الحب الزائف لن يحقق سعادة !

الحب الزائف لن يحقق سعادة ! * د. رضا العطار

يمكننا القول ان الشرط المطلق لكل حب حقيقي انما هو التنازل عن كل اشباع نرجسي. فما ينشده الحب لدى (الاخر) انما هو (الاخر) نفسه او هو على وجه التحديد ما يتميز به هذا (الاخر) عما عداه من (اغيار). ومعنى هذا ان الحب يعلو على سائر الصفات المتغيرة والكيفيات الغابرة التي قد يتسم بها المحبوب لكي ينصب على (شخص) المحبوب نفسه. وعلى حين ان (المعرفة) تهدف دائما الى (العام) بينما نجد ان المحبة لا تتجه الا نحو ما هو (خاص)

ولكن هذا لا يعني ان يكون الحب مجرد انانية مزدوجة تقوم بين ذاتين. وانما يجب ان نتذكر ان الحب حين يضعنا تحت امرة (الاخر) فانه يفتح امامنا آفاقا واسعة تجاوز دائرة الفردية الضيقة. وفضلا عن ذلك فان المحبة لا تعني الكمال المغلق لموجودين قد انعزلا تماما عن الوجود بل هي تعني مشاركة هذين الموجودين في حقيقة عليا لا تقوم لهما قائمة بدونها. ومن هنا فان المحبة لا تعني ان ينظر المحبان احدهما الى الاخر، بل هي تعني ان يصوبا نظريهما نحو شئ واحد مشترك.

قد نتوهم ان الموجودات الفردية هي التي تصنع الحب في حين ان الحب نفسه هو الذي يصنع تلك الموجودات، ومن هنا فقد لا نجانب الصواب اذا قلنا ان الحب ينشد لدى (الاخر) تكملة طبيعية له وكأن من شأن هذا الاخر ان يزيد من قدرة (الذات) على الوجود ويعمل على زيادة حظها من (الكينونة) ! وبهذا المعنى يكون الحب وثيق الصلة بنقص الموجود وعدم تكامله – – وهذا ما عناه الفيلسوف الاغريقي افلاطون، حين قال : ان الحب وليد الخصوبة والثراء من جهة والجدب والفقر من جهة اخرى.

وهذا ما حدا بالفيلسوف جبرائيل مارسل الى اقامة تفرقة بين (الانانية) و (حب الذات) بدعوى ان الانانية سلوك يقوم على الانشغال بالذات دون ان يكون وراء هذا السلوك اي حب حقيقي للذات، في حين ان حب الذات هو تعاطف اصيل لا ينطوي على اية صورة من صور (الانانية) او الاهتمام المفرط بمصلحة الذات. وتبعا لذلك فان الانسان العاجز عن (حب ذاته) عاجز في الوقت نفسه عن (حب الاخرين) وآية ذلك ان الانشغال المرضي بالذات قد يجعل الانسان عاجزا عن الخروج من ذاته، وبالتالي فانه قد يحول بينه وبين الاتجاه نحو الاخرين والتعلق بهم وتوثيق اواصر المحبة بينه وبينهم. اما حب الذات فهو شرط اساسي ل (حب الغير) – – – والحق ان الانسان مجعول دائما للحب، وهو لا يستطيع ان يحب الا اذا تفتح وتمدد بحيث يخرج من ذاته لكي يحب خارج ذاته !

· فلسفة مشكلة الحياة د. زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here