تراجيديا الدم ( الكوميديا الشيطانية )

تراجيديا الدم ( الكوميديا الشيطانية )

علي الابراهيمي

[email protected]

7- 10 \ 2012 \

(( ثمة اعضاء في مجلس العموم , يجهلون موقع ( السعودية ) على الخريطة , قدموا الي في السنة الماضية , خصوصا في الاسابيع الاخيرة , يسألون عن ( الحجاز ) و ( نجد ) , لقد دهشت , كيف يعرفون هذه المصطلحات ؟ فجأة تعلموا هذه المصطلحات ! لماذا ؟ , .. )) جورج غالوي[1] .

منذ سقوط الدولة العثمانية لم تحظَ الجمهورية التركية بهذا الحضور في الساحة العربية , ولم تلقَ دراما تلفزيونية سابقاً ما لقته الدراما التركية – الماراثونية – على الشاشة الفضية في الاعلام العربي , لما بعد 11 سبتمبر . رافق ذلك صعود الاسلام التركي السياسي – المتحضّر – الى منصة الحُكْم , بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية على الديمقراطية في هذه الجمهورية الاتاتوركية , كانت تقمع ابسط المظاهر الاسلامية والرموز الدينية , حتى فيما يخص اللباس المتعلق بحرية الفرد , لينقلب الحال وليصبح المحكوم حاكما , والمتَّهَم مدّعيا , فرأينا العسكر – في ظاهرة فريدة – يساقون الى المحاكم , في ظلّ ( سكون ) غربي واضح .

وفي الجوار كان المجتمع العربي – الذكوري – يغلي , باحثاً عن ( صلاح الدين ) باتجاه الغرب , وعن ( جمال عبد الناصر ) باتجاه الذات , وهو في الحالين يبحث عن رمز , لم ولن يجده , لأنه – باختصار – يعيش تحت وطـأة التناقض الفكري والانتمائي بين طاعة ولي الامر – العبد للغرب – وبين فطرته الانسانية التي ترفض الظلم , تحت تخدير مؤسسة دينية “حكومية ” , لم يشذ عنها الا ” الشيعة ” والجهابذة المجتهدون من امثال ( سيد قطب ) .

كانت هذه الفترة قد شهدت السماح للإسلاميين الشيعة بالوصول الى الحكم , كما وصلت حماس – الثورية الاسلامية المقاوِمة – الى الحكم ايضا , وهذان الوصولان كانا ضروريان للخطوة التالية , والتي تم السماح فيها للسلفيين بإنشاء الاحزاب والتأثير في مجرى الاحداث , بعد ان كانوا ضمن نطاق المجتمع الارهابي رسميا , فمن غير الممكن نقلهم من سجلهم السابق الى سدّة الحُكْم دون تغيير خريطة السياسة في المنطقة , من خلال السماح للشيعة و ( حماس ) بنسبة من الحركة السياسية المجازة عالميا . وهي مرحلة تحضيرية ايضا لنقل المجابهة القومية والقِطْرية في منطقة الشرق الاوسط الى مجابهة طائفية ودينية , عبر السماح بوصول الإسلاميين البراغماتيين المقموعين والمشرّدين الى سدة الحُكْم , في طَرَفي الامة , وتحت شرط اساسي : ان تكون هذه الجهات ضحلة التفكير وقليلة الوعي ومنفلتة المرجعية .

سبق كل ذلك انقلاب ” العقوق ” في ( قَطَر ) , التي تحولت – في ظاهرة مثيرة – من دولة على هامش العالم النفطي الى دولة راعية لثورات العدالة في العالم , تمهيدا للدور المرسوم في دعم ” الربيع الديمقراطي ” .

لكن الخطة الاعظم بكل المقاييس كانت هي انشاء ” محرقة الجهد الثوري الاسلامي ” , فيما تم تسميته عالمياً منظمة ( القاعدة ) , لتجذب هذه المؤسسة الاسلامية الامريكية السعودية الشباب الثوري الحماسي في العالم الاسلامي السنّي , ومن ثم تحرقهم فوق موقد الحروب الهامشية والاقليمية , تحت شعارات استهلاكية , ولتجعل منهم اداةً امريكية مطاوعة ومساندة للجهد العسكري الامريكي ضد الاتحاد السوفيتي السابق , وكذلك ضد العدو الرئيسي الباقي , المتمثل بالشيعة , في افغانستان والعراق وغيرها . وكذلك ساعدت المنظمةُ الجهدَ الاستخباري الغربي في جمع قاعدة بيانات ضخمة للحركة الاسلامية الفعالة في المحيط الاسلامي , عن طريق مجاميع من الشباب المعتقل وغير المعتقل. كما وفرّت ( القاعدة ) اكبر مصدر اعلامي قبيح لتغطية التحرك الاستعماري الامريكي الغربي في العالم , بعد حرب الخليج الثانية .

وكانت تسير الى جنب هذه الاحداث والجهود خطة خفية مُحْكَمة , تمثلت في نشر الفكر السلفي النجدي في بلاد المغرب العربي ومصر , ليزيل بصورة أتوماتيكية الفكر الاسلامي المعتدل والواعي في الوسط العربي المغاربي والمصري , والذي شكّل مدرسة مشابهة لمدرسة ( علي شريعتي ) في الجانب الشيعي , وهو فكر – في حالة نموه – سيشكّل خطراً كبيراً على المشاريع الغربية في المنطقة الاسلامية , وربما يأتي بنتيجة مشابهة للثورة الاسلامية في ايران , مع الفارق البيئي طبعا , كما ان انتشار الفكر السلفي النجدي سيمثل الارضية المثالية للمشروع الغربي القادم – الذي نشهده اليوم – لاعتبارات نفسية واجتماعية ودينية وسياسية . فتم زرع هذا الفكر بصورة غريبة جداً في ليبيا , وسط سكون رسمي اكثر غرابة من مجنون ليبيا وطاغوتها صاحب الكتاب الاخضر ( معمّر القذّافي ) , تزامن ذلك مع مدٍّ سَلَفي براغماتي في مصر , امام سكوت رسمي ايضا , على الرغم من ان النظام المصري الذي كان قائماً مثّل اسوأ آليات محاربة الاسلام والاسلاميين في المنطقة , منذ اعدام الشهيد ( سيد قطب ) , واصبحنا نرى حكومات سَلَفية محلية في الكثير من مدن مصر شبه مرخصة .

