كيفية القضاء على الفقر

بقلم: يوسف بن مير – مراكش

عندما نسعى لمحاربة الفقر ومحو أثره في أنحاء العالم، فلا بد من اللجوء إلى أعرق الحلول وأنجعها حيثما أمكن ذلك، مع إعمال أحدث الابتكارات وأكثرها تقدمًا. ولا يمكن المضي قدما في هذا الطريق إلا عبر إدماج مخزون المعارف القديمة ومزجه مع ما استجد من الاختراعات.

قد يستعصي علينا في أغلب الأحيان فهم السلوك البشري أو ميوله المحير مهما تغير الزمن والمكان. وهناك بعض هذه السلوكيات، واحد على الأقل، قد يسمح انتشاره المطلق بتعزيز المصداقية بين كل من أعبد المتدينين وأكثر علماء الاجتماع صرامة، ونجده موضوع قصة الخلق التوراتية (اليوم السادس)، كدليل على عراقة تاريخ هذا الأسلوب البشري. نتحدث هنا عن مبدأ كون الأفراد أكثر استعدادًا لتقبل القرارات التي يتم إشراكهم في صنعها.

لقد جبلنا على مقاومة القوى الخارجية التي تحدد مصيرنا، حتى لو كانت تلك الجهات مبادرات داعية للإيثار والعمل الصالح. هذا الطبع البشري أسلوب عيش جوهري وعملي من أجل استمراريتنا. فهل يحق للناس من خارج محيطنا أن يقدروا ويعرفوا الأنسب لنا بنفس الدرجة التي سيحدده بها السكان المحليون، من هم أكثر حاجة إلى تغيير تقبله تقاليدهم وأفضل لمستقبلهم؟ الجواب المحتمل هو كلا، وهنا نعي مغزى الحقيقة الاجتماعية التي يجب أن تشمل دائما إشراك السكان في صناعة القرارات التي تمس مجتمعهم بشكل مباشر.

عند مراعاة المخزون المعرفي الذي يملكه سكان القرى والأحياء، عندها فقط يمكن تحليل قضاياهم الثقافية والتاريخية والتقنية والبيئية وغيرها بشمولية أكبر. وهكذا سيؤدي إشراك الناس في التخطيط للتغيير إلى اتخاذ قرارات فعالة تشكل القاعدة الأساس لخلق مبادرات دائمة تعزز سبل عيشنا. بناء على ذلك، حتى مع وجود مجموعة من العوامل التي تتطلب الإنصاف من أجل القضاء على الفقر، فإن هناك بالفعل نظام فعال لتحقيق تلك الرؤية، نهج جاد به تاريخ الإنسانية القديم، ولا يمكن لأحدث التكنولوجيا أو أكبر التمويلات أن تقوم مقامه، نظام أساسه هو قيام سكان المجتمعات المحلية أنفسهم بالتخطيط والعمل في مشاريع تحسن ظروف عيش كل فرد في تلك المنطقة.

ولكي يتم ذلك، من الضروري بناء قنوات الحوار وتشجيع التصميم الجماعي من قبل طرف ثالث. وهنا يأتي التمويل ليلعب دورًا مهمًا إذا ما تم توجيهه نحو تفعيل قرارات التنمية التي تنطل من هذا التفاعل المحلي، حيث يقوم الأفراد وجمعياتهم، المستفيد الأول، بتحديد وإدارة المشاريع التنموية التي يرونها أنسب وأنفع لهم.

لماذا يعد هذا النظام الذي اعتمده الانسان القديم صعب المنال؟ نظرًا لأنه يتطلب خبرة محفزين أو مساعدين مهرة يستطيعون إدارة نقاشات مجتمعية مع السكان المحليين، فوجودهم الفوري والمستمر بالموقع سيضمن استمرارية التأطير والتشجيع مع صعوبة الأمرين. وفضلًا عن ذلك، حتى عندما تتحقق هذه التجربة السعيدة ويتم تحديد المشاريع بناء على المقاربة التشاركية، فإن دعمها بما يلزم من المال يبقى أشبه بالمعجزة. إنه عمل شاق، حتى مع الوجود المستمر لأفراد وفئات داخل كل مجتمع قد لا تفاضل القرارات الجماعية ولا مسألة التمكين ، وبالتالي قد تعمل على تخريبها والوقوف ضدها. أخيرًا، يجب تنزيل العديد من الأحداث الإيجابية في الوقت المناسب للقضاء على الفقر أو الحد منه.

