الوصية الأخيرة : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم
قرر أن يخرج من وطنه ، حينما كان شابا فتيا ….
بعدما سمع أنه يمكن العيش ” هناك ” مرفّها دون تحريك حتى ولا أصبعا واحدا ..
و لكن على أن يرجع فيما بعد إلي أرض مسقط رأسه ، ولو بهيئة جثة هامدة ليُدفن محتضنا ترابها الساخن حسب تعبيره المفضّل …………
فتلك كانت وصيته الأولى والوحيدة و الأخيرة ،…
ولا أي شيء آخر ………..
ولكنه مع ذلك نسى أن يترك مبلغا مناسبا لنفقات دفنه وترتيب أمور قبره … مع علمه الجيد أنه سيرحل ذات يوم إلى الأبد .. في عصر باتت الفلوس تسيطر حتى على مشاعر و عواطف أخوة وقرابة و صداقة و على علاقات عادية أيضا … يعني الفلوس مسيطرة تقريبا على قلوب الكل يعني جميعا … نعم هذه الإمبراطورة الجبارة الغانية ، بشكل لا يمكن مقاومة إغرائها الشديد لتتربع في جيوب ولهانة و متلهفة تلبية لمتطلبات العصر القهرية : سيدة العصر الساحرة الغاوية الطاغية أقصد الفلوس … الفلوس …ثم الفلوس !..
فكر أحد الحضور وهو يتأمل التابوت المسجى ..
ربما أغلبهم يفكرون أو يتهامسون فيما بينهم وهم يلقون على التابوت نظرة ازدراء و غيض و غضب مكتوم ..
كما لو كانوا متورطين في مشكلة لا فكاك منها ولا هروب ..
حتى صاح بعض منهم مستاء ومتذمرا بصوت مسموع كما لوكان ينوي الانتقام للفلوس التي سيدفعها أخيرا ، مساهمة منه ،بل رغما ، كالتزام اجتماعي لا مهرب منه صاح بلهجة حنق :
ــ ما رأينا منه خيرا أبدا ..لا حينما كان حيا هنا ، ولا عندما وصل الآن من ” هناك ” ميتا و مفلسا ، بجيوب خاوية و حسابات بنكية فاضية .. بينما سمعت أنا ، إن الفلوس موجودة ” هناك ” بكثر ، في آلات حديدية مثبتة على الحيطان في محاذاة الشوارع ،فما عليك إلا أن تضغط على الزر رقم المبلغ لتتدفق على حضنك كمية الفلوس التي تريدها ..
بينما علق آخر ساخرا وكان يبدو ساخطا أكثر من غيره :
ــ حسب ظني أنه لم يكن ليصلح لأي شيء …و من المحتمل جدا أنه حتى ” هناك ” كان يعيش على أتعاب وجهود غيره ، أي عاطلا وبطّالا ،و غير منتج على الإطلاق .. و أنه……
هنا حسم شخص ثالث الأمر ـــ و قد كانت أسارير وجهه تعبر عن شيء من حكمة ورصانة وطيبة ــ ليقول بنبرة رجاء :
ــ يا جماعة رجاء !.. لازم نعرف أنه عن الميت أما كلام طيب و لطيف أو فلا !.. .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here