فيما راحت الحكومتان البعثيتان العراقية والسورية عبر اجهزة مخابراتها – قبيل 2003 – تشكّل خلايا وبؤر سَلَفية مرتبطة ب ( القاعدة ) تمهيداً لمواجهة اي تواجد امريكي عسكري في العراق , ظنّاً منهما ان هذه الخلايا تحمل عداءً فعلياً للغرب , فيما كشفت الاحداث اللاحقة ان هذه الخلايا كانت المساهم الاكبر والاهم في مشروع امريكا الطائفي في العراق وسوريا , حتى صار المحامي الاول في الدفاع عن المنتمين ل ( القاعدة ) والارهابيين – الذين قتلوا المواطنين العراقيين الابرياء – هو الجيش الامريكي , وتم اطلاق سراح اغلبهم تحت ضغط سياسي غربي مفضوح , وفي سوريا اليوم تم اعلان التحالف بين هذه الخلايا وامريكا بشكل سافر .

وكلّ هذا التمهيد الغربي للمشروع التغييري المزمع كان بحاجة الى اعظم آلة قتلٍ في العالم وهو ” الاعلام ” , فكان لابد من وجود ” اعلام ثوري ” و ” اعلام معاصر متحضّر ” و ” اعلام محايد ” , لكنّ كلّ هذا الوجود مرتبط بماكنة واحدة ويخدم مشروعاً واحدا , فكانت قنوات وصحف , اهمّها ( الجزيرة ) و ( العربية ) و ( الحرة ) , ليسير الاعلام المتبقي في فلك احدى هذه الفروع التي تماشي كل الامزجة العربية المستهلَكة .

ولحماية كل هذا الجهد المضني , ولتأمين سير العمليات على الارض , ولكسر كلّ قواعد المنطقة السياسية والامنية والاجتماعية وغيرها , كان لابدّ من تواجد غربي عسكري على الارض , وفّر طاغوت العراق ( صدام ) الغطاء اللازم لحضوره , عبر حماقته في الكويت , وربما لم تكن حماقة بقدر ما كانت جزءاً من ذات المشروع . ليُعلَن بعدها عن مشروع المصالحة بين العرب والصهاينة , والذي لم يكن جديداً بقدر ما كان اعلانا , وليتسابق العرب على التطبيع قبل ان يتم الصهاينة المصالحة . فكانت هذه بداية تغيير قواعد اللعبة , والاعلان الرسمي عن تغيير مفهوم ” العدو ” , والذي انكشفت خيوطه لاحقا .

ولا نحتاج لبيان ان حرب الخليج الثانية كانت موجهة ضد الشعب العراقي حصرا , لا ضد ( صدام ) ونظامه , وكانت من اهم خطوات المشروع الشيطاني , حيث تم تدمير كل اوجه الحضارة والمدنية والتقدم العلمي في العراق , وسط ذهول شعبي من غرابة ما يجري , حيث تم ترك الجيش العراقي يصول في الكويت واستهداف كل البنى التحتية التي تهم الشعب العراقي من قبل اكبر تكنلوجيا عسكرية في العالم , وفيما تمّ تدمير المصانع والمزارع ومراكز الابحاث ومصادر الطاقة , كان المسؤولون العراقيون آمنين مطمئنين ! , ليتعرف الشعب العراقي حينها على حقيقة الوجه الشيطاني لأمريكا , والذي تمّ لفّه بقناع ” انساني ” .

لكن الاهم من كل هذه الآلة العسكرية كانت الآلة الاعلامية , والتي قلبت المفاهيم والقواعد والثقافات , فصار الصديق عدوّاً والعدوّ صديقا , وهكذا , ولم يكلّف العقل العربي ان يسأل نفسه : كيف لوسيلة اعلامية يملكها ربيب للغرب ان تكون معادية للغرب ؟! .

ينقل ( ناصر قنديل ) – رئيس مركز الشرق الجديد للدراسات والاعلام – عن مستشار ( ديك تشيني ) لشؤون الشرق الاوسط ( ديفيد وولبرز ) قوله : ” من ضمن خطتنا في المنطقة لابد ان ننتبه للإعلام , الاعلاميون العرب كلّهم اعداء , وكلّهم ضد الساميّة , وكلّهم يمكن ان يشكّلوا معسكر الخصم , لكن لابدّ ان نجد اسطبلاً من الاعلاميين العرب , يشبه سفينة نوح , الاحصنة في هذا الاسطبل ان يقولوا دائما : ان سوريا وايران هما المشكلة . اما الحمير فهم من يصدقوننا باننا نريد الديمقراطية , اما حظيرة الخنازير – الذين يقتاتون على فضلاتنا – فمهمّتهم كلّما اعددنا مؤامرة ان يقولوا : اين هي المؤامرة ؟ ” .

وبعد ان تم اقناع العقل العربي واشباعه بالمفاهيم الطائفية , بعد استهلاك كل وسائل التفرقة القومية , وراح المواطن العربي يعتقد ان ( الشيعة ) اشدّ خطراً من اليهود , وان ايران اكثر عداءً للعرب من امريكا , صار من الممكن البدء الفعلي بالمشروع الشيطاني الاكبر في المنطقة , لكن مع ابقاء العقل العربي في ” دائرة التخدير الثورية والديمقراطية ” المشتركة , ومن هنا كان من اللازم مغازلة احلام المواطنين العرب , فمن كان ثوريّاً تتم مساعدة ثوريّته , ومن كان ناشطاً حقوقياً وديمقراطياً تتم المساهمة في منحه تلك الديمقراطية التي منعها الغرب عن العرب لعقود .

العقل العربي المعاصر في الغالب تعشعش فيه قضيّتان رئيستان : الاسلام والكاريزما , فلابدّ من اقناعه بأنه حصل عليهما . فكان هذا المشروع التمهيدي قائم على محاور :

1 – الثورة

2 – الديمقراطية

3 – وصول الاسلام للسلطة

4 – توفير الكاريزما

لكن بشرط واحد : ان يكون كل ذلك ضمن نطاق المشروع , وبعد الاتفاق على الخطوط الحمراء .

