هكذا كانت اوضاع الدولة العثمانية !

هكذا كانت اوضاع الدولة العثمانية ! * د. رضا العطار

يعود الفضل في تهيئة هذا البحث الى امين كازاك استاذ العلوم السياسية في جامعة كولورادو في الولايات المتحدة والى عزت سوبرو مدير المكتبة الالكترونية في بيروت اللذان لعبا دورا محوريا في توفير المصادر النادرة لهذا الموضوع علما ان معظم تاريخ فترة حكم الدولة العثمانية ما زال مخطوطا في خزائن الدول الاوربية والتركية وهي غير محقق ولا منشور.

اما عن تاريخ بدأ ظهور الاتراك، يقول بطرس البستاني :

اندفعت قبائل مغولية متوحشة من اواسط آسيا غربا واستقرت في آسيا العليا في بداية القرن الحادي عشر التي هي الان تركستان فسماها الفرس توران . اما اليونانيون فسموها تيران ومعناها الطغاة.

امتازت هذه المرحلة التاريخية من الدولة العثمانية في تضخيم مؤسستها الدينية ورفع العصا الغليظة في وجه الثقافة العصرية !

مع بدأ انفتاح العثمانيين على الغرب و الاخذ باسباب الطباعة التي كان لها دور مميز في هذه الفترة في نشر الثقافة واشاعة انوارها الجديدة.

فمن المعروف ان الاتراك كانوا ذوي عقلية ترتاب من كل شئ. فكانوا لا يرون المطبعة في الماضي الا اختراعا غربيا يجب الحذر منه. وفي العام 1830 كان في العاصمة العثمانية اسطنبول، مطبعة انشأها اليونانيون، واخرى انشأها الارمن وغيرها انشأها اليهود. وعندما ازداد عدد المطابع وعدد الكتب المطبوعة، خشيت الادارة العثمانية من ظهور الفتن والانقلابات نتيجة لهذه المطابع وما تطبع – – فوضعت نظاما في العام 1857 يمنع هذه المطابع من طباعة الكتب غير المصرح بها شرعا.

ومن هنا بدأت المؤسسة الدينية تمارس نشاطها وسلطتها على الفكر والثقافة من خلال رقابتها واشرافها على المطابع والانتاج الثقافي، رغم ان عدد الكتب التي تمت طباعتها في تركيا في الفترة 1800 – 1830 اي خلال 30 سنة لا يزيد عن 40 كتابا !

وامتدت هذه الرقابة في بعض الدول العربية الى الوقت الحاضر. مما امكن المؤسسة الدينية في الماضي والحاضر من مصادرة ومنع نشر عدة كتب لشيوخ الازهر نفسه، ولمفكرين ليبراليين – – فكانت المؤسسة الدينية في مصر تمنع نشر وتصادر كتب الكثير من مشاهير الادباء من امثال طه حسين في (الشعر الجاهلي) وجبران خليل جبران وتوفيق الحكيم و نزار قباني وصادق جلال العظم وعبد الله القصيبي ونجيب محفوظ وشاكر النابلسي و ليلى بعلبكي ونوال السعداوي.

وظلت الطباعة في تركيا متعثرة غير متقدمة لعدم توفر الشروط الثلاثة وهي :

الانتعاش الاقتصادي وتعميم التعليم وحرية الصحافة. – – ولم تتقدم الطباعة الا في الربع الاول من القرن العشرين على أثر ثورة كمال اتاتورك واعلان الجمهورية التركية عام 1923

والغريب في تاريخ التربية والتعليم التركي في القرن التاسع عشر ان تركيا سارت في التعليم على عكس كل دول العالم – فمن المعروف في تاريخ التعليم ان التعليبم يبدأ بالمدارس اولا ثم ينتهي بالمعاهد والجامعات، بعد ان يكون الطالب قد بدأ في التعليم المدرسي وثبت اركانه – في حين كان الوضع في تركيا معكوسا – فقد ازداد التوسع في الكليات ثم بدئ التوسع بالمدارس، وهذا عائد الى اهتمام الاتراك بالكليات العسكرية قبل الاهتمام بالمدارس الاولية لتغذية هذه الكليات بغية حصول خريجين ذوي المستويات العلمية المؤهلة للتعليم العالي – – وما ان فتحت هذه المدارس ابوابها حتى اشتد الاقبال عليها مع صدور نظام التعليم عام 1860 فبلغ عدد الطلاب بعد اربعة سنوات 66 الف طالب كان نصفهم من غير المسلمين.

