أحباب الجهل ورعاته

*فارس حامد عبد الكريم

الوضع الإجتماعي القائم يعاني من انتكاسة ليست في صالح الثقافة والمثقفين  فقد مضى ذلك الزمن الذي كان يقودهالجواهري ونازك الملائكة والسياب وجواد سليم وناظم الغزالي   … فقد تبدلت البلاد ومن عليها … وكأننا في بلد آخر  وهذه من اسوء افرازات الدكتاتورية التي انهت الوجود الثقافي بكل مظاهره  لتكتمل رسم صورة الجهل لاحقاً وعن عمد

كم كنت حزيناً جداً عندما علمت ان وزارة الإعلام في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي قد اوقفت استيراد الدورياتوالمجلات الثقافية والأدبية والعلمية بحجة الحرب وتكاليفها واستمر ذلك الوضع حتى التسعينيات وبداية الألفية الثانيةمنه بحجة الحصار وهكذا تمت ديمومة الجهل وتربيته

ولاعجب فإن أعداء الثقافة الحرة أحباب الجهل ورعاته دائماً يجدون الأعذار لمحو الثقافة والفن والأدب ومطاردة العقولالتي تحملها حتى آخر نفس.

وأهم الأعذار لمكافحة الثقافة هي الحرب وحماية الشباب والجيل الجديد من الأفكار الهدامة والمستوردة!!!! وقد يستخدمالتدين الزائف لمطاردة الثقافة والمثقفين بحجج واعذار متنوعة غير قابلة للنقاش والجدل.

وكان افلاطون يؤكد كلما سنحت المناسبة الى أن  الطاغية (يستولي على السلطة عنوة، ويسعى للتخلص من خصومهبعد استيلائه عليها،لكنه يبدأ بكسب شعبية الناس ويوزع الأراضي، ويشن الحروب لكي يبقى الشعب بحاجة إليه، وهيوسيلة احتقار الناس، ومن مصلحة الطاغية استمرار الحروبويلاحق الطاغية جميع الناس الذين يمتازون بالشجاعةوكبر النفس والحكمة والثروة لأنهم يشكلون خطرا عليه،يحيط به جماعة مستعبدة تتقاضى أجورا عالية لكي تحميهوتمتدحه) فالتاريخ يعيد نفسه بالنسبة لذوي الحكمة!! إن الجهل أساس كل الشرور كما يؤكد أفلاطون ايضاً.

وقد قيل بحق أن (الجهل مع الدين إرهاب، والجهل مع الحرية فوضى، والجهل مع الثروة فساد، والجهل مع السلطةاستبداد، والجهل مع الفقر إجرام، وهو أسوأ آفة قد تبتلى به أي أمة).

  وبالمقابل، وكغطاء لتجهيله للشعب، يحاول الدكتاتور الظهور بمظهر الراعي للثقافة والفنون وقد يؤسس وزراتمتخصصة بالثقافة والإعلام حيث يسعى الى توجيه النشاط الثقافي والاجتماعي للجماهير توجهاً أيدولوجياً لصالحشخصه، تشبهاً بالفرعون الذب كان يقول لقومه: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي)،  ومن ثم الاستخدام التعسفي لقوة الأجهزةالأمنية من أجل ترويع المثقفين وعموم المواطنين.

لذلك كان لزاما على المستبد في الحكم أن يكون مستبدا فكريا ايضاً حتى يحافظ على كرسي حكمه من الزوال. فهوباستبداده يعطل العقول ويسفه الأحلام ويمحق الإبداع.

ومن غرائب مظاهر الجهل والاستبداد انتقاله بالعدوى بين افراد المجتمع حتى أولئك الذين  لا يكون لهم أي منصب أو قرارفي الدولة، فيستبد الأب في بيته، ويستبد صاحب العمل على عامليه، ومن يصبح تغيير القناعات الراسخة بسببالجهل عملية تحتاج الى نضال حقيقي من المثقفين وخاصة معلمي ومدرسي واساتذة المدارس والجامعات.

والاستبداد لايقتصر وجوده في المجتمعات المتخلفة، وان كانت هي مزرعته التي يرتع وينمو فيها، ففي المجتمعاتالمتقدمة يكون الاستبداد فكرياً، وهو خضوع الإنسان لتوقيتات وآليات عمل لايستطيع عنها فكاكاً تجعل منه كالآلة التيتعمل ليل نهار (فهو لا يقتل الإنسان ويحفر مقابر جماعية، بل يقتل الروحية المتحركة والفكر المتطور بحجج وأساليبخفية تسبق الزمن الاني). 

كيف نواجه الجهل والتجهيل

ان الطبقة المثقفة لاشك هي الأعرف من غيرها  بأعداء الثقافة وطبيعة الاستبداد وخاصة عند ممن كانوا سبب معاناتهمعبر التاريخ البعيد والقريب من الجهلة وناشري الجهل، ويقع عليها واجب الاستعداد لخوض المعركة الثقافية بكل ماأوتوا من قوة تأثيراً على الشعب، فاذا تمت محاربة الجهل والاستبداد ثقافياً وسياسياً، لن يجد الطغاة وأنصار الجهلوالتجهيل أي أرضية يقفون عليها لكسب الجماهير لصالح افكارهم المتخلفة.

ان نشر الثقافة والوعي بين المواطنين يعطيهم المناعة من  التجهيل، كاللقاح المضاد للأمراض تماماً.

ونحن نستذكر الجهلة والمجهلين والمستبدين بجهلهم ووسائل مكافحة الجهل وأهله  لايسعنا الا ان نذكر الشهيد المفكرعبد الرحمن الكواكبي رحمه الله  الذي كان أول من صرخ في العصر الحديث  بوجه الإستبداد والجهل وسبل مكافحتهوالذي مات مسموما بفنجان قهوة بعد أن كتب كتابه الشهر (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد).

—–

استاذ جامعي – النائب السابق لرئيس هيئة النزاهة الإتحادية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here