لقد كان المثال الافضل لصنع الكاريزما هم السياسيون الاسلاميون الاتراك , ولعدة اسباب , منها :

1 – ماضي تركيا الاسلامي الامبراطوري

2 – ادبيّاتهم الاسلامية

3 – معاناتهم النضالية المفترضة ضد الغرب والعلمانية

4 – حجم الدولة التركية عسكرياً وسياسيا

5 – احتفاظ الذاكرة بعداوتهم للعدو الرئيس المفترض والبديل في العالَم السنّي اليوم وهم ( الشيعة ) , من خلال الصراع العثماني الصفوي

6 – انتمائهم للمشروع الامريكي ومطاوعتهم لإرادة الغرب

7 – خصائصهم الاسلامية الدينية وسلوكهم شبه العلماني , مما يوفر انسيابية في الحركة داخل البعدين العربيين الاسلامي والعلماني .

فتمّ تهيئة هذه التوليفة من السياسيين الاتراك بعد ازاحة الرموز التي كانت تعيق تنفيذ المشروع الامريكي في تركيا , امثال ( اربكان ) , وذلك عبر عدة مراحل تميّز المشاريع الغربية المعروفة بطول النَفَس .
فكان الاتراك بحاجة الى فقاعات تنفجر لتدفع بوصلة العقل العربي باتجاه صورتهم المراد طبعها في الاذهان العربية المخدَّرة , لذلك رأينا حركة ( اردوغان ) في ( دافوس ) ضد الرئيس الاسرائيلي , فانبهر العرب – المذعورون – بهذه الشجاعة لسياسي اسلامي ( سنّي ) , ورأينا حركة ” اسطول الحرية ” المدعوم تركيّاً وسَلَفيّا , في اول ولادة لخيوط المشروع الامريكي واول ابراز لخيوط اللعبة , ولعلّ اول يثير هو الوجود السَلَفي في الاسطول رغم المعرفة التامة بأن آخر ما يبحث عنه السلفيون الخليجيون هي ( فلسطين ) , وتاريخ فتاواهم المعرقلة للحركة النضالية الفلسطينية معروف , ورغم الوعد والوعيد في قضية الاسطول , ورغم الاثارة الذهنية العربية , لم نشهد بعدها ذكراً له ولا لشهدائه , فغاب عن اعلامنا الذي اثاره فترة بقوة .

فتوجّهتْ البوصلة العقلية – المحكومة عاطفياً – باتجاه الساسة الاتراك , الذين غازلوا ايضا ” الشيعة العرب ” , وقام ( اردوغان ) بزيارة ( النجف الاشرف ) وحضر مواكب العزاء , في محاولة ثنائية الهدف لاختراق المجتمع الشيعي , ولإبعاد شبح الاتهام بالطائفية في مشاريعه التي خطّط لها مع الغرب , و لتنجح امريكا في توفير الكاريزما المناسبة للذهنية العربية المستهلَكة والمتعَبة والخاضعة للعاطفة , بعد ان سلبها تناقض ” طاعة ولاة الامر الظَلَمَة ” و ” الفطرة الانسانية والتقدم العالمي والانساني ” جوهر الفكر .

ولتكثيف فكرة العداء للشيعة , صوّر الغرب للعرب السذج ان وصول ( الشيعة ) للسُلْطة كان عبر الآلة الامريكية , فيما كانت امريكا على ارض الواقع اكبر معرقل للتمثيل الحقيقي لحجم الشيعة في العراق , كما انها الغت كليّاً دور الشيعة العراقيين في الداخل , رغم انهم مثّلوا اشرف وابسل حركة مقاومة واقعية فكرياً وجهادياً ضد نظام الطاغوت الصدّامي , وجاءت بتوليفة عراقية من الخارج لأسماء بعضها ينتمي لحركات تنظيرية ” فندقية ” , وبعضها لم يسمع العراقيون باسمه على مر تأريخهم الجهادي , بالإضافة الى بعض الاسماء المحدودة جداً لشخصيات تملك حضوراً نضالياً وجهاديا , بعد ان رتّبت ادوار الجميع من خلال مؤتمر لندن للمعارضة العراقية . ورغم ان الحراك الشعبي العراقي – المدعوم بمواقف المرجعية الدينية وبعض الشخصيات الاجتماعية والثقافية – اوجد حاجزاً بين الارادة الامريكية وبين التيارات التي تعاونت معها , كما اضطرتْ أمريكا – في ظاهرة فريدة – الى استبدال عدة مسؤولين في الادارة المدنية الامريكية للعراق بعد 2003 م , ومن ثم تم اجبارها على انتخابات ديمقراطية اوصلت الكثير من العراقيين -المغيَّبين عن المشهد والرؤية الامريكية – الى المواقع القيادية المركزية والمحلية , ليكون للرأي العام العراقي دوره في مواجهة الخطة الامريكية , وبالتالي اضطرار الولايات المتحدة الى الانسحاب الكلي عن العراق دون اية مكاسب على الارض سوى النجاح في زرع المنظومة الشيطانية ل ( القاعدة ) , والتي كانت اهم اسباب تأخر خروج الجيوش الامريكية من العراق , والتي استمرت بعد خروج تلك الجيوش بعمليات قتل العراقيين وتخريب مشاريع البنى التحتية , ليزاح عن وجهها القبيح القناع الكاذب والمسمى بالمقاومة . لكن كانت الاسماء والالقاب المنتمية للتشيّع كافية لإيصال فكرة التعاون الامريكي الشيعي للعرب , الذين يعيشون حالة الخَدَر الفكري التام , وهم يُغمضون اعينهم عن الزنا الامريكي اليومي بحكوماتهم واراضيهم ومنذ عقود , كما ان هؤلاء العرب استمروا ينظرون بعين عوراء لحقيقة دخول الجيوش الامريكية عن طريق اراضي الدول العربية والتركية .

