ما الغاية من الفنون ؟

ما الغاية من الفنون ؟ (*) بقلم د. رضا العطار

– – – هذا هو الادب الامريكي يحمل لواءه اليوم رجال مارسوا الحياة العملية في شتى شؤونها، ثم لم يكتبوا في خيال واوهام واحلام، انما يكتبون اكثر ما يكتبون في مشكلاتهم الحالية ومسائلهم اليومية وحياتهم الاجتماعية !

– – واكثر هؤلاء لا يستوحون اساطير اليونان والرومان، وانما يستوحون مجتمعهم وما فيه وما يصبو اليه. و الاديب العربي يستوحي (امرأ القيس او شهرزاد) في كتاباته، وهو النوع الراقي في الادب.

– فأنا لا اسلم ابدا بان رقي الانسان هو في تقدم اسباب معاشه المادية – – هذا حقا هو الرقي بالمعنى الامريكي ولكن الرقي بالمعنى المثالي شئ غير ذلك – – ان الانسان الأعلى ليس ذلك الذي يضع كل شئ في فمه، لكنه ذلك الذي يشعر بحاجته الى متع معنوية واغذية روحية واطعمة ذهنية لا علاقة لهل من قرب او بعد بضرورات حياته المادية.

– هذا هو الفرق الوحيد بين الانسان والحيوان، فالحيوان لا يحتاج الى من يطرب لصوت من الغناء، او يحرك احساسه جمال تمثال من الرخام، ولا يمكن ان يخطر له على بال وجود عالم آخرغيرعالم الاكل والشرب والجنس.

– ولو نشأ ادب بين فصيلة من الحيوان، لكان هذا الادب في رأي قائما في جملته على مشكلات العراك على صيد الفريسة، ولأقتصر خياله على الحلم بان في بطن كل سبع غزالا سميتا.

– فلنأخذ مثلا جماعة النحل او النمل، وقد بلغت من الدقة والتناسق وروح التضامن في نظامها الاجتماعي ما يثير الدهشة. هذا المجتمع الذي شيده النحل على هذا الاساس من (الوعي الاجتماعي) لا (الوعي الفردي) لو قامت فيه نحلة اديبة، فما يكون نوعه واتجاهه ومراميه ؟ – – – لا شك ان هذا الادب سيكون له عين المرامي التي ينزل اليها (الامريكان).

– سيتحدث ادب النحل عن الازهار من حيث كمية عسلها ونصيب كل عامل من عمال خلية النحل في نقله واعداده والانتفاع به في الخلية، وعن حقوق الطوائف العاملة وواجباتها ومشكلاتها اليومية وشؤنها الحيوية – – – اما الذي لن يحدث ابدا فهو التفات النحل في ادبه الى حسن الازهار في ذاتها والى بهائها في الوانها والى تمايلها الرهيف مع النسيم وكأنها تراقصه والى تفتحها، ابتساما للفجر الجديد وهي تعانقه، والى نداها، وهي دموع الليل وهي تفارقه ! – – – لن يفطن النحل الى هذا ابدا – – – ولو فعل لأنقلب انسانا في لحظة واحدة.

– كل فضل الانسان على غيره من المخلوقات انه ارتفع الى العناية باشياء معنوية لا تتصل مباشرة بطعامه وشرابه ومقومات حياته المادية. وهذه سماها فيما سماه : الفن والادب، وحرص على ان تبقى – على قدر المستطاع – بعيدة عن تفاهاته الارضية، لتذكره من حين الى حين انه انسانا – – – وهنا تكمن عظمة الفن والادب. ولكن مطامع الناس شاءت ان تمد ايديها الفانية الى هذا الجوهر السامي لتسخره في شؤون الارض، فراينا الشعر والادب يتجهان الى غايات نفعية. فأستخدم الشعر احيانا لمدح الملوك والامراء من اجل المال والثراء او لنشر الدعوة في الدين او السياسة من اجل الثواب او الجزاء !

– * مقتبس من كتاب تحت شمس الفكر لتوفيق الحكيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here