لم يتبع التوسع في حركة التربية والتعليم ازدياد قيام المكتبات كمظهر من مظاهر ضعف النشاط الثقافي المتمثل في قلة عدد المكتبات، وحتى هذه كانت تعود للسلاطين.

اما الحكومة العثمانية فقد افتتحت اول مكتبة عامة متواضعة، كانت محتوياتها لا تتعدى مجلدات دينية ومصاحف وكتب صوفية واخرى في اللغة العربية وقد خلت من كتب العلوم الوضعية اوالفلسفية.

ورغم قلة عدد الكتاب والشعراء في هذه الفترة، حيث كان مجموع المشتغلين في الكتابة من شعر وصحافة وتاريخ ورواية وقصة ومسرحية ونقد ولغويات، لم يتجاوز اكثر من خمسين مؤلفا في كافة هذه الاجناس الادبية – – الا انهم رغم الصعوبات السياسية ومعارضة رجال الدين لهم، استطاعوا ان يقدموا نتاجا ثقافيا مجيدا، ساعد على الاصلاح السياسي والاجتماعي بعد حين.

والى جانب هؤلاء الطليعة من المثقفين ذوي الثقافة الاوربية الرفيعة، ظهرت مجموعة من الشعراء الاميين الرعاة، الذين صاروا بعدئذ شعراء معروفين. ومنهم الشاعر حسين سيماني من ابناء القرن التاسع عشر الذي كان يبحث عن حبيبة خيالية اسماها (جنية الورد) ، انشد لها اشعارا كثيرة، كلها عن عشق الهوى الذي لا امل فيه، وعن سحر جمال الطبيعة في شرق جبال الاناضول، حيث كان يرعى الغنم هناك. وجاءت هذه الاشعار على شكل رباعيات شعبية بسيطة لكنها كانت في غاية الروعة.

كقوله :

لا تلومنا، نحن محبي الحقيقة

فهل تمتلئ الغدران اذ لم يسقط المطر ؟

قلبي ليس فارغا منذ وقعت في الحب.

فهل يهتز الغصن اذ لم تهب الريح ؟

ماذا افعل ايها الاحبة بهذا الحب الخائن ؟

فالله لا يهب هذه العطية لكل عبد

وغناء الكروان الحزين يعلو يوما بعد يوم

فهل يزهر الورد وراء جدران البستان ؟

كما كانت هناك مجموعة من شعراء المعارضة السياسية للسلطة العثمانية والذين تلقوا ثقافتهم في المدارس الفرنسية، كان على راسهم فكري توفيق وهو كذلك من ابناء اواخر القرن التاسع عشر الذي عمل استاذا للادب التركي في كلية روبرت باسطنبول. ثم اصبح واحدا من طلائع جمعية (كنوز المعرفة)، كان توفيق شاعرا وكاتبا معارضا، انتقد الباشوات والدكتاتوريين من خلال كتابه ( طعام للفقير)، اعتبره مصطفى كمال اتاتورك من انقى واكثر الشعراء الاتراك وطنية – في حين قال عنه ناظم حكمت، وكان في حينه، سكرتير الحزب الشيوعي التركي المحظور، بانه كان شاعرا برجوازيا تقليديا.

كان شعر فكري يمتاز بالجمال وعمق الفكرة ومن أثاره (القيثارة المحطمة) و ( جواب القيثارة) و (التاريخ القديم) وهي القصيدة الطويلة التي وصف فيها الشاعر طغيان السلطان عبد الحميد الثاني واستبداده وظلمه ومصادرته للحريات ومما قاله :

من يقوم بالثورة ؟

ان الناس تعتقد ان الثورة ستأتي كمعجزة من عند الله

لكن كل هذه الجرائم لم ترتكب باسم الله

وهؤلاء الطغاة ليسوا آلهة وليسوا ظل الله في الارض

فهل يمكن للأله ان يكون حاكما مستبدا ؟

فالله المستبد غير موجود

والله الموجود هو إله الحب والرحمة

اما الله المستبد على الارض الذي يصوره رجال الدين فهو زائف

وهم يصورونه لاستعباد الناس وتقيد عقولهم

والشك الان يتحداه

والعقل يقهره

ولا احد يؤمن به غير الجهلة

لذا فهو مجرد كذبة

هكذا اعتبر فكري وهو من مؤسسي الادب التركي الحديث مثالا حيا للاديب المنطبع بادب الغرب الناهض المستنير.

* مقتبس من كتاب التكايا والرعايا لشاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here