موقع بريطاني: حركة تشرين أصبحت قوة سياسية في العراق

ترجمة / حامد أحمد

عشية يوم الاحد كانت الأجواء هادئة عند بلدة سوق الشيوخ الصغيرة المطلة على نهر الفرات في محافظة ذي قار جنوبي العراق. محطات الاقتراع كانت قد أغلقت وان قسما من سكان البلدة قد تجمعوا قرب مكاتب وبيوت مرشحين محليين بانتظار اعلان النتائج الأولية للتصويت. عند الساعة الثامنة مساء وفي احد معاقل ثوار حركة تشرين في سوق الشيوخ، شق الصمت أصوات منبهات عشرات السيارات وهتافات حماسية انطلقت من سيارات وعجلات نارية كانت تطوف في شوارع المدينة.

احد الشباب اخرج نصف جسمه من نافذة سيارة وبدأ يهتف صارخا “لقد فازت تشرين، فازت حركة تشرين”.

وقال الشاب “تشرين لم تفز عن طريق المال، تشرين لم تفز بتوزيع وعود بفرص عمل، تشرين تمكنت من جلب احد أعضائها للبرلمان دون ان تدفع أموالا، بل بأصوات وجهود الشباب”.

انها الانتخابات البرلمانية الخامسة التي تقام في البلاد منذ اسقاط نظام صدام حسين بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وقد تم تقديم موعد الانتخابات نزولا عند طلب المحتجين من حركة تشرين لتهدئة احتجاجات عامة ضد الحكومة انطلقت في شوارع بغداد وتسع محافظات جنوبية في تشرين الأول عام 2019، حيث قتل خلالها المئات من المحتجين مع خطف واعتقال عشرات آخرين من ناشطين وصحفيين.

أظهرت النتائج الأولية فوز الناشطة التربوية، نيسان عبد الرضا زاير 44 عاما، مدرسة محلية من مدينة سوق الشيوخ، المرشحة عن قائمة حركة امتداد التي انبثقت من احتجاجات حركة تشرين، وذلك بفوزها بأكبر عدد من أصوات الناخبين ضمن دائرتها الانتخابية، ونزل مؤيدوها الى الشوارع للاحتفال بفوزها.

عدنان التميمي 32 عاما، ناشط بارز قال لموقع مدل ايست آي البريطاني “فوز المرشحة نيسان يعتبر فوزا لنا. انه بمثابة انتصار لمتظاهري حركة تشرين وانتصار لدماء شهدائنا وتضحياتنا. نحن الذين تبنينا حملة نيسان الانتخابية وخضنا الحملة اعتمادا على مواردنا الخاصة وبدون خبرة مسبقة او دعم مالي او سياسي”.

وأضاف التميمي قائلا “الكثير راهنوا على فشلنا، كانوا يقولون بان المرشحة نيسان ستخسر ولا تسطيع الوقوف بوجه مرشحين منافسين آخرين أنفقوا أموالا طائلة على حملاتهم الانتخابية وخدماتهم الباذخة ووعودهم للناس. ولكننا فزنا ونجحنا بفارق هامش كبير عن اقرب المنافسين لنا. هذه صرخة بوجه الذين راهنوا على فشلنا”.

واظهرت فيما بعد النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تقدما كبيرا لمرشحين من قوى سياسية صغيرة برزت من حركة تشرين. حيث فازت حركة امتداد لوحدها بتسعة مقاعد في ذي قار. ومن المتوقع ان يفوز الحزب بمقاعد أخرى عندما يتم اعلان النتائج النهائية من قبل المفوضية. علي الغريفي، مراقب سياسي يتابع التغييرات الحاصلة في محافظات العراق الجنوبية، قال لموقع مدل ايست آي “أهالي ذي قار صوتوا لمرشحي حركة تشرين في رد منهم على كتل أخرى تضم فصائل مسلحة تجاهلت احتياجاتهم وطموحاتهم”.

وأضاف قائلا “مرشحي حركة امتداد نالوا أصوات شباب ساخطين على النخب السياسية التقليدية، وكذلك أصوات مواطنين كبار آخرين شعروا بان الأحزاب التقليدية قد خذلتهم”.

وجاءت ذي قار بالمرتبة الثانية بعد بغداد فيما يتعلق بعدد ضحايا احتجاجات تشرين من قتلى وجرحى التي انطلقت ضد الحكومة في تشرين الأول 2019. ركزت الاحتجاجات اهتمامها في بادئ الامر على الخدمات السيئة وارتفاع معدلات البطالة وشكاوى ضد حالات فساد في مؤسسات الدولة. ولكن حملات القمع الدموية التي مورست ضد متظاهرين من قبل قوات امنية ومجاميع مسلحة مقربة من رئيس الوزراء في حينها عادل عبد المهدي، قد أدت الى رفع سقف المطالب لتشمل تغيير الحكومة وتعديل قانون الانتخابات وإقامة انتخابات مبكرة.

مقتل 32 متظاهرا من قبل قوات امنية في 19 تشرين الثاني 2019 عند جسر الزيتون بمدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، أدت تبعاته الى تنحية حكومة عادل عبد المهدي.

سجاد عبد، ناشط محلي، قال انه رغم ان حركات سياسية كثيرة انبثقت من تظاهرات تشرين، فان قليلا منهم جدا من قرر المشاركة في الانتخابات المبكرة وذلك لعدم قناعتهم بان التغيير المطلوب سيتحقق. مشيرا الى ان حركة امتداد التي تعتبر الأبرز من بين هذه الحركات كانت الأكثر إصرارا وتصميما على دخول الانتخابات.

واستنادا الى الفائزة، زاير، فان احدى أكبر التحديات التي واجهت حركة امتداد هو كسب دعم الناس بدون اعطائهم الوعود والتحفيزات التي اعتادت تقديمها أحزاب سياسية تقليدية لهم. وقالت زاير في حديث لموقع مدل ايست آي “أينما نحضر حملة انتخابية كان الناس يطالبونا بمال او هدايا او تقديم خدمات، وهم لا يصدقون باننا معتمدين اعتمادا كليا على تبرعات يوفرها لنا بعض الشباب”.

ومضت بقولها “انا ومجموعة من الشباب الذين تطوعوا لادارة حملتي الانتخابية، كنا نضحك ونمزح فيما بيننا حول الوضع الذي لم نكن فيه قادرين على تأمين مبلغ صغير من المال لشراء عصير وقناني مياه في احدى حملاتنا الانتخابية، الوضع رغم مرارته كان حافزا كبيرا لنا لان نستمر ونصر على الفوز”.

رغم قلة الموارد، تم انتخاب زاير وبشكل مريح ضمن الدائرة الانتخابية الرابعة التي تضم بلدات وقرى محافظة ذي قار محرزة، حسب بيان المفوضية، التسلسل العاشر في قائمة الحاصلين على اعلى عدد أصوات في العراق، والتسلسل الأول من بين النساء.

وأضافت بقولها “انا نفسي لم أكن أتوقع هذا الفوز الكبير. المالكين الحقيقيين لهذا النصر هم الشباب الذين عملوا معي والذين وثقوا بي وصوتوا لي. أعدهم باني لن اخذلهم”.

• عن مدل ايست آي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here