الرأي و الرأي الأخر

الرأي و الرأي الأخر :
بقلم ( كامل سلمان )
يسألني ماهو رأيك وإذا كان جوابي مخالف لرأيه سيضطهدني ان أستطاع الى ذلك سبيلا او على الأقل سيكرهني بأضعف الإيمان ، وإذا خفته وخشيت قساوته سأضطر للنفاق والكذب تماشيا مع رأيه ، وهكذا يفعل الاخرون ثم يأتيك من لا يعرف عن الواقع شيء لينتقد المجتمع ولا يدري ان مجتمعاتنا متآكلة من الجذور والسبب حرمونا من أراءنا التي هي عمق شخصيتنا . الدراسات أثبتت ان حرمان الطفل في التعبير عن سلوكه وشخصيته وكبت نشاطاته وأفكاره يعني سلب أكثر من نصف طاقته النفسية والعقلية ، فما بالك بالكبير الذي هو عمود المجتمع يتربى وينمو خائفا من الأبوين ثم من المجتمع ثم من المعلم ثم صاحب العمل ثم من الحكومة ثم يأتي من يسأله عن رأيه وهو قد عاش حياته لم يعرف المعنى الحقيقي للرأي سوى الخوف خاصة إذا كان رأيه بعيدا عن الرأي المتداول في محيطه الذي عاش وترعرع فيه ، نعم مازال المثل الشعبي ( حشر مع الناس عيد ) هو المبدأ الذي نعمل به جميعا وهو بوابة النجاة من كل شر . احد أقربائي له رأي مخالف لرأي الناس تعرض للتخويف والترهيب من قبل اقرب الناس اليه خوفا عليه من الهلاك إذا ما تسرب رأيه للملأ ، فأنعزل عن الناس والمجتمع كما أنعزل أصحاب الكهف ، وكلنا نعرف قصة أصحاب الكهف الذين أنعزلوا مخافة من القتل لإن لهم رأي مخالف لرأي أهل ذلك الزمان والسيناريو يتكرر ولكن للأسف لا يوجد كهف للاختباء . وهذا يعني صاحب الرأي المخالف وجوده الاجتماعي محفوف بالمخاطر وحضوره يساوي صفر لإنه مقيد نفسيا وغير قادر على العطاء .
يظن البعض ان حرية الرأي هي حاجة للمجتمع الديمقراطي ولكن الحقيقة حرية الرأي هي حاجة لبناء ذات الإنسان قبل بناء المجتمع وبناء الدولة ، ما قيمة المجتمع والدولة دون بناء الإنسان ولطالما تسمع أصحاب العقول الملوثة ينتقدون الحرية ويسمونها ضياع القيم الأخلاقية الخالدة التي تربينا عليها والحقيقة هم لم يتربون على قيم خالدة بل تربوا على قيم مريضة والدليل أنظر الى تأريخنا عبر ألاف السنين كله ألم ودم ومآساة فهل هذا ما نريد الحفاظ عليه ، أهي خدعة ام ضحك على الذقون ؟ لا تثريب ولا لوم على من يريد مصادرة رأيي لإن عدم مصادرة الرأي هي المشكلة وهي التي تحتاج الى ثقافة وأدراك عالي المستوى وهذا غير متوفر عندنا ومن الصعب توفره في مجتمع مثل مجتمعنا .
أحترام الرأي الأخر أصبح جزء من ثقافة المجتمعات المتمدنة بل أصبحت مادة دستورية تخضع لقوانين ملزمة للجميع ، وهذه واحدة من أكبر الفروقات التي قفزت بالمجتمعات الأخرى الى التقدم والرقي وتركتنا نتخبط في مستنقع التخلف . نحن بحاجة الى هذه الخطوة الكبيرة أكثر من حاجتنا الى الديمقراطية والخدمات وفرص العمل لإنها الأساس التي تستند وتقف عليها كل الخطوات الأخرى في بناء المجتمع الصحيح الذي أصبح حلمنا الأكبر . وليعلم الجميع ان أحترام الرأي الأخر ليس منة او فضل بل هو واجب وحق يبدأ من نعومة أظفار الطفل وحتى الممات وليس من حق أحد مصادرته او التحكم به إلا بما يسنه القانون الإنساني الأخلاقي العادل الراعي لحقوق الجميع دون استثناء مهما أختلفت العقائد والإنتماءات العرقية ، هكذا هي تركيبة المجتمعات المدنية المعاصرة التي تتسابق نحو المجد والعلا . المغفل المغلوب على أمره هو وحده من لا يعرف قيمة احترام الرأي الأخر ويحشر مفهوم الرأي الأخر وخاصة إذا كان مخالف للعرف الموروث السائد يحشره ضمن قائمة الممنوعات تحت يافطة الدين او يافطة التقاليد السامية الأصيلة دون دراية منه عن مدى انحطاط تفكيره المخالف للقيم الإنسانية الصحيحة .
ليس من اليسير نقل المجتمع الى التفكير الصحيح فهذا قد كلف المجتمعات الإنسانية جهودا جبارة وصراع مرير أستمر لعشرات السنين حتى تذوقوا حلاوة جهودهم ولكن بإرادتهم العنيدة صنعوا من المستحيل واقع يتنعمون بواحته التي تسر الناظرين وينهلون من ماءها العذب اليوم ، فهل نحن قادرون ؟ أتمنى ان لا يكون رهاننا رهان خاسر فقد تعودنا على الرهان الخاسر الذي لا زلنا به فرحون .
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here