براءات الاختراع .. هل من منقذ ومجيب ؟!

براءات الاختراع .. هل من منقذ ومجيب ؟!
بين فترة وأخرى تنشر وسائل الأعلام العالمية والمحلية أنباء مفادها إن هناك علماء عراقيون قد برزوا في تخصصات عدة ويتم تكريمهم من ارفع المستويات في الدول التي يعملون فيها ، ومن أمثلة ذلك قامت ملكة بريطانيا والأمير تشارلز بتكريم مجموعة من العلماء العراقيين لأدائهم العلمي المتميز ، و ليس الغرض لمثل هذه التكريم الدعاية او المجاملة لبلدنا لأن المبدعين من أصول عراقية ، بل للتعبير عن العرفان والتقدير لما يقدمونه من تميز او اختراع ، والبعض حين يقرا هذه الأخبار ويقول إن العراقيين ( يفتحون عيونهم في الخارج ويغمضوها في الداخل ) ، وهو كلام خاطئ وغير دقيق لان العراقيين في الداخل يقدمون أضعاف ما يقدمه أقرانهم في الخارج ، ولكن عيون ذوي الشأن هي التي تغمض عنهم فتذهب جهودهم هباء ، نقول هذا ليس عطفا او عبثا وإنما من خلال الاطلاع على عشرات براءات الاختراع التي أجيزت في بلدنا ولكنها تسجل في قائمة النسيان ، حيث يبقى ذلك الإنتاج أما في الأدراج او في المكتبات او يملاها الصدأ بانتظار من يتصدق عليها لإدخالها التطبيق واستثمارها للاستفادة منها بإدخالها إلى حيز التنفيذ ، و براءة الاختراع ليس فيها ما يلوثها من مظاهر وفساد فهي تخضع للاعتراف من قبل الجهة المعنية ( الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ) بعد مرورها بإجراءات عديدة تتضمن فحص وتقويم كل اختراع من الجوانب العلمية والتطبيقية للتأكد من تفرده وجدواه وعدم احتوائه على التقليد وإخضاعه لتجارب من قبل مقومين بمستويات عالية للتأكد من تطابق المواصفات وتوفر الجدوى وإمكانية التشغيل وخلوه من العيوب والأضرار ، وهذه الإجراءات مهما تستغرق من وقت فان المخترع او فريق العمل يكونون في حالة إذعان لكل الطلبات والاختبارات والإجابة عن كل الأسئلة ليثبتوا للجهة المانحة إن الاختراع هو اختراع بالفعل ، وفي مراحل الأعداد للاختراع التي ربما تستغرق سنوات او أثناء تحويل فكرة الاختراع للواقع العملي لا يتلقى المخترعون دعما او تمويل ، إلا إذا كان الاختراع قد تم تبنيه من جهة محددة ( وهو أمر نادر في العراق ) ، وينتظر المخترعون من الجهات المستفيدة من الاختراع إدخاله إلى حيز التطبيق حيث يعبرون عن إبداء كل التعاون لمساعدة تلك الجهات بأية طريقة ممكنة فالمهم لدى اغلبهم أن يستفيد بلدنا من تلك الاختراعات ، ولكن النتيجة قريبة للإحباط في الكثير من الحالات فرغم إن بعض المخترعين يطرقون أبواب الجهات المستفيدة للتعريف باختراعهم وجدواه من التطبيق وأثره العلمي والعملي ، إلا إن نادرا ما نجد حفاوة الترحيب واحتضان الاختراع ، فما يجدوه ربما يصل لحد المماطلة والتسويف او التعكز على إجابات غير مقنعة كعدم وجود التخصيص او الحاجة إلى صلاحيات وغيرها من الأعذار التي تحبط دافعية الانجاز لدى المخترعين .