جائحة كوفيد مثال حي على تلك الفترات التي يصبح فيه الإنفاق العام موجهًا لدعم الانتعاش الاقتصادي بشكل متزايد. وعندما نستوعب أن التنمية مسار مستدام لاستقرار المجتمع، لذا وجب توجيه الإنفاق الحكومي لتعزيز المشاريع المحلية التي يشرف عليها السكان المحليون، لفائدة المستفيدين المحليين. ويجب أن يجد الإنفاق الوطني والدولي في هذا الصدد طريقه مباشرة إلى الأحياء والقرى. ستضمن هذه الاستراتيجية تغطية عشرات الآلاف من المشاريع الصغيرة بدلاً من مئات المشاريع الكبيرة.

عندما ننشئ مبادرات قائمة على العقيدة، ستجلب بكل تأكيد تمويل القطاع العام، ولكن دعونا أيضًا لا نستثني التمويلات القائمة على الأديان، بحيث لا يكون دور المنظمات الدينية محدودا، وأشبه بسفن عابرة في الليل، باقتصارها على أنشطة التبادل الثقافي فقط، بل إنه من الممكن الاحتفاظ بمكانتها من خلال تقديم خدمات مشتركة تفيد البشرية. فالتنمية المستدامة العالمية تستوجب هذا التفاعل بسبب الموارد التي ستضيفها الشراكة من أجل تأمين ازدهار المجتمع.

عندما يتعلق الأمر بالمشاريع القروية الناشئة في المناطق الريفية، حيث يتركز معظم الفقر على كوكبنا، فليقم مزارعو المنتجات الفلاحية بمعالجة مشاكلهم بأنفسهم، وليكن التمويل مرتبطًا بما يخص التصميم والتزام السكان المحليين فقط. ولتكن أيضًا عملية زراعة الأشجار جزءًا من تحول المجتمعات الفلاحية وخطوة بسيطة نحو تشجير الأراضي الشاسعة، يجب هنا تسليط الضوء على أن القوانين التي تنظم الأرصدة التعويضية لانبعاثات الكربون يجب أن تتمحور حول الأسرة القروية وأن العائدات المالية، التي تتزايد وتنمو بشكل ملحوظ، يمكن إعادة استثمارها في مشاريع محلية يحددها السكان أنفسهم. لم يعد بإمكان المجتمع الدولي التغاضي عن كون هذا المصدر الجديد المهم للدخل لا يصل لسكان القرى، مع العلم أنهم يشكلون الفئة التي تسهر على رعاية الأشجار، ولا يحدون بديل عن ذلك لمحاربة الفقر.

وفي الختام، دعونا أيضًا لا ننسى أنه عندما نخطط معًا، فإننا نكتشف من خلال تلك الجلسات التحديات الشخصية والشكوك التي تنتابنا إثر ما ترسب من تجارب عشناها طوال حياتنا. وهذا دليل واضح على أننا في معظم الأحيان، ما إن نُمنح فرصة المشاركة في تجربة ما، إلا وتتحرر الأغلال العاطفية والخوف الذي راكمه الزمن بداخلنا. وهكذا، فإن التخطيط المجتمعي، عندما يتم إعمال الضوابط الاجتماعية التي جبلنا عليها، يمكن إرفاقه بورشات عمل استباقية لاكتشاف الذات وترسيخ مفاهيم وعبارات التمكين، وبذلك نضبط الوقت اللازم لبلورة رؤيتنا الخاصة وما نراه أنسب من أجل مستقبل أكثر إشراقًا. عندها يكون التخطيط التشاركي كمجتمع واحد ذو تعاليم أوضح وفعالية أكبر في معالجة الاحتياجات البارزة، ومصدر إلهام لإظهار القوة التي تنبع من قلوبنا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here