زراعة العنف حصاده الندم

زراعة العنف حصاده الندم

كامل سلمان

كل شيء يميل عندنا الى العنف ، التربية العائلية فيها العنف ، المدرسة فيها العنف ، الحكومات تتعامل معنا بالعنف ، افكارنا مليئة بالعنف ، عاداتنا المجتمعية كلها عنف ، ذكرياتنا وأحاديثنا العنف ، تأريخنا نفرح به لأن فيه عنف ، احلامنا عنف ، رمزنا السيف وهو رمز للعنف ، غناءنا النصر والعنف . العاب التسلية للأطفال البندقية وآلات العنف ، العنف يحيط بنا وحتى افراحنا ممزوجة بالعنف فهل تريدوننا ان نفهم شيء من هذه الحياة غير العنف ، ثم يأتيك من يقول لماذا نحن لا نتطور . نعم نتطور نحو العنف ، فحكوماتنا تسعى الى بناء ترسانة من وسائل العنف واجهزة امنية لا تعرف غير العنف . أليس هذا هو الواقع الذي نعيشه ، أليس اليتامى والأرامل هم ثمرة من ثمار العنف ، أليست المصائب التي ألبست شعبنا السواد وجعلت ايامهم سوداء من بركات العنف ،فهل حان الوقت لنعترف بأسباب العقد النفسية التي تنخر مجتمعاتنا وجعلتنا في ذيل المجتمعات الإنسانية ونتحدث بها على المكشوف فلم يعد لنا ما نستره ، ورغم كل ذلك نتحدث بالقيم الإنسانية ولا أدري اية انسانية نبغي من وراء ذلك الواقع المرير الذي شرد نصف المجتمع بين مهاجر وهارب ولاجىء ونازح في بقاع الارض ومثلهم ابتلعتهم الارض .
هل ان الاختلاف هو بلاء وابتلاء ، فلقد جبل الإنسان على الاختلاف وهذه من طبيعة تركيبة البشر وطبيعة اختلاف الثقافات وقد تكيفت المجتمعات لهذا الاختلاف وأصبحت مصدر قوة للمجتمع بدل ان تكون مصدر هموم والالام لإن الحكمة تسيدت وحكمت بين الناس .
العنف قد تكون له ضرورة مع الإنسان العنيف العدواني ولكن ان يصبح العنف منهاج ثابت حتى مع الأبرياء والإنسان المسالم لمجرد اختلف بالرأي مع الآخرين فهذه حالة مرضية شاذة وخطرة وان استمرارها نذير شؤوم و خراب ودمار يصعب علاجه على المدى القريب او البعيد فهذه الحياة وجدت لجميع الناس ولجميع الكائنات بإختلافاتهم وبعضها يكمل الآخر بالوجود وقد خاب من أستأثر بها ودفع ثمنها غاليا فلماذا هذا الإصرار على تكرار السيناريوهات الفاشلة التي ضررها يمتد الى عقر دار فاعلها . الأفكار التي تدفع الى العنف يجب محاربتها بالأفكار النظيفة اولا و بالوسائل السلمية العلمية العقلية فحياة الإنسان اغلى من اي معتقد واغلى من اي فكر ، واذا كان مصدر العنف هو الدين فهذا دليل على ان الفهم الخاطىء للدين هو مصدر الخلل وليس الدين لإن الدين رحمة ومحبة واخلاق وليس عنف مهما كانت النصوص تشير الى العنف فإن الدين يبقى اساس المحبة حتى مع اعداء الدين فالدين الاسلامي يؤكد ذلك ( فأذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) الآية ، والدين المسيحي يوصي بإعطاء الخد الأيسر لمن صفعك على الخد الأيمن وكذلك الديانات الاخرى كلها مصدر للتعايش والوئام ورسالات محبة ، فمن يصنع من الدين رسالة عنف ودماء فهذا هو ضد الدين ولم يملك من الدين شيء .
العنف لا يصحح سلوك ولا يغير بناء فكري ولا يجلب السعادة ولا يصلح بال بل يفعل العكس ويترك اثاره السلبية في النفوس ويخلق العداوة والبغضاء ، لا تجد ولد عاق لوالديه الا وكانت تربيته بالعنف ولا تجد رجل يعيش التعاسة في بيته الا وكانت سلوكيته العنف في البيت ولا تجد معتقدا أذابه العنف ، ولا ناصية علم شيده العنف ، فالعنف يذهب هباءا منثورا وتبقى جراحاته نار تحت الرماد تستعر .
فقط الفاشل عقليا واخلاقيا يجد في العنف سبيل للنجاح وهاهم العقلاء في الارض يصنعون المعجزات بعقولهم ، فهل رأينا بينهم من يحمل السيف ، إذا لم نتعلم من العقلاء فمن أين سيكون لنا علم ومن هو الذي سنتعلم منه .
انظر الى المفارقات الغريبة ، العنف دائما مايكون مقرونا بالحرمان والبؤس ، وغالبا ما يكون الجهل والتخلف هو من يقف وراءه ، وأصحاب العنف لا يهمهم سوى النتائج السريعة وما يحدث مستقبلا فلا اعتبار له ، هذه حقائق مؤلمة لا ينبغي للإنسان الطيب الحر الذي لا يقبل الا بالحياة الحرة الكريمة ان يتقبلها .
اي مجتمع هذا الذي يتحمل البؤس والعنف والحرمان متأملًا ان يقدم إليهم شخصا لإنقاذهم وإذا لم يأتي هذا الفارس فإن المجتمع سيدفع فاتورة سكوته وذله ، وهذا مالا نلاحظه عند بقية المجتمعات التي تنتفض لنفسها ولكرامتها ولا تنتظر الا همة ابناءها عندما تعاني ، مجتمع عجيب يصب عليك نار غضبه إذا ما أردت إيقاظه من هذه الغفلة ويجعلك في صدمة لا يوجد لها تفسير .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here