يقول رئيس قسم الدراسات الخارجية في جامعة تل ابيب ( asher susser ) : ” الوضع في لبنان ليس قضية محلية , هي سياسة داخلية كجزء من منطقة جغرافية واسعة , هل لازالت لبنان عربية ؟ , في صميم اهل السنة والجماعة العرب , ام ان لبنان امتُصّتْ لمنطقة الايرانيين الشيعة ؟, نحن الصهاينة مثل السعوديين والمصريين والاردنيين , نريد ان نبقي لبنان جزءاً من العالم العربي , اسرائيل الان شريك غريب لأهل السنة والجماعة العرب , ضد الشيعة والايرانيين , لكن تحالفنا هذا الذي نملكه مع مصر والسعودية والاردن , ضد ايران والتأثير الشيعي , هو تحالف اسمّيه تحالف الحزن , السعوديون والمصريون والاردنيون اقل ثقة , مقارنة بالإيرانيين و ( حزب الله ) عن المستقبل , اسمعوا كيف يتحدث ( احمدي نجاد ) , اسمعوا كيف يتحدث ( حسن نصر الله ) , هذا الجو وتلك الطاقة في الثقة الذاتية , < الوقت هو وقتنا , هذا وقت الشيعة > , اهل السنة والجماعة في تراجع , وهم اقل من الثقة المطلوبة كحلفاء معنا ضد ايران , لذلك اسرائيل على هذا الاعتبار في تحالف الشجن , اهل السنة والجماعة يمكنهم الاعتماد على اسرائيل , للوقوف بوجه ايران اكثر مما يمكن اسرائيل الاعتماد عليهم , لنفس الامر ” .

وبعد حرب 2006 م بين المقاومة الاسلامية في لبنان واسرائيل , وزيادة لمعان نجم الشيعة الذين مثّلوا ارقى صور التضحية والشهادة , وبلوغ التعاطف العربي ( السني ) مع المقاومة ( الشيعية ) حدّاً لم تستسغه المؤسسات الغربية والعربية الدائرة في فلكها , صار من اللازم المباشرة بالمشروع الشيطاني علنياً , قبل خسارة الكم العاطفي المعادي للشيعة , والذي بذلت امريكا في سبيله الكثير من الجهود .

يقول ( جورج غالوي ) : ” المؤامرة الثانية هي خلق شقاق مزيّف بين العرب وايران , وتصوير ايران على انها شيطانٌ ما يسهر الليل ويخطّط لكيفية جعلكم جميعا تعتنقون طائفتهم ” .

كان واضحاً ان العالَم العربي السنّي بحاجة الى ” الثورة , البسالة , البطولة , الكاريزما , الحرية ” , لأنها صفات امتلكتها المقاومة الاسلامية في لبنان , وبالتالي يجب توفيرها لإشغال العالَم العربي عن قضية المقاومة , وكذلك ايصال أنظمة كاريزمية ترعرعت في بيئة طائفية , لتشكّل رأس الحربة في معاداة منهج المقاومة الاسلامية والفكر الشيعي , ليجد المواطن العربي نفسه اسيراً للانتمائية , ووجها لوجه امام المقاومة الاسلامية ( الشيعية ) كعدوّ .

في هذه الفترة كانت معظم الانظمة العربية – التابعة لوزارة الخارجية الامريكية والبريطانية والفرنسية – قد فقدت آخر اقنعتها القومية والثورية والتقدمية , … الخ , وبدأت الشعوب العربية مرحلة الانسلاخ عن ” فقه الانبطاح لولي الامر ” , وقد كشفت القضية الفلسطينية مدى عمالة هذه الانظمة الملتفعة بالدِين او الديمقراطية او الثورية , فكلها قد قبَّلت القدم الصهيونية , بعد ان دمّر ( صدام حسين ) آخر روابط وجسور العلاقات العربية – العربية , عبر اكبر خدمة للمشروع الامريكي الصهيوني , حيث ضرب الغرب والصهاينة ثلاثة عصافير بحجر صدامي واحد , فقد ازالوا تماماً الامكانية الصناعية والزراعية والاجتماعية للعراق , كما دخل العرب بعلاقات مباشرة مع اسرائيل , وهيّأ ( صدّام ) اسباب تواجد القوات الامريكية في مياه الخليج وتركيا , لتكون حاجز الحماية الاكبر لإسرائيل امام القدرات المتنامية لإيران , والتي بدأت تشكّل اكبر تهديد يواجه المشروع الشيطاني في المنطقة , لا سيما بعد الانتصارات المتتالية للمقاومة الاسلامية ضد اسرائيل , بعد الدعم الكبير الذي قدّمته ايران لحركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية .

وبموازاة المشروع الشيطاني الماسوني عالمياً كان تسير حركة مناهضة له ومضادة لأهدافه , هي حركة النهضة الشيعية , والتي تدرّجت على شكل مراحل , اجّجَ اوارها مجموعة شخصيات في فترة زمنية متعاصرة , فبعد سبات ” شيعي ” ظاهري طويل نسبيا , دام للفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية , رغم وجود مشاريع نهضوية خلال تلك الفترة شكّلتْ اولى خيوط الفترة النهضوية اللاحقة , اقول بعد هذا السبات الظاهري برزت ثلاثة شخصيات نهضوية ضخمة , توفّرت لها حلقات وسطى مثقفة وواعية ورسالية , وكذلك قواعد شعبية متحمسة , انتقلت بالحالة الشيعية من واقع ردة الفعل الى الفعل , وهي شخصيات السادة ( محمد باقر الصدر ) و ( روح الله الخميني ) و ( موسى الصدر ) , في كل من العراق وايران ولبنان , تلتها النهضة التوعوية الضخمة والشجاعة التي قادها السيد ( محمد محمد صادق الصدر ) في العراق , والمقاومة الوطنية والاسلامية في لبنان , وانتقالة علمية ضخمة في ايران , وبعدها تمّ استلام الراية التوعوية في العراق ولبنان من قبل شخصيتين واعيتين جداً وحركيتين هما الشيخ ( محمد موسى اليعقوبي ) والسيد ( محمد حسين فضل الله ) . كلّ هذه الشخصيات اوجدت بالمجموع وعياً شيعياً متنامياً وخلّاقاً وحماسيا , خلَقَ حالة من الارتباك لدى الانظمة العربية التي لم تستسغ وجود ما اسمته ” الهلال الشيعي ” في المنطقة , وهي لا تعني به هلالاً جغرافيا يضمُّ مجموعات سكانية شيعية , لأنه كان هلالاً موجوداً على الدوام , لكنها ضد ” هلال الوعي الشيعي ” الذي انتجته هذه الشخصيات الضخمة .

