المجتمع المتوتر

بقلم ( كامل سلمان )

المجتمع المتوتر : قد يبدو هذا المفهوم غريب ، لكن هذا المفهوم ظهر في عصر الانترنيت وهو الان ينمو وبسرعة وسيعم المجتمعات البشرية على الارض . فالمجتمعات البشرية اصبحت في عصر الانترنيت تتقاسم الخير والشر ، فقد اثبت وباء كورونا ذلك ، ففي الوقت الذي اجتاح هذا الوباء جميع المجتمعات استطاعت جميع المجتمعات الحصول على اللقاحات . ولكن كيف ظهر مفهوم المجتمع المتوتر .
الإنسان العصري يحتاج الى كل مستلزمات العيش لكي يستمر بالحياة ، لم يعد الماء والطعام فقط تمثل الحاجة الاساسية للوجود ، فقد اصبحت اجهزة التكيف واجهزة الاتصالات والمواصلات والدواء وحتى المقبلات اشياء ضرورية ومكملة لاستمرارية الحياة ، وهذا يعني الحاجة الى العمل والحاجة للمال لتوفير المستلزمات المطلوبة ، ومن هنا يبدأ التوتر خاصة اذا اصبح الحصول على العمل والمال فيه تنافس وجهد يفوق احيانا قدرة الانسان ويعزل عنه الاحاسيس الانسانية والاخلاقية في اكثر الاحيان ، لأن استنزاف الطاقة فقط للعمل يعني عدم توفر الطاقة الكافية والوقت الكافي للعلاقات الانسانية و الترابطات العاطفية فبدل ان تصبح العلاقات الانسانية لحظات للاسترخاء تصبح لحظات للتوتر مما يولد نقص عاطفي مستدام وهذا النقص ينعكس على السلوك العام داخل المجتمع ويزداد هذا التوتر في المجتمعات التي تقل فيها فرص العمل لإن القلق والخوف من المستقبل المجهول سيصبح هو الهاجس الرئيس للأنسان.
لو اردنا ان نعرف الموت بالتعريف المادي فإنه عبارة عن وصول الجسد الى مرحلة الصفر في القدرة على مواجهة الحياة والتواصل معها بسبب الضعف المستمر الذي يصيب الخلايا الجسدية مع تقدم العمر او مع استفحال الامراض ، وهذا الشيء قد يحل بالمجتمع مع الضعف الذي يواجهه في تلبية متطلبات الحياة الاساسية ، فتارة يلتجأ الناس الى التجمعات الدينية اعتقادا منهم بسد الفراغات المتولدة والتغلب على القلق المصاحب للمجتمع ، ومرة اخرى اللجوء الى المعتقدات المشعوذة ( قمة الضعف )فيصيب المجتمع حالة من الارباك وعدم الاستقرار وكنتيجة حتمية لما سلف تطفو الى السطح حيوانات بشرية متوحشة تتفنن بأساليب الجريمة والقتل فتصب الزيت على النار وفي وضح النهار وامام اعين القانون الذي هو الاخر يفقد سطوته . استمرارية هذا التردي يؤدي بالمجتمع الى الضعف الشديد والتخلف الكبير وقد يتبعه الموت . ان مفردة موت المجتمع لا يعني فقدانه للوجود بل يعني فقدانه لمقومات الوجود الحقيقية من كرامة واخلاق وقيم انسانية وهذه مرحلة قد تطول لعشرات السنين وتستهلك اجيال تلو اجيال .
عندما تصبح المهمة والموقف للرجال حصريا نتيجة استضعاف المرأة بسبب صعوبة المواجهة وهيمنة العادات والتقاليد ومنها ما يتعلق بالسمعة والشرف ، يصبح دور النساء انوثيا مجردا من كل دور في عالم يجب ان يكون للمرأة دور اساسي مع متغيرات الحياة ، فقد تعيش المرأة أسوأ حالاتها وكل ذلك ينعكس على تربية الأبناء وبناءهم بشكل صحيح . هذا النفق المظلم الذي نتحدث عنه ليس وليد الخيال او اليأس بل الارقام على ارض الواقع تتحدث به وخاصة في المجتمعات الضعيفة الوعي والادراك ثقافيا وعلميا .
ان كثرة حالات الطلاق وكثرة المحرومين وكثرة الجرائم واكتظاظ السجون والايتام وضعف الامن والامان ما هي الا نتائج اولية لحالة المجتمع المتوتر ، وهذه النتائج تأخذ منحى تصاعدي مع مرور الزمان . إذا لا بد ان تكون هناك صحوة لتخفيف التوتر المجتمعي وهذه الصحوة تنطلق من خلال النخب المسؤولة والمجتمع هو المسؤول الاول والاخير لأن المصيبة مصيبته والعلة علته فإذا رضي المجتمع بهذه الحالة ولم يقرر مصيره فسيكون هو الخاسر الاول والاخير ، والمجتمع لا يمكن ان ينطلق الى المستقبل مالم يتخلى عن كل اسباب التردي الانية وهذه مهمة عسيرة مع وجود المعتقدات المتخلفة الجاثمة على الصدور وبوجود الشياطين البشرية المتحكمة بعقول الناس وعدم الجدية المطلوبة عند افراد المجتمع في النظر الى مستقبل ابناءها ، فالبناء الفكري الصحيح هو الذي يحفز المرء في البحث عن ما هو افضل والمقصود بالبناء الفكري الصحيح هو القدرة على القرار الايجابي دون الخضوع للإرادات الدخيلة التي تصور عجز المرء امام من هو اعلم وادرى بالحياة من صاحب الشأن ، فهذه عبودية خطيرة للفكر والتفكير لا يمكن ان يخضع لها من هو ذي لب قادر على هضم التجربة ولا يحتاج ان يجرب المزيد على حساب نفسه وعلى حساب مجتمعه ورغم ذلك يبقى بصيص الامل يشع في نفوس العقلاء ويبقى للخير كلمة الفصل مهما ادلهمت .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here