هل كل العرب والتركمان في كركوك قلقون من عودة “الپێشمەرگە”، وماذا عن مشاعر الكورد في ظل هيمنة “الحشد العربي والتركماني” وسلاحه المُسيّر والمُنفلت هناك؟

هل كل العرب والتركمان في كركوك قلقون من عودة “الپێشمەرگە”، وماذا عن مشاعر الكورد في ظل هيمنة “الحشد العربي والتركماني” وسلاحه المُسيّر والمُنفلت هناك؟
بقلم د. آزاد عثمان
قبل ثلاثة أيام، قال مُراسل قناة “تلفزيون الحرة” بان العرب والتركمان في كركوك قلقون من عودة “الپێشمەرگە” الى المحافظة – للمشاركة في حفظ الأمن وحماية السكان والممتلكات بصورة مُشتركة الى جانب قوات الجيش العراقي وقوات الشرطة المحلية للمحافظة. ولكنه لم يتطرق ولو بكلمة واحدة الى أحوال ومشاعر السُكّان الكورد في المُحافظة، الذين تبلغ نسبتهم، وفقا لنتائج الانتخابات النيابية العراقية، حوالي نصف سكان المحافظة (49،30%)، بالرغم من كل إجراءات التعريب والتهجير السابقة واللاحقة بحقهم. وقد دافعت قوات “الپێشمەرگە”، كما هو معلوم، عن معظم مناطق محافظة كركوك – بعد سقوط قضاء الحويجة تحت سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي، على أثر تخلي الجيش العراقي عنها وفرار قطعاته منها في صيف العام 2014. ومن ثم حمت قوات “الپێشمەرگە” حياة وكرامة وممتلكات كل سكانها بكافة مكوناتها الكوردية والعربية والتركمانية والكلدانية الآشورية والأرمنية والمندائية بدون تمييز لمدة ثلاث سنوات؛ الى أن تمّت السيطرة عليها بالقوة، في أعقاب الهجوم العسكري الشامل وبالتنسيق مع مخابرات وحكومة ايران وتركيا في منتصف تشرين الاول عام 2017، تحت قيادة وبأوامر رئيس الوزراء حيدر العبادي بحجة “تطبيق القانون”، على شاكلة الهجمات العسكرية وتبريرات النظام البعثي، الذي خلق أساساً مشكلة ونزاع المناطق الكوردستانية المُستقطعة من الاقليم بين أعوام 1975 و1996، والتي أصبحت تُسمى في العهد الجديد بمسألة “المناطق المُتنازع” عليها بين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم. هذه الحقائق حول دور “الپێشمەرگە” في الدفاع عن كركوك وحماية أهاليها تَعرفها وتُقرّها المواطنون والمواطنات العرب والتركمان أيضاً، من أصحاب الضمير الحي، الذين لايُمكنهم نُكران الجميل، ولا يوالون داعش ولا يخضعون لهيمنة ايران وتركيا.
وقد تم تثبيت حل قانوني وسلمي لمشكلة المناطق المُستقطعة من الإقليم المُسماة ب”المناطق المُتنازع عليها” في الدستور العراقي، الذي أيّده أكثر من ثلاثة أرباع أهالي العراق في أول إستفتاء حرّ في البلاد. وكان على الحكومة المركزية “الإتحادية” الإنتهاء من تنفيذ إجراءات حل المسألة لغاية نهاية العام 2007! ولكن بدلا من إنهاء تنفيذ حل المسالة سلميا ودستوريا، هاجمت الحكومة المركزية – بعد القضاء على سيطرة داعش بالجهود المُشتركة لل”الپێشمەرگە” والقوات المُسلحة العراقية و بِمُساعدة الحلفاء الغربيين، بقية مُحافظة كركوك وكل المناطق المُستقطعة من الاقليم والمٌتنازع عليها أصلاً بين النظام البعثي الظالم والشعب الكوردي المظلوم لاكثر من ثلاثة عقود من الزمن والمُدافع عنها أو المُحرّرة منها من قبضة داعش، وسيطرت عليها من جديد بالقوة، على حساب الحق والسلام والتعايش المضمون بالحل الدستوري السلمي والقانوني؛ وهذه المرّة بالتواطؤ مع حكومتي دولتين تنتهكان سيادة العراق وحرمة أراضيها منذ العام 2004 باستمرار وعلناً (ايران وتركيا)! وبهذا عقّدت حكومة العبادي المسألة وأعادت بها الى المُربع الأول (كما كان في عهد النظام البعثي المُستبد) وحولتها الى “قنبلة زمنية موقوتة”! ولقد تم التعويض عن قوات “الجيش الشعبي” فيها هذه المرّة بقوات “الحشد الشعبي”، التي أصبحت الجهة (غير النظامية) المُهيمنة على كل أمور المحافظة، وهي مسؤولة عن كل المظالم والإهانات المُرتكبة ضد السكان الكورد في هذه المناطق أثناء الهجوم العسكري وبعده، وتسببت في إستشهاد حوالي خمسيىن فرداً من قوات “الپێشمەرگە”، من الذين دافعوا عن كركوك والمناطق الاخرى بدمائهم الزكية؛ وقد تسبّب الهجوم العسكري لحكومة العبادي في تشريد الآلاف من الأهالي الكورد المدنيين، بعد نهب وحرق بيوتهم ومحلاتهم، خاصةً في قضاء “طوز”خورماتو، التي نفذتهما فصائل “الحشد الشعبي” – خاصة الحشد التركماني (أو بالأحرى الآذري، لأن مايُسمون بالتركمان الشيعة هم في الحقيقة آذريون) وبقيادة ضابط عسكري آذري ايراني لايزال يأتمرها هناك. إضافة الى تحويل هذه المناطق الى أوكار لبقايا تنظيم “داعش”، بسبب عدم قدرة القوات الحكومية النظامية وغير النظامية على حفظ الأمن والاستقرار فيها، كما كانت تفعله قوات “الپێشمەرگە”، الأقل عدداً بكثير، والاكثر عزماً بوضوح، لغاية وقوع الهجوم (الثلاثي) عليهم والغدر بهم في ليلة السادس عشر من أكتوبر 2017، وإجبارهم على ترك هذا المناطق التي دافعوا عنها وحموا أهاليها لاكثر من ثلاثة أعوام، بدلاُ من مكافئتهم ومشاركتهم في الاستمرار بالمحافظة على الامن والاستقرار ومحاربة فلول بقايا “داعش” معهم.