كان من اللازم حينها الاسراع بالمشروع الشيطاني العالمي واللعب بصورة مكشوفة , واظهار حقيقة التحالفات السرية في العالم , قبل تنامي هذا ” الهلال ” ليشكّل ” بدراً ” يضيء فيجلو ظلمة الليل عن اعين المخدَّرين من العرب والمسلمين , فيتعرّض مشروع الغرب الشيطاني لضربة موجعة جداً تؤخّره لعقود او حتى قرون .

هنا بدأت مرحلة ” الربيع السلفي الامريكي ” , والذي قام على اسس :

1 – العداء بين الشعوب المغلوبة والانظمة الجائرة الدكتاتورية

2 – وصول هذه الشعوب الى حالة اقتصادية مزرية ” غوغاء الجوع ”

3 – زرع الثقافتين الاستهلاكية السطحية والسَلَفية – في المرحلة السابقة –

4 – سلب عناصر القوة عن يد الشعوب , وتركيزها في الحكومات الجائرة

5 – التنسيق بين الغرب واعمدة حكومية في داخل هذه الدول , ومن ثم اظهارها بالمنظر الديمقراطي الجديد

6 – السيطرة التامة على وسائل الاعلام , بصورة مباشرة , او عن طريق التأثير الجمعي

7 – تأثير العناصر الكاريزمية والكوادر التي تم زرعها وتنميتها لسنين سابقة

فصار من المؤكد ان هذه الشعوب كانت بحاجة الى شرارة تشعل فيها لهيب الثورة ضد الاوضاع الفاسدة لعقود , لكن في ذات الوقت ضَمِنَ الغربُ ان نتائج هذه الثورات ستكون ثمارها لصالح مشروعه , من خلال ثلاث نقاط :

1 – حاجة الشعوب الثائرة للمعونة الغربية

2 – وجود الثقافة الاستهلاكية السطحية والثقافة السَلَفية , والتي ستنتج سُلْطة جديدة سطحية وسَلَفية , عن طريق صناديق الاقتراع , وبالتالي وصول عناصر غير خبيرة وغير كفوءة

3 – وجود الكاريزمات الوهمية التي تم اصطناعها سابقا .

وبعد ان تم تجريب العاطفة العربية الشعبية – بالإضافة للتحركات الرسمية والاعلامية في قضية اغتيال ( رفيق الحريري ) وحرب تموز – تأكّدت المؤسسات الغربية من الولاء التام لهذه الاوساط , كما تأكّدتْ من مستوى السذاجة العربية , وضمنتْ تغيّر مفهوم العدوّ , فاصبح الصديق عدوّاً والعدوّ صديقا .

وبدأ اسقاط الانظمة التي انتهت فترة عمالتها وانتهت صلاحيتها , بعد ان كان ( القذّافي ) اهم حلفاء ايطاليا , و ( زين العابدين بن علي ) اهم حلفاء فرنسا , و ( محمد حسني مبارك ) اهم حلفاء الولايات المتحدة , رأينا هذه الدول مجتمعة ضد هذه الانظمة ومؤيدة للثورات فيها , ثم رأينا فارس الاستعمار التاريخي ومقر عمليات الشيطان ( بريطانيا ) تقود العمليات على الارض في ليبيا وبصورة علنية , ليبيا ( السَلَفية ) علنا , وفرنسا تدّعي ان ( بن علي ) – الذي كانت تدافع عنه قبل ايام – دكتاتورا , والولايات المتحدة – التي كانت تضخ الاموال ل ( مبارك ) وهي تعلم انه يقمع الديمقراطية ويطارد ( الاخوان المسلمين ) – اصبحت تطالب ( مبارك ) بالتنحي وفسح المجال للديمقراطية وتبارك وصول ( الاخوان المسلمين ) للحُكْم , لنرى بعدها الابتسامة المتبادلة بين ( محمد مرسي ) و ( رايس ) .

الحدث الابرز الذي اعقب الثورات العربية هو ظهور المليشيات والجماعات المختلفة والمتصارعة , وما نسمّيه ” فوضى الديمقراطية ” في جميع بلدان الربيع العربي , لتحل محل الدكتاتورية المركزية , في اكبر خدمة مجانية للمشروع الشيطاني, انتجت:

1 – انهيار الانظمة القوية

2 – ظروف ملائمة لانقسام الدول الكبيرة

3 – البحث الدائم عن الدعم الخارجي والتمويل

4 – فوضى الفساد وسرقة المال العام

5 – تسلّم الشخصيات الجهوية ثروات البلدان وازاحة الشخصيات التكنوقراط , وبالتالي سهولة التغلغل داخل المؤسسات المشرفة على هذه الثروات

6 – ضمان انشغال الشعوب الثورية بالصراعات الهامشية الداخلية , وبالتالي تفريغ شحناتها الثورية التي كانت موجهة باتجاه الخارج.

لكنّ كلّ الخطط المحكمة لابد ان تعاني مشاكل عَرَضية , فهبَّ ( البحرانيون ) و ( اليمنيون ) يطالبون بذات المطالب الديمقراطية التي طالبت بها شعوب تونس وليبيا ومصر , لكنّ المفاجأة كانت ان العالَم المتحضِّر وكلّ مؤسسات حقوق الانسان اعلنت ان هذه الثورات غير مشمولة بالرعاية , لأنها ليست جزءاً من لعبة الشيطان الكبرى , وقد اثبتت الاحداث ان هاتين الثورتين كانتا الثورتين الاكثر سلمية وصمودا , لكن ذلك لم يشفعا لهما , لأنّ فيهما ثواراً شيعة , وهذه الطائفة هي المستهدَفة بجوهر كل هذه العملية الشيطانية , ورغم القمع والذبح – الذي رآه الجميع على التلفاز والذي مارسه النظامان اليمني والخليفي , بما لا يصل الى ما مارسه النظامان التونسي والمصري – الّا ان امريكا وكلّ حلفائها الديمقراطيين قرّروا ان هذه الانظمة – في اليمن والبحرين – ديمقراطية .

