سياسيون: التعددية ليست للمنافسة السياسية .. وقانون الأحزاب لا يخدم من لديه جناح مسلح وتمويل خارجي

شهد العراق ما بعد 2003 انفتاحا ديمقراطيا واتجاها واضحا نحو التعددية الحزبية، ولكن يبدو أن التعددية الحزبية أدت إلى تحول التنافس إلى صراع بين تلك الأحزاب، فبعضها انشطر عن أحزاب كبيرة لغرض التنافس، والبعض الآخر تشكل للوصول إلى السلطة، ويرجح المراقبون أن هذا الكم الهائل من الأحزاب والذي تجاوز الـ300 حزب وحركة قد أثر بشكل سلبي على العملية الانتخابية في العراق، فبالرغم من التعددية الحزبية فإن الإقبال على التصويت في تنازل دورة بعد أخرى.

بحاجة إلى نضج سياسي

في هذا الصدد، يقول الباحث والمحلل السياسي الدكتور حيدر البرزنجي لـ (باسنيوز)، إن «العراق حديث العهد بالديمقراطية، وهذه التعددية الحزبية ستنتهي يوما ماً، فالكثير من الأمم خاضت هذه التجربة ولذلك هناك أحزاب ستبقى وأخرى ستنتهي وتتلاشى بعد دورة أو دورتين انتخابيتين».

ويعتبر الباحث والمحلل السياسي، أن «وجود أكثر من 300 حزب في بلد عدد سكانه حوالي 40 مليون أمر خطير من الجانب السياسي، فليس من المعقول أن جميع الناس سياسيون».

ويتابع البرزنجي «نحن بحاجة إلى وجود دعامة أساسية والوصول إلى النضج السياسي، فالتعددية الموجودة الآن هي ليست منافسة من أجل بناء دولة، وإنما من أجل الاستفادة من المغانم والتي أسميها المآثم وليست المغانم، وبالرغم من وجود كل هذه الأحزاب، إلا أن المواطن يتقاعس عن المشاركة في العملية الانتخابية نتيجة عدة عوامل، منعها الإرهاب والاحتلال الأمريكي ودخول تنظيم داعش والبطالة وعدم توفير الخدمات ..إلخ».

ويرى البرزنجي أنه «من الضروري تعريف الهوية الشخصية للجهة التي تصبح حزبا، فدائرة تسجيل الأحزاب تسجل كل من يكون لديها 500-1000 منتمي، ولو زاد العدد لما كان لدينا كل هذه الأحزاب على الساحة».

ويضيف الباحث والمحلل السياسي «لتكن التعددية الحزبية، ولكن لا تصل جميعها إلى السلطة، فالأحزاب الموجودة في السلطة لا تتعدى 5-10 أحزاب فقط والبقية فقط أسماء أو مسميات لا تسبب إرباكات».

وظهرت في الساحة السياسية العراقية أحزاب وهياكل تنظيمية بمسميات متعددة، بعضها إسلامي والآخر علماني، بعض الأحزاب كبير وقوي وبعضها الآخر صغير وضعيف لا يحمل من معنى الحزب سوى الاسم، بعضها لديه قاعدة شعبية واسعة وبعضها الآخر يفتقد لذلك، بعضها معروف لدى الشارع العراقي وله تاريخ طويل وخبرة في مجال العمل السياسي في صفوف المعارضة والبعض الآخر لم يظهر إلا بعد عام 2003.

لا توجد أحزاب كبيرة

من جانبه يعتبر المحلل السياسي عمار العامري، أن «التجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية في العراق لازالت فتية ولا يمكن الحكم على فشلها ابتداءً، نترقب بلورة الأحزاب في تحالفات وطنية عابرة للطائفية والقومية، تستطيع كسب ثقة المواطن العراقي، وقادرة على طرح برامج حكومية شاملة ومتكاملة أو أن تكون في المعارضة التقويمية، على أن لا تمارس دور الشريك المشاكس».