ومن بين الاختراعات التي اطلعنا عليها ، تصنيع درع جديد مضاد للرصاص يتميز بخفة وزنه و زيادة كفاءته و موثوقية حمايته لمستخدميه و رخص ثمنه مقارنة بالدروع الحالية الثقيلة و التي تكلف عملة صعبة ، وقد تم تسجيل هذا الاختراع لدى الجهة المعنية في وزارة التخطيط التي أجازته ( البراءة المرقمة 6876 في 31\10\ 2021 ) بعد جهد جهيد وتحت عنوان (المواد المركبة كدرع مضاد للرصاص) ، وبإمكان هذا الدرع تصنيعه و إنتاجه محليا من قبل القطاعين الخاص او العام لتلبية الطلب المستمر عليه من قبل الوزارات والجهات الأمنية والأفراد الذين يتعرضون للأخطار ، والدرع الشخصي المستورد مستخدم بالداخل ولكن الاختراع الجديد يتمتع بموثوقية وأمان أفضل واستخدام أسهل وبتكاليف اقتصادية بمواد محلية ، إذ يمكن تعويض كامل المستورد من الخارج بهذا المنتج الذي تتوفر إمكانيات تصنيعه وتسويقه لدى العديد من الجهات ، وهذا الاختراع من الممكن تسويقه إلى خارج البلاد للتصدير لما يحمله من مواصفات ، والمخترعون عاهدوا الله وأنفسهم أن يكون هذا الاختراع من حصة العراق وعدم بيع حقوقه للغير تعبيرا عن مهنيتهم وصدقهم الوطني ، ولكن لم تتقدم أية جهة لتبني مشروع يتم فيه تطبيق هذا الاختراع ، وهو ليس الاختراع الأول الذي يجابه بهذا الجفاء بل سبقه العشرات او المئات التي تنتظر مبادرات الجهات المعنية ،لا لتكريم وتقليد المخترعين والعلماء بالنياشين والأنواط كما يفعل الملوك والرؤساء بل لإدخال الاختراع إلى حيز التنفيذ خدمة للعراق ولكي لا تذهب جهود سنوات البحث والعمل هباء وبما يوفر الحافز للمبدعين والمبتكرين الآخرين لإنتاج الاختراعات على وفق الضوابط والمواصفات .
وأملنا وأمل المخترعين ضعيفا في بلوغ الأمنيات ، ليس لعدم وجود جهة محددة في الدولة لرعاية مثل هذه المبادرات فحسب بل لان هذه الأعمال لا تسلط عليها الأضواء إعلاميا بالقدر الذي تستحقه منذ رحيل كامل الدباغ وانتهاء برنامج ( العلم للجميع ) ، كما إن معظم الجهات المستفيدة من الاختراعات لا تبدي حماسة واستعداد في استثمار هذه الاختراعات ربما عملا بالمثل الدارج ( مغنية الحي لا تطرب ) ، ورغم ذلك فان الاختراعات مستمرة وهي بالتأكيد لا تمثل كل الطاقات الفذة الموجودة في البلاد فهناك اكتشافات واختراعات يعزف أصحابها عن تسجيلها لأنه تتطلب جهود وتكاليف وإجراءات لا تلقى أية رعاية ودعم واهتمام ، ولو استمر هذا الحال ( لاسمح الله ) فان المجتمع سيفقد جزءا مهما من طاقات المبدعين والمبتكرين والمبدعين وهم من نعم الخالق سبحانه وتعالى للعراق ، وستبقى هذه الجروح مفتوحة وتحتاج إلى معالجات بعيون وآذان وإحساسات وطنية لتعتني بالموضوع ، و المخترعون لا يبحثون عن تعيين او مكافأة او تكريم عن ما اخترعوه رغم إن ذلك حقهم الطبيعي ، وإنما ينشدون عرفانا بالجميل عن كل التضحيات وإدخال ما اخترعوه للتطبيق بعد التجريب وانجاز كل المراحل التي يتطلبها كل انجاز تحت عنوان صنع في العراق .
باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here