هنا كان من الضروري معالجة الوضع ( اليمني ) بطريقة اخرى , تكفل الخروج من المأزق , فرغم ان ( اليمن ) خضعت لجراحة زرع السَلَفية فيها الا انها لازالت تضمّ كريات الدم الشيعية , اذا كان لابدّ من التغيير , لكن بعد ضمان عدم وصول الشيعة , فتمّ تحريك الشيخ ( الأحمر ) , وهو حليف سابق ل ( علي عبدالله صالح ) وحليف رئيس للحكومات الدكتاتورية في الخليج , ليحوّل الثورة اليمنية عن سلميّتها وليخلط الاوراق , ليتمّ الاعلان عن المبادرة الاستنقاذية للحكومات ” الطيّبة ” في الخليج , فتمّ تسليم الحكم , ولكن بطريقة ابقت الاوضاع الديموغرافية والسياسية على ما كانت عليه , وانهت الثورة .

اما في ( البحرين ) فالوضع مختلف , لأن الشعب كان ( شيعياً ) في الغالب , وهو صاحب الارض والتأريخ , لذلك كان من المنطقي ان تعلن امريكا والغرب والديمقراطية والامم المتحدة وضمير الجامعة العربية ومنظمات حقوق الانسان وأد هذه الثورة , التي ظلّت سلمية , وظَلَّ حاكم ( البحرين ) يقمع المحتجين بصفة رسمية , وغاب الاعلام بصورة شبه تامة , بقنواته الثورية والمتحضِّرة والمهنية , وهذا ذاته ما حصل مع الانتفاضة الشعبية في الاحساء والقطيف .

مما لفتَ نظر المفكر الامريكي ( نعوم تشومسكي ) الذي قال : ” وفي الخليج تم حجب ( البحرين ) بشكل وحشي ” , في اشارة الى عزلها الذي وصفتُه سابقا .

كان من الضروري – عالمياً – التجاوز عن معضلة ( البحرين ) , التي تضمّ الاسطول الخامس الامريكي الديمقراطي , للمباشرة بتنفيذ المشروع الاكبر في سوريا , ليتجه ( يأجوج ) و ( مأجوج ) بعدها للعراق ولبنان وايران , ومن ثم يتم البدء بالمرحلة اللاحقة في خطة حكم ” الدجّال الديمقراطي ” .

دعاة الديمقراطية في سوريا.jpg

فرأينا اغرب خليط للديمقراطية في سوريا , من السلفيين والقاعدة , والامريكان واسرائيل والبريطانيين والفرنسيين والغربيين , والاتراك , والعرب , والاكراد , والدكتاتوريات العتيقة في الخليج والعسكر , والافغان العرب , والعلمانيين , والانظمة الاخوانية الجديدة , والإعلام المختلف فكراً وطرحاً المتّفق في سوريا , ووعّاظ السلاطين , في توليفة عجيبة , لو نالتها فلسطين لساعة واحدة لتحررتْ . والاغرب ان الشعوب الساذجة لازالت تصدّق ان هذه الخليط الدموي يريد الاسلام الديمقراطي في سوريا ! .

نموذج للتلاعب الاعلامي في سوريا.jpg

نموذج للتلاعب الاعلامي في الاحداث السورية

وكان يرافق هذه التحركات تزايد قنوات الدم السَلَفية الفضائية , التي تظهر الشيعة بصورة مشوهة وبأوقات مكثفة , الغتْ صورة اسرائيل من الذهنية العربية , لنعتاد بعدها على الدعوات المطالبة بقتل الشيعة وفتح العلاقة مع اسرائيل , فيما ظلّ انبوب الغاز المصري يغذّي اسرائيل , رغم وصول الثوريين من الاخوان الاسلاميين للسلطة , واصبح الانبوب تحت حماية الشعب بدلاً من حماية الحكومة , بل قررت الحكومة الاخوانية هدم الانفاق التي تغذّي الشعب المحروم في ( غزّة ) , بعد ان كان امل الشعوب العربية الساذجة ان وصول الاسلاميين للحكم سوف ينعش ثورة الشعب الفلسطيني .

وراحت الشعارات تنتشر عبر الاعلام السَلَفي ” ان الطريق الى فلسطين يمضي عن طريق سوريا والعراق وايران ” , فيما تمتلك دولهم اطول الحدود مع اسرائيل , ولم نسمع ان سَلَفيّاً كان له دور جهادي واقعي في فلسطين . فيما كانت سوريا ولبنان والعراق وايران اكبر واشرس الاعداء المباشرين للصهيونية واسرائيل بالفكر والسلاح , وهذا الامر لا يحتاج الى بيان , فهم لازالوا يعانون الحصارات الدولية والعربية ضدهم , بينما تقرر السلفية ذبحهم وبفتاوى دينية , فماذا يريد المشروع الشيطاني اكبر من هذه النتيجة ! .

يقول ( نعوم تشومسكي ) في لقائه مع (عبد الرحيم فقرا ) , عندما سأله ” إنما هل قراءتك للوضع هي : أن الإسرائيليين يتخوفون أكثر من الغرب من نشوء حكومة سورية في المستقبل تسيطر عليها الحركات الإسلامية أم ماذا كيف ترى الموقف؟ ” , فأجاب : ” إن ذلك يعتمد على نوعية الحكومة الإسلامية . إن إسرائيل ليست قلقة من الحكومة الإسلامية الراديكالية في السعودية , لأنهم ليّنون تجاه المصالح الإسرائيلية . إن موضوع الإسلاميين ليس هو السؤال الصحيح الذي يُطرح , إن الموضوع هو التبعية والتكيّف , ويمكن أن يكون ذلك إسلاميا أو غير إسلامي. ” .

