حياة العشق عند الاميرة ماري لويز  (*) 

 د. رضا العطار

 عام 1809 كان نابوليون في اوج عزه وسلطانه، بعد ان خضع له معظم دول اوربا، وصار يرتدي لباس الملوك ويحمل شعارهم ويبحث عن زوجة تلد له ولي عهده، كي يحمل اسمه ويخلد ذكره .. وكان الى هذا الوقت متزوجا بجوزفين، تلك الارملة الجميلة التي عشقها وهو لايزال ضابطا صغيرا. فأنفصل عنها وحصل على طلاقها واجال النظر في قصور الملوك في اوربا ينشد اميرة من سلالة ملوكية. 

 

وكان لقيصر روسيا اخت جميلة، فطلبها نابوليون من القيصر،  فأبى انفة من مصاهرة هذا الامبراطور المحدث، ثم اشفاقا على اخته ان تقع بين براثن هذا النمر، فتحول عنه الى امبراطور النمسا والمجر ولم يكن له بين ملوك اوربا وامرائها من هو اعدى له منه، فقد حاربه خمس مرات وهزمه ودخل نابوليون مدينة فيينا على راس جيشه الظافر واذاق اهلها ذل الهزيمة ومهانة الانكسار. فكان الامبراطور فرانس يكرهه.

 

لكن سياسة النمسا في ذلك الوقت كانت في يد الامير مترنيخ، وكان داهية، عظيم في تفكيره، فلما علم بان قيصر روسيا رفض نابوليون، اغتنم هذه الفرصة وعرض عليه ان يتزوج ابنة الامبراطور فرانس. وكان يقصد من هذا الزواج ضمان العرش النمساوي وتامين الامبراطورية من غزوات نابوليون وان كان في ذلك يضحي بهذه الفتاة العزيزة.

ولم تكن هذه الفتاة، ماري لويز، قد بلغت التاسعة عشرة من عمرها ولم تكن قد رات نابوليون وانما كانت تسمع عنه ما كان يحكيه ابوها وعمومتها، وكانوا كلهم يدعونه ب ( الغول )

كانت ماري مديدة القامة، بيضاء يجلل وجهها شعر كستاني اللون وكانت وجنتاها متوردتين يتدفق ماء الصبا من وجهها.

وعرف ابوها قيمة الاتحاد مع نابوليون فرضي بذلك وقبل نابوليون الزواج وحدد له ميعادا وذهب الامبراطور فرانس الى ابنته وكاشفها بهذه النية، فرتاعت لاول وهلة وسألتهم كيف كانوا يدعونه غولا وكيف تتزوج برجل هذه صفته!

 

فأخذ ابوها في طمأنتها حتى استكانت الى حظها ورضيت بالتضحية بنفسها لاجل امان بلادها، واعلنت بعد ذلك خطبة نابوليون لها وصارت فيينا وباريس كلتاهما تتنافس في الاحتفال بالزواج القادم.  وارسل نابوليون خطابا الى خطيبته، امتزجت فيه لهجة العشق بلهجة السياسة، هذا نصها:

 

( ان الصفات الباهرة التي تزين بها شخصك قد اوحت الى نفسي الرغبة في ان اخدمك. واكون على ولائك، وعندما عرضت رغبتي هذه على والدك الامبراطور، رجوته في ان يأتمنني على سعادتك، كنت امني نفسي بأنك سوف تدركين العواطف التي دفعتني الى هذا العمل. وهل لي ان اقول بان قرارك لن يكون عائدا الى الطاعة الابوية فقط ! ومهما يكن احساسك من ناحيتي فاني اريد ان احتفظ بهذا الاحساس وأجتهد في ان اكون سبب مسرتك، معتقدا بانك سوف تستحسنين شخصي، وهذا غاية ما اريده ان اصل اليه ولاجل هذه الغاية اريد من سموك التعطف عليّ)

 

وجاء ميعاد مغادرتها فأحتفل الاهالي بذلك احتفالا عظيما. وعندما وقفت العربات لأستراح الخيول خارج فيينا، كتبت الاميرة ماري هذه الرسالة الى والدها: ( اني افكر فيك على الدوام،  فقد منحني الله القوة لان اتحمل هذه الصدمة، ارجوه ان يمنحني الشجاعة كذلك لأتقوى في تأدية واجبي نحوك وتجاه وطني، انني اضحي بنفسي لهذا الهدف )

 

وبهذه الحالة النفسية دخلت ماري فرنسا، لكن نابوليون منع   النمساويين المصاحبين للأميرة من دخول فرنسا، فرجعوا من الحدود خائبين وبقيت الاميرة وحيدة بين هؤلاء الاغراب، فشعرت بوحشة بينهم، آلمتها كثيرا، واعادت اليها ذكرى صباها بين بني قومها.

 

وتلقاها نابوليون في ليلة مكفهرة عاصفة ممطرة، فركب الى جانبها  حتى وصلا الى قصره في ساعة متأخرة من الليل.

وعاشا معا في وقار الملوك و كان نابوليون في سن والدها. وبعد عام نال مبتغاه وولدت له زوجته ولي عهده، ثم جائت حملته المشؤمة على روسيا، فتركها وذهب،  ليقع في عشق فتاة بولندية ويتزوجها تدعى ماري فالفسكا.

 

 وفي العام نفسه وفي غياب الزوج نابليون  تعرفت ماري لويز على الكونت النمساوي نيبرج، من السفارة النمساوية في باريس، كان شجاعا يجيد المبارزة ويفهم اساليب السياسة، يعمل بعقله وقلبه، يجتذب النساء بحلاوة حديثه ونبالة حركاته —  فصار يتودد الى ماري،  يغني لها في لغتها ويتندر لها القصص ويتنزه معها،  وكان قلبها اجوع ما يكون الى مثل هذه المعاملة الودودة، بعد ان رأت من نابوليون جفاء الطبع وقساوة الاسلوب، في هذه الاثناء كان نابوليون قد وقع في قبضة الانكليز الذين نفوه الى جزيرة سانت هيلانة، فكان يتحرق غيظا لمنعه من مراسلتها …  مات نابوليون ولم يكن يعلم قصة زوجته، وكيف انها عشقت الكونت لنيبرج، وتمّ زواجهما سرا. 

 

وتكاد قصة نابوليون مع ماري لويز ان تكون مبهمة،  لولا انها مشوبة بفظاظة الزوج وجمود الزوجة. ومع ذلك ففيها عبرة جديرة بأن يفهمها كل انسان، وهي ان الحب لا يأتي اقتسارا ولا يؤخذ غصبا، فإن مفاتيح القلوب هي الرقة و الوداد و العطف والحنان، قبل كل شيء.

 

* مقتبس من كتاب الحب في التاريخ للعلامة سلامه موسى .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here