذه الكتل؛ ائتلاف دولة القانون، الذي يرأسه نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، لدورتين متتاليتين (2006 إلى 2014)، وتحالف “الفتح” الذي يرأسه هادي العامري ، الأمين العام لمنظمة بدر (الجناح العسكري والحليف الأوثق لطهران).

بالإضافة إلى مرشح لم يُعلن عن اسمه للتيار الصدري، الذي تراجع رئيسه مقتدى الصدر، في 27 أغسطس/آب الماضي، عن قراره في منتصف يوليو/ تموز الماضي بمقاطعة الانتخابات.

الكتلة الصدرية وتحديات الفوز

وتروج الكتلة الصدرية إلى أنها من ستفوز بأكبر عدد من المقاعد يؤهلها لتسمية مرشحها لرئاسة الحكومة الجديدة، لكنها تراجعت في الأيام الأخيرة، متبنيةً الدفع باتجاه “المرشح المستقل”، بعد إدراكها صعوبة تخطي مرحلة الحصول على أصوات الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب في حال نجحت بتشكيل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً”، وتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء، وهو احتمال وارد.

وعلى الرغم من التوقعات بحصولها على عدد من المقاعد أكبر من القوائم الشيعية الأخرى ، لكن من الصعب على الكتلة الصدرية تشكيل تحالف يؤهلها للوصول إلى 166مقعدا اللازمة لمنح الثقة للحكومة الجديدة، لأسباب أهمها ثبوت فشل وزراء التيار في إدارة شؤون وزاراتهم، خاصة البنك المركزي ووزارات الصحة والموارد المائية والكهرباء، وهي الوزرات الأسوأ أداءً.

بالإضافة إلى الاتهامات التي وُجهت لسرايا السلام التابعة للتيار الصدري بقتل المحتجين في ساحة الحبوبي بالناصرية جنوب العراق في فبراير 2020 واتهامات مماثلة بتخريب ساحات اعتصام أخرى في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق.

ويعتقد قادة في التيار الصدري إن حكومة ما بعد الانتخابات المبكرة ستكون لرئيس وزراء مستقل.

لذلك من المتوقع أن يواصل التيار الصدري دعمه لتسمية “مرشح مستقل” قريب منه أو من مؤيديه لحرمان الكتل النيابية المتنافسة من فرصة تشكيل الحكومة مستقبلا.

ولا يشترط الدستور أو قانون الانتخابات أن يكون رئيس الوزراء عضوا في مجلس النواب، أو رئيسا لحزب أو حركة أو تيار سياسي.

ولأسباب تتعلق بالخلافات “الحقيقية” بين القوائم الانتخابية الشيعية الرئيسية الأربعة، (الكتلة الصدرية، وتحالف الفتح، وائتلاف دولة القانون، وتحالف قوى الدولة الوطنية)، فسيصار إلى تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا، من تحالف أو أكثر من تحالف ، وتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء في المرحلة الأولى، ولكن في مرحلة لاحقة يبدو متعذرا الحصول على النصاب القانوني ، أي “الأغلبية المطلقة” من عدد أعضاء المجلس الجديد (165+ 1) لمنح الثقة لحكومة رئيس الوزراء الجديد.

فشل “الكتلة الأكبر” فرصة للكاظمي

يعتمد تسمية مصطفى الكاظمي، مرشحا مستقلا لرئاسة الوزراء على فشل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً”، التي سيُعلن عنها في أول جلسة لمجلس النواب وتسمية مرشحها، وفشل هذا المرشح في الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات أعضاء المجلس لمنح الثقة لحكومته الجديدة.

سيؤدي الفشل “المتوقع” إلى اللجوء إلى خيار مرشح “توافقي” من خارج الكتل السياسية ، مع احتمال أكبر لإعادة تسمية الكاظمي.

في بداية وصول الكاظمي ، إلى رئاسة الوزراء، كان الرأي السائد أنه جاء ممثلا للحركة الاحتجاجية ، التي أرغمت سلفه عادل عبد المهدي ، على الاستقالة بعد عجزه عن حماية المحتجين ، وتقديم المسؤولين عن قتلهم إلى القضاء.

لكن الكاظمي، هو الآخر فشل في تمثيل المحتجين وحماية الناشطين، الذين زادت عمليات استهدافهم بعد استلامه السلطة ، مع عجز واضح عن القبض على الجهات التي تقف خلف منفذي عمليات الاغتيال.

قد يكون الكاظمي، رئيس الوزراء الوحيد الذي مرت فترته، رغم قصرها (2020-2021)، ورغم مهامها المحددة ، دون صِدام “حقيقي”، أو خلافات عميقة مع كتلة نيابية أو أكثر.

وأجاد الكاظمي، خلق حالة توازن بين علاقاته الوثيقة بإيران وقادة “الفصائل المتنفذة” في الحشد الشعبي من جهة ، ومن جهة أخرى علاقاته بعيدة المدى مع الولايات المتحدة ، التي تفاوض معها على الانسحاب من العراق استجابة لإرادة المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران.

البوابة الإيرانية وعدم الاعتراض الأمريكي

ويدرك الكاظمي، وغيره أن تسميته لرئاسة الوزراء لا يمكن أن تمر إلا عبر بوابة مراكز القرار في طهران، وعدم اعتراض واشنطن.

ويحتاج المرشح لرئاسة الوزراء إلى قبول مبدئي من مرجعية النجف ومباركتها، على الرغم من تصريحات ممثليها بعدم التدخل في الشؤون السياسية للبلد.

لكن الكاظمي، سيواجه تحدي القدرة على إقناع الكتل والأحزاب السياسية الأخرى التي ساهمت في تمرير تسميته لرئاسة الوزراء في مايو 2020، وإعادة تسميته لهذا المنصب لأربع سنوات قادمة.

وباتت هذه الكتل والأحزاب على قناعة بأن الكاظمي، في حقيقته سيكون مرشحا عن الكتلة الصدرية، دون إعلان رسمي.

في مقابل ذلك ، هناك احتمالات لزيادة فرص التجديد للكاظمي من خلال الدعم الإقليمي والدولي له ، بعد أن أثبت نجاحه في خلق موازنة في علاقاته الشخصية ، وعلاقات العراق مع كل من الولايات المتحدة وإيران ، وهما فاعلان رئيسيان في تسمية مرشحي رئاسة الوزراء، كما حصل في الدورات الانتخابية الأربع السابقة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here