ويقول العامري في حديث لـ (باسنيوز): «في العراق لا توجد أحزاب كبيرة؛ إنما أحزاب قديمة وجديدة، ويمكن القول إن الشخصيات السياسية المخضرمة باتت منتهية الصلاحية أيضاً، المرحلة الحالية والتي كان من المفترض أن تبدأ سنة 2018 أفرزت آليات وأساليب جديدة، تتواكب مع جيل صاعد من الشباب؛ لم يعش أيام النظام السابق والحصار الاقتصادي وفترة المعارضة، والقبول بهذه المعطيات أُجبر عليها الكثير، لذلك (ما بعد خريف 2019 ليس كما قبلها)».

ويتابع العامري، أنه مع «قانون جديد للانتخابات يحتاج العراق إلى وعي نسبي لدى المواطن، والمشاركة في الانتخابات».

ويضيف أن «مجلس النواب العراقي صوت على قانون الأحزاب رقم (36) سنة 2015، ونشر في جريدة الوقائع العراقية ذو العدد (4383)، لكن هذا القانون لا يخدم الكثير من الأحزاب السياسية، وذلك لسببين أساسيين هما؛ اولاً: الكشف عن مصادر التمويل، وثانياً: أن لا يملك الحزب جناح مسلح، وهنا تكمن المشكلة الأساسية، فأغلب الأحزاب المتنفذة مصادر تمويلها خارجية أو من موارد الدولة عن طريق الوزارات التي تديرها، فضلاً عن أن تلك الأحزاب وغيرها تمتلك أجنحة ومليشيات مسلحة تستخدمها لفرض إرادتها أو إجبار الآخرين على الخضوع لها، وهذا الأمر يتقاطع مع قانون الأحزاب العراقي، ويجعله مجرد (حبر على ورق)، إذ ليس من مصلحة الأحزاب تفعيل مواده».

ويرى المحلل السياسي، أن «تعدد الأحزاب في العراق يخضع لأسباب متعددة، وأوضاع العراق تجعله عرضة للتدخلات الخارجية، وهو العامل الأساس في انتشار ظاهرة التعددية، فضلاً؛ إن بعض الأحزاب لا ترغب أن تتبلور في إطار التحالفات مع أحزاب أخرى، وإن كانت قريبة لها في الآليات، لذلك تسعى إلى تأسيس أحزاب بقيادة بعض أعضائها، والانضواء تحت عنوان التحالف الذي يرغب الحزب بتشكيله، ناهيك عن موضوع آخر مهم في تعددية الأحزاب أو التجمعات السياسية المستقلة، فبالحقيقة لا يوجد شيء اسمه مستقل، إنما الغاية من استخدام المصطلح هو توسيع مساحات المشاركة الانتخابية، وضمان ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات».

ويعتقد العامري، أن «العزوف عن المشاركة بالانتخابات بالرغم من وجود هذا الكم الهائل من الأحزاب هو لأن الواقع العراقي لم يتغير كثيراً، رغم مرور ما يقارب على عقدين من تغيير النظام السابق، فالمواطن العراقي بات يرغب في أن يتطور الحال بالشكل الذي يشاهده في دول الجوار على الأقل، مع إمكانيات العراق الاقتصادية الهائلة، إلا أن التراجع في القطاعات الأساسية كالصحة والتعليم والخدمات والحوكمة الالكترونية، وعدم استثمار الثروات الزراعية والمائية والسياحية والمعدنية، وانتشار مظاهر الفساد والبطالة، وهيمنة السلاح المنفلت والجماعات الخارجة عن سلطة الدولة زاد من إحساس المواطن بأنه غير مستفيد من إمكانيات بلده، وبدأ يشعر بفقدان حتى هويته الوطنية، ما جعله يعزف عن المشاركة في الانتخابات، التي تعد الحل الأمثل لمشاكل العراق كافة».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here