معرفة الذات

معرفة الذات : بقلم ( كامل سلمان )

كل منا يعرف ذاته (نفسه وجسده ) ، يعرف اين تكمن قوته ومواضع ضعفه ، وكلما مرت سنين العمر أصبح أكثر معرفة بذاته ، لذلك يعرف كيف يتعامل مع ذاته ، يعرف كيف يواجه المصاعب والهموم على ضوء امكانياته النفسية والجسدية ولا يحملها فوق طاقتها ، يعرف كيف يواجه الحالات الصحية الطارئة وتزداد خبرته بذاته من خلال زيادة التجارب وهذه تعطيه ملكة كيفية التعامل مع الأخرين وتعطيه الخبرة في تخفيف وطأة الأحداث والهموم على نفسه اي بقدر ما يقييم نفسه بشكل صحيح يستطيع تقييم الآخرين بشكل صحيح ، وهذا هو سر من اسرار ديمومة الحياة والسعادة والنجاح الاجتماعي ، الثقافة العلمية والصحية والمجتمعية تزيد من قدرة الإنسان على معرفة ذاته ، لذلك ترى الإنسان الجاهل تغلب على شخصيته العشوائية في التعامل مع الأخرين بسبب ضعف معرفة ذاته . ضغوطات الحياة تترك أثرها الكبير على الإنسان الذي لا يعرف كيفية أمتصاص هذه الضغوطات وقد تقتله ، الإنسان كائن عظيم يمكن له ان يتطور ويتكيف ويزيد من قدراته في مواجهة الظروف الصعبة مهما تعقدت ، نفسك هي عالمك الخاص كيف تجعلها تحت وصاية غيرك ، ماذا تبقى لك ، هذا النوع من الضعف هو ليس إدمان او تراخي بل هو انفصال تام عن عالم الذات واهمال عن عمد في التواصل مع النفس وهذا ما نراه عند الكثير من الناس فيصبح سهل الانقياد والاستسلام لغيره ، فلا تستغرب ان ترى مجتمع لا يعنيه مايصيبه من الآلام وكل شيء ينسبه للقدر او الحظ. يختار مايختاره الأخرون يتصرف بما يمليه عليه الأخرون ينفصل عن ذاته في ظاهرة توحي الى تحطم الكيان الداخلي وانقطاع السبل فيدخل الإنسان نفسه في نفق مظلم لا يجد له منفذ الا الحياة الآخرة ان كان يؤمن بها ، وينسى ان الحياة التي يعيشها حاضرا فيها من الجمال واللذة النفسية ما تجعله يسمو الى الأعالي ، كل ذلك يحدث بسبب جعل الذات تحت وصاية الاخرين لعدم القدرة على التعامل مع الذات وفهم حقيقتها ، هي نفسك وهي اعز شيء في الدنيا فلا تفارقها ولا تجعل الغرباء يدنسوا باحتها فهي عالم اسرارك وعالم عزتك ومنها تنطلق حقائق وجودك فكيف ترضى لها اليتم وانت على قيد الحياة ، ارجع الى ذاتك وصالحها وتفهم قدراتها ولا تقارن نفسك بغيرك فلكل تركيبته التي تميزه عن غيره . من هنا تبدأ في بناء الشخصية الرصينة هو ان لا تفرق في التعامل مع الذات عن التعامل مع الآخرين فكلاهما انعكاس للآخر ، اما اذا اختلف الوجهان فهذا استهلاك للذات وارهاقها وهذه الازدواجية ستظهر فقاعاتها لاحقا مهما حرصت . المجتمعات المبتلية بالمشاكل السياسية والاقتصادية تجعل ابناءها في شك حول صواب تعاملها مع الذات فتخلق لهم مشاكل اضافية تظهر اثارها في البيت وفي الشارع ، وما كثرة الجرائم والسلوك العدواني الا نتائج لهذه الحالة ، وبالتالي يعم الشعور بالفشل وتحميل الذات مسؤولية مضاعفة فيحصل الإرباك وعدم الثقة بالنفس وهذا يعني من غير الصحيح ان تكون دائما الذات مصدر للألم فقد تكون عوامل اخرى تفرض نفسها ولكن قوة الذات واستيعاب هذه العوامل هو الذي يغير المعادلة ويعيد ترتيب البيت الداخلي للإنسان . اذا اختصارا هي الحاجة الملحة الى ادامة الذات وصيانتها وفوق هذا وضع عين على الذات ومراجعتها مع كل مستجد في الظرف الخارجي بذلك تكون قد ضمنت نجاح شخصيتك مع حياة ذات امواج عالية وصدمات متكررة وكنت عامل من عوامل بناء المستقبل لك ولأجيالك لإن المجتمع ليس هيكل حديدي بل مجاميع من الناس أرتضت ان تعيش وتتعايش سوية ولكل فرد فيهم حاجته الى هذه الصيانة التي كلما كثر مريدوها تعمرت الأوطان وزاد الأمان وحل الخير في ربوع الأرض التي يقطنها ذلك المجتمع .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here