وبخصوص الوضع الحالي، والمؤشرات الآنية والشروط المُتعلقة بالاستعدادات لإنتخابات مجلس النواب العراقي، فإن صيغة إشتراك الأحزاب الكوردية فيها بقوائم مُتعّددة، بدلا من قائمة موحدة، والتي ستسبب في تشتيت أصوات الكورد وضياع مقاعد منهم، يجب على هذه الاحزاب تعويض هذا الخطأ الجسيم، على الاقل بتكوين كتلة مُشتركة بعد الانتخابات. لأن المقاعد، إضافة الى كثرة عددها الاجمالي نسبةً الى نفوس أهالي العراق وبسبب عدم صحّة ودقة تقديرها وفقاً لمعيار مُصطنع “البطاقة التموينية” بدلا من تحديدها بالشرط المطلوب أي إستناداً الى المعيار الصائب وهو الإحصاء، الذي تتهرب من إجرائه الحكومة العراقية منذ أحدى عشر سنة، لأنها تعلم جيدا بعدم مصداقية بيانات تعداد السكان في عهد البعث و مبالغة التخمين طبقاً للبطاقة التموينية لصالح الجهة الحاكمة بصورة أساسية؛ وإيفاءً من الأحزاب الكوردية بواجبها إزاء حل المُشاكل المُعلقّة والمُتعلقة بأمن ومعيشة مواطني الاقليم، وتفعيلاً لدورها في متابعة تنفيذ الحل الدستوري لمسألة المناطق المُستقطعة “المُتنازع عليها” أو بالاحرى “المُختلف عليها إدارياً” – وهي التسمية الأنسب والاكثر واقعية لها؛ وفي سبيل حل بقية المسائل الحيوية المُعلّقة بين حكومة المركز وحكومة الاقليم، بموقف وخطاب واحد فعّال؛ وهذا الأمر أهم بكثير من المناصب الرمزية والمكاسب الحزبية والشخصية في بغداد (بما فيها منصب رئاسة الجمهورية الفخري)، وكذلك من أجل ضمان علاقة سليمة وعادلة ومتوازنة بين الحكومتين (الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم) وتحقيق الضمان المطلوب للأمن والاستقرار في تلك المناطق المغدورة والمهددة من قبل بقايا داعش، ومن قبل أصحاب السلاح المُسيّر من خارج الحدود، خاصةً أصحاب السلاح المُنفلت المَعلوم والمَستوِر، الذين أخذوا يهددون الأمن والاستقرار في إقليم كوردستان أيضاً، و بالذات من هذه المناطق المتأزمة ولغرض مكشوف وسئ. حتى وفقا للقانون الدولي يجب مشاركة طرفي الخلاف أو النزاع في إدارة “المناطق المُتنازع عليها” وفي قوات حماية الأمن والإستقرار فيها، لغاية إتمام الحل القانوني السلمي المُتفق عليه والمُثبت دستورياً، ولحين تجاوز الخلاف الاداري فيها، وبالشكل الذي يُطمإنُ كل الأطراف فيها، في ظل وجود قوات حماية كل الاطراف، وبالصيغة التي تُضمن حقوق ومصالح جميع مكونات السكان على حد سواء، وفقا للاستحقاقات المشروعة وبموجب الدستور المُشترك؛ وليس الانفراد بالإدارة من قبل طرف واحد فقط في هذه المناطق وفي ظل قوات مسلحة نظامية وغير نظامية لطرف معين من النزاع، أي بغدر جديد للطرف المغدور في العهد الغدّار السابق، لأن إستمرار الغدر بحق طرف مغلوب على أمره ومعزول عن قوات الحماية المطمإنة لها (الكورد) وتجاهل حقوقه ومشاعره بهذا الصدد لايُمكن أن يبرّر بقلق طرف آخر أو طرفين آخرين للتهرب من الحل وفي ظل استمرار سيطرة طرف واحد من الخلاف أو النزاع وهيمنة قوات مسلحة خاصة به أو بهما فقط (العرب والتركمان)؛ ولا يمكن لهذا الأمر المُفرّق المفروض بقوة السلاح للطرف الاقوى عسكرياً أن يكون بديلا عن الحل القانوني والسلمي الدستوري أبداً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here