ويبرز دور كاريزما ( اردوغان ) الاسلامي التركي في مسرحية ( دافوس ) , وتتحرك العاطفة العربية السمجة له , ثم جاءت المسرحية الهزلية ل ” أسطول الحرية ” , والتي اشد ما اثار الاستغراب فيها هو وجود السَلَفيين , فلم نعهد ان لهم احساساً ثوريّاً او همّاً فلسطينيا , وهمْ لا يتحركون الا باذن رسمي من حكوماتهم – المعادية في الغالب للقضية الفلسطينية – يجيز لهم شرعاً السياسة , لكن بعد ان تبيّنت خيوط اللعبة عرفنا انهم كانوا جزءاً من كادر المسرحية الخاصة بصناعة الكاريزما التركية , والتي وضحتْ اكثر بعد الحملة الاعلامية الجبارة حول مظلومية شعب مجهول اسمه ” مسلمي الروهينجا ” في ( بورما ) , والتي تمّ فيها نشر صور يُفترض انها مجازر ضد هؤلاء المسلمين , لكن بعد ان تمّت المباشرة بالمرحلة الثانية من الحملة الاعلامية ونشر صور جديدة – تظهر التدخل التركي لمساعدة مسلمي بورما – صار الامر مشكوكا , وعند القيام بجمع اغلب الصور المنشورة والتحقق من حقيقتها , ظهرت الحقيقة المخجلة للإعلام العالمي , وتبيّنتْ خيوط لعبة ظلامية قبيحة لإبراز تركيا ككاريزما اسلامية مفترضة , تمهيداً لتدخّلها في سوريا , فكلّ هذه الصور لم تكن في ( بورما ) ولا ضد مسلمي ( الروهينجا ) , بل ثبتَ انها لحوادث متفرقة في العالم , جمعها ظلاميو الفيسبوك , ليستغلّوا مآسي انسانية لصالح مجازر سياسية .

استغلال احداث بورما للتاثير في سوريا.gif

فكانت بعض هذه الصور في غينيا لحوادث عشائرية , وبعضها في تايلند تتعلق بمسلمي جنوب تايلند , وبعضها لضحايا الاعاصير , وفي قضية الأعاصير كان رجال الدين البوذيون يحرقون جثث موتاهم , فتمّ تصويرهم على انهم يحرقون جثث المسلمين , وفيما احدى الصور كانت في الحقيقة مأخوذة للاعتقالات التي تقوم بها القوات الصينية في ( التبت ) , في 2007 م , كحال بقية تواريخ الصور , تم نشرها في خبر مفاده ان الحكومة التركية قامت بطرد البوذيين من تركيا , مستغلين اختفاء وجوه الشرطة الصينية تحت الخوذة الزجاجية , وفيما راح بعض العرب السذج منتشين بهذا الانتصار الوهمي والتافه , لم يكلفوا انفسهم بالسؤال : هل يوجد بوذيون في تركيا اساسا ؟!.

استغلال احداث في التبت للترويج لتركيا.jpg

وقد باشر الاعلام العالمي والعربي – المملوك للنخبة – اكبر عملية ابادة للحقيقة في سوريا والمنطقة العربية , فخلط الاوراق وجمّل النفاق . وخلال اسابيع كانت سوريا في الذهنية العربية عبارة عن آلة للموت والمجازر ضد اهل السنة والجماعة , هذا عند السلفيين ومَن يتأثر بفكرهم , اما المؤسسات الداعية للديمقراطية فكانت تراها دولة دكتاتورية , ولكنّ الجميع اتفقوا على ان الحكومة السورية اخطر من اسرائيل .

يقول ( يورغن السيسر ) رئيس تحرير مجلة ( كومباكت ) الالمانية , والتي فتحت ملفا خاصا في 2012 حول الاحداث في سوريا تحت عنوان ” هكذا يتم الكذب علينا ” : ” لا يتم فقط جرّنا الى هذه الحرب , بل ويتم الكذب علينا ايضا , ما هي طبيعة هذه الاكاذيب ؟ , افظع شيء هو الكذب المتعلق بالأمور الانسانية , وبالأخص عندما يتم توظيف جثث الاطفال , فعندما يريدون تهيئة الرأي العام لحرب ما يقومون بعرض موتى من الاطفال , وحتى اموات من الرضع , والخطوة التالية التي سوف نشهدها لاحقاً ايضا هي الترويج لأنه يتم انشاء معسكرات شبيهة ب ( الاوشفيتز ) النازية , لكننا لانزال الان في مرحلة الاموات الاطفال والرضّع , وقد حدث ذلك سابقا في حالة حرب العراق 1991 م , فيما يسمى قصة ( نيّرة الصباح ) , حيث زعمت انه في الكويت المحتلة قام جنود عراقيون بسرقة وتدمير حاضنات حديثي الولادة في المستشفيات , وفعلوا كل ما الى ذلك من هذا الكذب والتدليس , ولكن الرأي العام تم استثارته وجعله جاهزاً للحرب , والشيء نفسه يراد له ان يحصل مرة اخرى في حالة سوريا , .. ” , ويستمر ( السيسر ) قائلا : ” في ( الحولة ) في نهاية شهر آيار تم قتل 108 من المدنيين , وبالطبع اُعتبرتْ هذه مناسبة لطرد جميع السفراء السوريين من جميع الدول الغربية , هذا يعني انه من قبل ان تنشف الدماء من على الجثث حتى جُعلت الحكومة السورية مسؤولة عن القتل في ( الحولة ) , ومن ثم اُضيفَ الى ذلك تباكي ودموع , و ( آني فيل ) البرنامج التلفزيوني الكبير يقول : < كم من الاطفال على ( الاسد ) ان يقتل قبل ان نهاجم > , هكذا صيغ عنوان البرنامج تقريبا , ومن ثم تمّ طبعاً الذهاب الى ابعد ما يمكن , هي بالتأكيد مجزرة بشعة , ولكن كما اظهرتْ تحقيقات على الارض نقدّمها في المجلة , لم يكن الفاعلون المجرمون هم من الميليشيات القريبة من الحكومة , بل اتى المجرمون بنسبة 99 % من طرف المعارضة ومما يُدعى بالثوّار , هؤلاء الذين يتمّ دعمهم من المملكة العربية السعودية وانظمة غنية سُنّيّة اخرى , كان هناك مراسل الماني من صحيفة ( فاتس ) قام بالتحقيق في مكان الحدث , ومن خلال استطلاعات قام بها هذا المراسل في ( الحولة ) توصّل الى ان جميع الضحايا هم من المذهب الشيعي او العَلَوي .. ” .

المحرر الصحفي الالماني يورغن إلسيسر.jpg

ونتيجة لتأخر وتعرقل المشروع الشيطاني في سوريا كان من اللازم المباشرة بالمراحل الاخرى , فتمّت المباشرة بزرع العبوات الناسفة البشرية , الناسفة للمقاومة في جنوب لبنان عبر المسيرات والاعتصامات السَلَفية , بعد ان قام فريق ( سعد الحريري ) وتيار ( المستقبل ) و ( سمير جعجع ) بأدوارهم الانقسامية هناك .

فيما كان الاهم الاكبر هو القبائل الشيعية الكبرى في وسط وجنوب العراق , والتي لم ينجح المشروع الامريكي السَلَفي في استفزازها , لوجود مرجعية دينية منضبطة حاكمة على تحركاتها , فكان من الضروري البدء بسلب عناصر القوة الاخرى عنها , فهي قبائل معروفة تاريخياً بقدرتها القتالية العالية وحسّها الجهادي وعاطفتها الثورية وتربيتها الدينية , فتمّت المباشرة بمشروع نزع سلاح هذه القبائل عن طريق جهات غير شيعية , بالتعاون مع مجاميع شيعية ساذجة او ضعيفة النَفْس , لكنّ المشروع تمّت عرقلته , نتيجة وعي المرجعية الدينية الإسلامية الشيعية في العراق متمثلة بشخصية فذة وواعية جداً ( الشيخ محمد اليعقوبي ) , وشخصية مرجعية دينية جهادية في ( قم ) هو ( السيد كاظم الحائري ) , لتتابع بعدها توجيهات المرجعيات الدينية الشيعية الاخرى . ويظهر من القراءة الاولى لهذا المشروع – المتعلق بنزع سلاح القبائل العربية الشيعية في العراق – ان هناك تخطيطاً لتدخّل مسلّح مباشر ضد شيعة العراق , في مراكز كثافتهم السكانية , وما يؤيد هذا الرأي هو الكم الهائل من السيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي تم تفجيرها او ارسالها مؤخرا لمدن شيعية كانت تعتبر على الدوام آمنة[2] .

ان ما يجري يعيد الى الاذهان ذات الاوضاع التي شهدتها المنطقة في بداية القرن العشرين , عندما تحالف البريطانيون مع ( آل سعود ) ومشايخ الخليج , ضد الدولة العثمانية , فيما ظلّ الشيعة – رغم معاناتهم من عنصرية العثمانيين – الحلفاء الوحيديين للعثمانيين بدعوى الاسلام , وكان لشعارات ( آل سعود ) الدينية ذات التأثير على ذات العقول البدوية حينها , مما تسبّب في انهيار اكبر امبراطورية اسلامية , واجتياح البريطانيين لمجمل المنطقة العربية , وبعد ان بقيت بريطانيا بعيدة لمئتين سنة عن الاراضي العراقية بسبب تآزر القبائل العربية الشيعية فيه , دخلتها بمباركة البدو العرب والضعف العثماني , وبعد ان زرعتْ مجموعة من عشائر الجزيرة العربية خلال مئة عام بين هذه القبائل , لتساهم في إضعاف هذه القبائل .

كما ان السُلْطة في العراق حينها تم تسليمها لجمعية ( العهد ) التي كانت في الخارج , رافضة لمبدأ محاربة القوات الاجنبية الغازية , والتي تشكّلت من بعض الضبّاط الذين خرجوا على الدولة العثمانية , فيما تم مطاردة ومحاربة جمعية ( الاستقلال ) التي حاربت ضد الجيوش البريطانية , والتي كانت تملك التأثير على الارض , لأنها تشكّلت من عناصر شيعية مثقفة , والنتيجة ان نظام الحكم والتعليم والاقتصاد في العراق رسمته بعدها ايادي خائنة , تم تصويرها لاحقاً على انها قوى ” قومية عربية ثورية ” ! .

من هنا نستشف ان المشكلة لا ترتبط بشكل نهائي بالمؤامرات الشيطانية , بل ترتبط اساساً بالثقافة البدوية السطحية للقبائل غير الشيعية وكذلك بالنظام الاسلاموي الدموي المغلوط والمقلوب الذي زرعه الشيطان في الرحم العربي عن طريق ( بني امية ) وامثالهم , والملخّص هو ان الفكر العربي ارض خصبة للتلاعب .

” ان العرب سيخضعون لسايكس بيكو الثانية كما خضعوا لسايكس بيكو الاولى ” , ” اذاً جزء من مهمتي في الحياة هو التوسل الى الشارع العربي ألّا ينجرّ مجددا , ومقولة ( جورج بوش ) الشهيرة – والتي قالها في فيلم ( فهرنهايت 9 ايلول سبتمبر ) – : < عار عليك ان خدعتني مرة , وعار عليّ ان خدعتني مرتين > . وهذا هو شعوري حيال الامر سيداتي سادتي , ان خُدعتم للمرة الثانية فالعار عليكم وليس عليهم ” ( جورج غالوي ) .

الخلاصة :

ان خيوط المشروع الشيطاني باتت واضحة , ولا تحتاج الى جهد للتأمل في حقيقتها . كما ان مستوى السذاجة التي اظهرتها المؤسسات والشعوب العربية والاسلامية كان خطراً جداً , ويحتاج الى اعادة تقييم حقيقي من قبل الجهات التي لازالت تحتفظ بشيء من العقلانية غير المتأثر بالعاطفة الملوَّثة اعلاميا .

كما ان تبدّل المفاهيم التاريخية والسياسية يثبت وجود تلاعب كبير بالفكر العربي , ولكن كلّ ذلك يعلن قدوم الشيطان الى المنطقة , وفي ظل هذه السذاجة والعاطفة الملوَّثة والدِين الأعور والإعلام المملوك لن ينجو شخص او مؤسسة او تأريخ او أيدلوجيا , فكلها ستنظر بعين واحدة , هي عين ” الدجّال ” .

· تم نشر المقال في عام 2012 م .

[1] , محاضرة بعنوان ( سايكس بيكو ) الثانية , لبنان .

[2] وهذا ما حدث فعلياً بعد سنتين من كتابة المقابل , أي في عام 2014 م حين غزت قوافل ( داعش ) و ( القاعدة ) و ( البعثيين ) ثلث مساحة العراق , فهجّرت وقتلت مئات الالاف من الشيعة , وحاولت اختراق وسط وجنوب العراق , لكنها فشلت بسبب توحّد الشيعة وتأسيس قوات ” الحشد الشعبي ” .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here